في أكثر العمليات الإرهابية دموية في التايخ المصري الحديث استشهد أكثر من ثلاثمائة مواطن مصري كانوا يصلون الجمعة في قرية الروضة في بئر العبد، واستخدم الإرهابيون أسلحة متوسطة ورشاشات وأشاعوا الفزع في القرية ثم اختفوا، وفي أثر هذه العملية الإرهابية طالبت قبيلة الترابين وهي من أكبر قبائل سيناء بتمشيط المنطقة بالتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون لتطهير سيناء من الإرهابيين ولنا على ما جرى الملاحظات التالية: إن هذا الإرهاب الخسيس دليل واضح على نجاح قوات إنفاذ القانون من القوات المسلحة والشرطة في محاصرة الإرهابيين وتوجيه ضربات قوية لهم بحيث لم يجدوا وسيلة سوى قتل المصلين العزل في المسجد، ويجب أن يتم التعامل مع هذا الحادث ضمن هذا الإطار لتأكيد صلابة تلك القوات وما تقوم به من جهود لحماية الأمن القومي المصري ليس في سيناء وحدها ولكن على امتداد الوطن. إن محاولة ربط هذه العملية الإرهابية التي شهدها المسجد بما يسمى بخلاف فقهي بين التكفيريين المتشددين، وإحدى الطرق الصوفية (الطريقة الجريرية) هو أمر يتجاوز الحقيقة ويحاول مروجوه أن يبرروا هذا الإرهاب بخلاف فقهي وهذه أكاذيب فالعملية إرهابية بالاساس والشهداء في معظمهم لا ينتمون إلى هذه الطريقة المسالمة، ومن قاموا بها مجرمون إرهابيون اختاروا حلقية ضعيفة لإثبات وجودهم بعد فشلهم في المواجهة مع قوات إنفاذ القانون، ولا شك أن مراجعة االعملية الإرهابية والتي تضمنت تفجير المسجد وضربه بالصواريخ وقيام مجموعة إرهابية ضمن هذه العملية بقتل الهاربين من المسجد وضرب سيارات الإسعاف دليلً على تأصل الفكر الإجرامي الإرهابي المجرد والذي لا يستند لأي دوافع فكرية أو فقهية بالدرجة الأولى. إن أي دولة في العالم – مهما كانت قدراتها – لا تستطيع أن تستبق مثل هذه العمليات الإرهابية الجبانة التي تستهدف المدنيين ولعل ما جرى في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا خلال الفترة الأخيرة دليل على ذلك. إنه لا يوجد أي تمييز بين التنظيمات الإرهابية على اتساعها ويجب عدم الوقوف كثيراً أمام ما يملأ شاشاتنا التليفزيونية حول تشدد المنتمين لداعش قياساً بتنظيم القاعدة، ودموية ذلك قياساً بالآخر، فلا يوجد فارق بين تلك التنظيمات رغم تعدد مستوياتها، وما جري ويجري في سوريا دليل على ذلك فهناك على سبيل المثال تنظيم سلفي متشدد اسمه «جيش الإسلام» انخرطت فيه مجموعات مصرية وعاد بعضها إلى سيناء وبصفة عامة فإنه أقل تشددا من تنظيم داعش وتنظيم النصرة المرتبط بالقاعدة وعندما سئل زعيمه الذي قتل ونفاه زعيم السلفيين في مصر برهامي ما الفارق بينكم وبين التنظيمات الأخرى داعش والنصرة وأحرار الشام كانت إجابته وبالنص «لافرق بين إخواننا في الفصائل الأخرى» أن المظلة الرئيسية لكل هذه التنظيمات الإرهابية هي تنظيم الإخوان المسلمين وكان التنظيم السري لها هو البداية العملية لذلك، ولعل وثائق بن لادن التي نشرت اخيرا الدليل الواضح على ذلك وعلى دور التنظيم في توفير المناخ الذي ساعد على تبلور تنظيم القاعدة، وكذلك الدور القطري في دعم هذا التنظيم منذ البداية وطوال نشأته في أفغانستان، حيث اكتشفت الولاياتالمتحدة آنئذاك تسرب صفقات أسلحة كانت باعتها إلى قطر إلى ذلك التنظيم وهي العملية التي