طوال العامين الماضيين وفى الثقافة الفرنسية برز أدباء من أصول عرب يكتبون بالفرنسية , وفى موسم الجوائز الأدبية حصل هؤلاء الكتاب على أرفع الجوائز الفرنسية , ومن هذه الأسماء ليلى سليمانى التى حصلت العام الماضى على جائزة جونكور عن روايتها « أغنية رقيقة» والتى صدر قرار مؤخرا بتعيينها مستشارا لرئيس الجمهورية الفرنسية لشئون الفرانكوفونية , وهى من أصل مغربى , وقد بدا المثقف العربى فى داخل بلاده محبوسا لدى نفسه, ولم تفكر مؤسسة واحدة فى ترجمة هذه الرواية أو غيرها من الروايات التى حققت مبيعات عالية مثل رواية 2084 للروائى بو علام صنصال. .............................. فى الأيام الأولى من نوفمبر الحالى وفى يوم واحد تم إعلان اسماء الروايات الفائزة لهذا العام بالجوائز الأدبية نفسها وكانت المفاجأة أو الصدمة أن الرواية الفائزة بجائزة جونكور هى «شأن النهار» للكاتب اريك فوبيار, اما الرواية الثانية التى فازت بجائزة رينودو فكانت للروائى أوليفييه جوس تحت عنوان «اختفاء يوسف منجل», والروايتان تتحدثان عن صعود النازية فى ألمانيا, وعن الرجل الذى حول اليهود فى معسكرات الاعتقال إلى حيوانات تجارب, وهو يجرى عليهم بحوثه فى الهندسة الوراثية, بما يعنى أن الجوائز المهمة هذا العام ذهبت إلى الحقبة النازية, لتصب لعناتها عليها, وتتعاطف فى الوقت ذاته مع الذين عاشوا فى معسكرات الاعتقال. أقل مايمكن إن نقوله أن مثقفينا حين يعرفون الخبر سوف يصبون لعناتهم ضد عنصرية الروائيين الفرنسيين الذين لم ينس الكثيرون منهم ماحدث فى معسكرات الاعتقال النازية قبل ثلاثة أرباع قرن. نحن فى كلتا الحالتين لانعرف, لانتابع, سواء كان هناك احتفال بالثقافة العربية, ومؤلفيها, أو بالثقافة التى تمثل العدو الاسرائيلى, وتلك مشكلة, فحسب المعلومات الأولى لدينا فإن الفائزين لهذا العام ليسا من اليهود, وفى العامين الماضيين كتب أدباء فرنسيون لصالح حضارتنا وهم ليسوا من المسلمين. نكتب هذه السطور بكل الحرقة, والحيرة, ونحن نسكن أكثر خلف جلودنا السميكة, فلانرى من الأمور سوى وجه واحد مسطح, وانا أرى أنه من المهم التعرف على ثقافات الآخرين , فهناك مقولة تقول إن القارئ الفرنسى يؤجل مشاريعه فى القراءة حتى يحل شهر نوفمبر الذى تعلن فيه قرابة أسماء عشر روايات تفوز بكبريات الجوائز . بما يعنى أن القارئ يترك للجان التحكيم فى الأكاديميات الأدبية شرف اختيار الروايات الجديرة بالقراءة , ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الجوائز غير مالية بالمرة , فجائزة جونكور صارت تمنح الفائز بها مبلغا قدره عشرة يورو فى شيك قابل للدفع بالاضافة إلى حفل عشاء يحضره الفائز بالجائزة, باعتبار أن الرواية التى تحصل على جائزة جونكور تبيع مايتراوح بين المائتى ألف, والنصف مليون نسخة, وهذه هى الجائزة الحقيقية. ونحن لن نتحسر عن أحوال الجوائز الأدبية عندنا, لكن دعونا نتعرف على مايقرأ الناس الآن بعد إعلان أسماء الفائزين بكل الجوائزالكبرى. الغريب فى الأمر هو التسمية المقترنة بالرواية الفائزة بجونكور, انها تعنى (نص), أى أنها ليست رواية بالمعنى المفهوم , لكن هناك حكاية متقنة , وكتابة يمكن اعتبارها نصا أدبيا تاريخيا عما حدث عام1933 فى ألمانيا النازية عندما صعد أدولف هتلر إلى سدة الحكم من خلال رئاسته للحزب النازي, انه تاريخ معروف للأوروبيين, ولكن لامانع من قراءته بكتابة جديدة , والروائى الذى فاز عن هذا النص اسمه اريك فويار, هو فرنسى, مولود فى مدينة ليون1968, أى أنه فى