استخدام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وصف «إرهابى» على مرتكب حادث الدهس وإطلاق النار العشوائى فى منهاتن بمدينة نيويورك، والذى أسفر عن مقتل أكثر من ثمانية قتلى وأكثر من 12 مصابا، ووصفه الحادث بأنه أكثر الاعتداءات دموية منذ نسف البرجين عام 2001، وجه الأنظار مرة أخرى إلى قضية سهولة اقتناء الأسلحة النارية فى الولاياتالمتحدة لأى شخص. هذه القضية التى تحدثت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فى مقال للكاتب تشارلز بلو تعليقا على القتل الجماعى والعشوائى المستمر فى الولاياتالمتحدة، أشارت إلي أن هؤلاء القتلة هم مواطنون أمريكيون ومن مواليد الولاياتالمتحدة وحصلوا على أسلحتهم وذخيرتهم من أمريكا، ليقتلوا بها أمريكيين آخرين، هذا الرأي يأتي فى سياق المناقشات التى تجددت حول تسهيل اقتناء السلاح لأى مواطن، وهى المناقشات التى كانت تثار من وقت لأخر طوال السنوات الماضية. فالسياسيون لم يفعلوا شيئا إزاء الضجة التى تثار حول انتشار مبيعات السلاح حتى لصغار السن، كما أن الكونجرس لم يتخذ أى قرار فى عقب أى ضجة نتيجة أى حادث قتل جماعى لأبرياء يستخدم فيه السلاح الذى يتم بيعه لأى فرد يريد. وذلك بالرغم من أن التقديرات تذكر أن أكثر من 30 ألف أمريكى يموتون سنويا من إصابات نتجت عن إطلاق الرصاص عليهم، بل أن مبيعات البنادق تزداد بعد هذه الحوادث، بدلا من أن تتناقص، حتى إن البعض يخشون من تقبل الأمريكيين لاقتناء السلاح لدى الأفراد على نطاق واسع، وكأنه شىء طبيعى، بينما هو غير طبيعى على الإطلاق. وكما يقول تشارلز بلو فإن السياسيين الذين التزموا بموقف ألا يفعلوا شيئا بشأن فرض رقابة على شراء الأسلحة، يلتزمون الصمت عقب كل مأساة قتل جماعية من التى تحدث فى الولاياتالمتحدة. فى نفس الوقت كتب نيكولاس كريستول فى صحيفة «نيويورك تايمز» رأيه بعنوان «أمنعوا مزيدا من إطلاق الرصاص»، وقال إن الحكومة الفيدرالية لم تبذل مساعى جادة لتقليل أعداد قتلى إطلاق الرصاص، وأن «لوبى البنادق» وهو اللوبى المنتشر فى أنحاء الولاياتالمتحدةالأمريكية ويتمتع بنفوذ كبير خاصة فى الكونجرس، أعلن أن هذا ليس وقت الكلام فى السياسة، أى أنه يعتبر مناقشة القضية مسألة سياسية. وكان الرد على مقولة «لا تجعلوا من إطلاق الرصاص مسألة سياسية»، هو الذى قاله كثيرون من أن السياسة تعنى أننا نعيش هنا فى هذا البلد، أى أننا مواطنون وأن من واجب الدولة حماية من يعيشون فيها، وتعنى أيضا السؤال، لماذا لم يكن هناك تحرك حكومى فيدرالى فعال طوال عشرات السنين للرقابة على شراء الأسلحة النارية؟