كانت تتم تحت رعاية عم الأمير الحالي والذي كان نائباً لرئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك ولم تتخذ الولاياتالمتحدة أي إجراء بهذا الخصوص. إن تنظيم داعش لم يظهر فجأة من العدم فهو جزء من تنظيم القاعدة، وإرهابيى سيناء هم جزء من تنظيم القاعدة أعلن ولاءه لداعش ويجب الا نقف أمام ذلك كثيراً فهم إرهابيون منذ الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد المصرية وصولاً إلى أي مسميات جديدة لتنظيمات إرهابية، فالمنظرون هم أنفسهم ومراجعهم التكفيرية هي نفسها وفكرهم التكفيري واحد. أنه رغم الإعلان عن تدمير دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش في سوريا والعراق والتي أكد الخبراء العسكريون والأمنيون الأمريكيون والأوروبيون أن هذا التنظيم كان يضم فيها ما بين خمسين إلى ستين ألف إرهابي، لم يتم القبض سوى على ثلاثة آلاف منهم، نصفهم مشكوك في انتمائه إليه ولم يعلن سوى عن جثث لعدد قريب من ذلك فأين ذهبت هذه الآلاف، ومن سمح لهم بالخروج من الحصار الذي فرض عليهم وكيف وصل بعض منظري التنظيم وقياداته العسكرية إلى ليبيا لتكون المرتكز الجديد للتنظيم لتهديد الأمن القومي لمصر بالدرجة الأولى، كما أن التقارير التي تصدرها مراكز دراسات الإرهاب في أوروبا والولاياتالمتحدة تجمع على أن تنظيم القاعدة يشهد نوعاً من استعادة النفوذ والتنامي، وأن أهم فروعه التي تشهد ذلك هو الذي ينتشر في منطقة الساحل والصحراء جنوب ليبيا والجزائر والمنطقة الممتدة حتى تشاد وصولاً إلى الصومال وأنه يسعى لتأكيد وجوده في ليبيا، وأن كلاً من تنظيمي القاعدة وداعش يعتبرن مصر هي الهدف الرئيسي لهما. إن جوهر استراتيجية جميع التنظيمات الإرهابية هي إسقاط النظام السياسي ومؤسساته في الدولة التي تستهدفها، وأولوية ذلك إسقاط أجهزة ومؤسسات الضبط والسيطرة أي القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية للاستيلاء على مقدرات الدولة واستخدامها للإنتقال إلى دول الجوار، وهو ما يجب الإنتباه إليه بشدة، فهذا هو الفكر الرئيسي لكافة التنظيمات الإرهابية. قد يكون من الضروري استثمار الزخم العالمي الذي يستنكر العملية الإرهابية للمطالبة بإصدار قرار أو بيان رئاسي من مجلس الأمن لإدانة الجماعات الإرهابية ولتأكيد أنهم ليسوا جماعات متمردة أو ميليشيات ولكن إرهابيين، وأن يطلب المجلس من لجنة مكافحة الإرهاب الدولي أن تقدم كل الدعم لمصر في مجال مكافحة الإرهاب، كما أنه من المفيد أيضاً أن يجري مجلس النواب المصري اتصالاً بالبرلمان الأوروبي والبرلمانات الدولية للتأكيد طبيعة القائمين بالإرهاب في سيناء والواحات وذلك لمراجعة بعض مواقفهم السابقة بهذا الخصوص.إن اجتثات الإرهاب في مصر سوف يتواصل ونحن في حاجة إلى مواصلة الإستراتيجية الأمنية الواسعة لتحقيق ذلك فالخطر سوف يتزايد مع هروب آلاف الإرهابيين من سوريا والعراق ولا بد من وقفة مجتمعية أكثر جدية لمساندة تلك الإستراتيجية وليتوقف جنرالات المقاهي ووسائل الاتصال الاجتماعي عن انتقاداتهم وتحليلاتهم فإن الوطن مهدد، وليس من قبيل المصادفة أنه كلما حققت مصر إنجازات في طريقها لتجاوز عنق الزجاجة الاقتصادي تفاجأ بمثل هذه العمليات الجبانة. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات;