نحن نفتقد عادل حسين, افتقدناه علي الدوام منذ غادرنا إلي دار الخلود, ونفتقده منذ قامت ثورة25 يناير,وهو في يقيني من مثيري هذه الثورة, وإن كان غاب عن دنيانا قبل عشر سنوات وما زلت أذكر عناوين صحيفة الشعب التي كان يرأس تحريرها في سنواته الاخيرة وهي تتحدث تحت عناوين مثل الثورة... الثورة. وما زلت أذكر القضايا و المسائل العديدة التي كانت تفجرها صحيفته وحزبه, حزب العمل, ضد نظام حسني مبارك وانحرافاته عن التوجه الوطني وخضوعه للمشيئة الأمريكية وتحديه اقتصاديات البلاد واستبداده مع الفساد الذي استشري. كانت حياة عادل حسين كلها ثورة وكلها سياسية, وكان يستهدف دائما وطول عمره, في عمله السياسي والثوري, القضاء علي كل فاسد وظالم وقبيح وغير وطني, ويتوجه دائما إلي السعي نحو الاصلح والأفضل والأكمل. وإن ثقافته السياسية كانت تعينه علي ذلك, في شمولها وإحاطتها. فهو مارس السياسة لا في نشاطها العملي فقط, ولا في تشكيلاتها الحزبية فقط, سواء تشكيلات علنية أو سرية, ولكنه مارسها دراسة ومتابعة فكرية في كل فروع المعرفة الثقافية, سواء كانت تاريخ بلده أو تاريخ وتجارب دول العالم, وسواء كانت في علوم الإقتصاد أو الاجتماع, وسواء كانت في معارف الفلسفة والعقيدة المتصلة بأمور السياسة. لذلك كانت لديه القدرة علي الإحاطة بالمشكلات السياسية في أعماقها الفكرية وفي تفاعلاتها الاجتماعية وتداخلاتها, ويستطيع أن يدرك الظواهر المتعلقه بحس قادر علي التفكير المركب. وكانت لديه خبرة الممارس في الشأن السياسي, من العمل الحزبي والجماهيري إلي الجدل في منتديات المثقفين إلي النشاط الصحفي و الإعلامي, وأكسبه هذا القدرةعلي التعامل مع القوي السياسية المتنوعة والمختلفة, ومكنه من قدرات التنسيق والتحالف, وأن يجمع بين الحداثة والمدنية من جهة وبين الموقف العقدي والثقافة الموروثه, واتصل بكل التيارات والاتجاهات السياسية اتصال تعايش ومعرفة. ومن مزاياه رحمه الله أنه لم يكن منغلقا عن أي فكر يخالفه بل كان يهتم بمعرفته والتنقيب عن سياقاته الفكرية الداخلية وعوامل قيامه ومؤثرات وجوده وانتشاره. ونحن لا ننسي كتاباته, ولا يجوز أن ننسي كتابه الشهير عن الاقتصاد المصري من الاستقلال إلي التبعية19791974 الذي نشر سنة1981 وكشف فيه عن التحولات التي حدثت في الاقتصاد المصري في عهد أنور السادات في هذه السنوات, والتي تحولت فيها مصر من الاستقلال الاقتصادي الذي عرفناه من السنوات العشرين السابقة, إلي التبعية الاقتصادية التي مازلنا للآن في2012 نعاني منها. والكتاب من جزءين يقع في1030 صفحة. وهكذا في ذلك الوقت المبكر جدا أدرك عادل بعمق معارفه الاقتصادية كل ماصرنا إليه من المعاناة علي مدي الثلاثين سنة التالية, وما حدث ويحدث من انهيارات في أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية. وفضلا عن هذا النظر الثاقب للدلاله التاريخية السياسية التي تنبئ عنها اجراءات جرت في خمس سنوات, والتي تحكم بعد ذلك مسار ثلاثين سنة ولم تنقض بعد, فضلا عن ذلك فإننا في ذات الكتاب الفصل الخامس فيه الذي عنوانه مفهوم التبعية والاستقلال وكشف في هذا الفصل بوضوح العلاقة الوثيقة بين المسألة الثقافية للأمة وبين التطور الاقتصادي والسياسي لها, وأثر الثقافة في هذا السياق من التطور. وهو فصل أتمني أن يعاد نشره في كتاب مستقل في هذه الأيام, ليصل إلي جماهير المصريين الآن, فما أحوجنا إليه في هذا الوقت بالذات, وأن نشيع مفاهيمه بين المصريين. لقد عاش عادل حسين بيننا ثمانية وستين عاما إنتهت في مارس2001, كان أكثر من خمسين سنة منها كلها عمل سياسي ثم فكر سياسي, وكان بخبرته السياسية العمليه وبنشاطه الجماهيري, يستطيع أن ينقل إلي الحياة السياسية العملية مجمل السياسات الوطنية التي تتوافق مع الجمهرة الشاملة للأمة, وتسهم في سعيها الحثيث لبناء نظام وطني ديمقراطي في مجال السياسة والاقتصاد وفي إطار الثقافة العامة السائدة في الأمة. والحمد لله