، وأن أى شىء متصل كلية بالسياسة، أى أن هذه القضية هى قضية سياسية فى المقام الأول. واستشهد الكاتب بما فعلته أستراليا عندما عانت من إطلاق النار على نطاق واسع عام 1996، وقتها توحدت البلاد وراء إصدار قوانين مشددة لتقييد حمل الأسلحة النارية، والنتيجة كانت انخفاض معدل القتل بالرصاص إلى النصف، بينما معدل القتل بالرصاص فى الولاياتالمتحدة يعادل الآن 20 مرة المعدل فى أستراليا. ففى أمريكا يسقط يوميا 92 قتيلا برصاص البنادق، وبمقارنة هذه النسب بما يجرى لأطفال صغار ممن يسقطون قتلى بالبنادق نجد أن المعدل يزيد 14مرة عنه فى دول أخرى متقدمة، وذلك طبقا لتقرير جامعة هارفارد. ويقف بقوة فى مواجهة أى محاولة لتقييد حمل الأسلحة النارية، اللوبى الذى يحمل اسم «المؤسسة الوطنية للبنادق» والتى بدأ ظهورها مبكرا عام 1871، ثم تطور نشاطها بدخولها عالم السياسة عام 1934، لتمارس نفوذا تزايدت قوته عبر السنوات الطويلة الماضية. ومنذ عام 1934 بدأت هذه المؤسسة وبشكل منتظم ترسل بالبريد رسائل إلى أعضائها تتضمن معلومات عن أى مشروع قانون سيناقشه الكونجرس لتقييد حمل البنادق، عندئذ تبدأ حملة ضغوط من أعضاء هذه المؤسسة على رجال الكونجرس فى دوائرهم الانتخابية ضد الموافقة على هذا القانون. فى نفس الوقت كان اللوبى الذى تسانده مؤسسات مالية يقدم تمويلا للحملات الانتخابية لبعض المرشحين للكونجرس حتى إنه صار من أكثر قوى الضغط فى أمريكا نفوذا، ولديه ميزانية تصل إلى 250 مليون دولار تمكنه من التأثير على أعضاء الكونجرس، ويقدر ما ينفقه اللوبى سنويا بثلاثة ملايين دولار لممارسة نفوذه على سياسة حمل البنادق. هذا اللوبى يضم فى عضويته خمسة ملايين عضو، ومن أبرز أعضائه الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، الذى استقال عام 1995، ونائبة المرشح السابق للرئاسة ساره بلين، أما أبرز من تولوا رئاسته فكان الممثل الشهير تشارلتون هيستون فى الفترة من عام 1998 وحتى عام 2003. وأمام قوى تأثير اللوبى، كانت كل المشروعات التى تتصدى لانتشار الأسلحة النارية تهزم فى الكونجرس، وأخرها مشروع قدم إلى الكونجرس عام 2014 عقب المذبحة التى ارتكبت ضد تلاميذ مدرسة كونيتيكت الإبتدائية، والتى راح ضحيتها 27 شخصا منهم 20 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 5 و7 سنوات، ووقتها علق الرئيس أوباما على هزيمة مشروع القانون بالكونجرس بقوله، إن 90 % من الأمريكيين يؤيدون اتخاذ إجراءات للتحقق من الأشخاص الذين يسمح لهم بشراء السلاح النارى، لكن رغباتهم لم تتحقق أمام قوة ونفوذ اللوبى فى الكونجرس. وأوضحت صحف أمريكية أن المشرعين يخشون من أن يضر تصويتهم ضد حمل البنادق بفرص إعادة انتخابهم للكونجرس، نتيجة ضخامة نفوذ المؤسسة الوطنية لحمل البنادق والتى يؤيدها 36 % من الأمريكيين. فى هذه الأجواء جاءت كلمة ترامب التى وصف فيها حادث منهاتن بأنه «إرهاب» ، وأن من قام به إرهابي، لتضيف بعدا جديدا إلى القضايا المثارة حول سهولة شراء أى مواطن أمريكي السلاح وبأى عدد، ومعنى كلام ترامب هو اعتبار هذه القضية متصلة بالإرهاب بعد أن كان الكثيرون فى أمريكا يصنفون قضية مشتريات السلاح للأفراد باعتبار ذلك حقا طبيعيا لأى أمريكى، وقد ظل هذا المعنى ساريا بقوة، إلى أن وسع ترامب من زاوية النظر إليه ليصبح مرتبطا بالإرهاب، الذى سبق أن اعتبره ترامب أحد أهم أولويات سياسة إدارته، فهل يكون لهذه النظرة تأثير أم يبقى تأثير «لوبى البنادق» وأنصاره فى الكونجرس هو الأقوى فى فرض وجهة نظره؟