التاسعة والأربعين, وقد كان شبه مجهول قبل الفوز بالجائزة رغم غزارة أعماله, وتنوع نشاطه, فهو كاتب سيناريو, ومخرج سينمائي, وشاعر, وروائى, وقد فازت بعض أعماله السابقة بجوائز أدبية صغيرة, مايعنى أن جونكور جاءته عن موهبة, فحسب تصويت أعضاء أكاديمية جونكور فإن فويار قد تفوق على منافسته بأربعة أصوات. وهو كاتب يميل الى الرواية التاريخية «فروايته» أو لنقل النص الأدبى «ماتيو فالكون» مقتبسة عن رواية بالاسم نفسه للكاتب بروسبير ميريميه صاحب الرواية الشهيرة «كارمن» وقد كتب لها السيناريو, والنص الأدبى, وأخرجها فيلما روائيا, وكان قد سبق له أن فعل الشىء نفسه قبل ذلك بعامين مع روايته «الرجل الذى يمشى», وله نصوص تاريخية أخرى فى صور قصصية أما رواية «شأن النهار» فهى بمثابة عمل قصير يقع فى مائة وخمسين صفحة, بما يطلق عليها النوفيلا, أو الرواية القصيرة,وتدور أحداثها فى بداية ظهور النازية, ويركز المؤلف على العوامل الاقتصادية التى ساعدت هتلر فى مسيرته السياسية، حيث اعتمد على المؤسسات الصناعية الكبرى فى مجالات عديدة للتمكن من رجال السلطة, والصعود السياسى والاجتماعى, وهذا الأمر ليس جديدا فقد سبق أن أشار إليه جان بول سارتر فى مسرحيته « سجناء الطونا», وبذلك فإن الاشارة واضحة بأن المحاربين الألمان الذين فى الصدارة هم رجال الأعمال الذين ساعدوا أيضا فى صنع خرسانة التسليح, ورجال الرايخ. والرواية مليئة بالمصطلحات الاقتصادية والعلمية والسياسية التى كانت منتشرة فى ألمانيا فى حقبة الثلاثينيات من القرن العشرين. أما الروائى الثانى، أوليفييه جوس فهو أيضا متعدد الانشطة, مثل زميله وإن كان يصغره سنا, فهو مولود فى عام 1974, فى ستراسبورج , درس فى مدن أوروبية عديدة, كما عمل مراسلا صحفيا فى أغلب هذه المدن , يكتب الرواية التوثيقية, والسيناريو, والتحقيق الصحفى وقد ركز نشاطه العملى فى المانيا, وله كتاب عن سقوط جدار برلين.. ومن هنا جاء اهتمامه بيوسف منجل, كما عمل مراسلا لنيويورك تايمز, وله كتاب عما يجرى فى الشرق الأوسط, وكتاب عن الشيشان والعراق, وقد توقف عند منجل واندمج فى سيرته لدرجة أنه يقول إن الرجل كان يطارده فى حياته, وكم استيقظ من النوم ليلا يهتف باسمه بالنسبة لرواية «اختفاء يوسف منجل»، فهى ليست العمل الأول حول هذا الشخص الذى يكن اليهود له كراهية شديدة, ومن أبرز الروايات التى كتبت عنه» الأولاد من البرازيل «من تأليف ايرا ليفين فى بداية السبعينات وهو كاتب يهودى له الكثير من الروايات الغرائبية مثل «طفل روز مارى» أما «الأولاد من البرازيل», والتى حولها فرانكلين شافنر إلى فيلم ضخم عام1978, حول مايسمى بصياد النازيين الذى ذهب إلى البرازيل لاغتيال منجل, الذى كان يجرى التجارب على الأطفال لاستعادة شخصية هتلر، كما تخيل المؤلف من أجل إرجاع عصر النازية. ومنجل(1911 - 1979) يتمتع بحضور شعبى فى الثقافة الأوروبية والأمريكية الحديثة, فما أكثر الروايات التى كتبت عنه, وبالتالى فإن السينما الأمريكية احتفت به بقوة , ففى عام1976, أى وهو لايزال على قيد الحياة تم إنتاج فيلم كبير عنه, هو «رجل السباق» إخراج جون شيلزنجر عن رواية تأليف ويليام جولدمان بطولة داستين هوفمان, و قام لورانس أوليفييه بدور منجل, وهو نفسه الذى اصصطاد منجل فى فيلم «الأولاد من البرازيل» إخراج فرانكلين شافنر, من بطولة جريجورى بيك, ولاتزال السينما منبهرة بسيرته، ففى الفترة الأخيرة تم إنتاج فيلمين هما: «طبيب العائلة», و«متاهة الصمت». وعليه فليس من الغريب أن يقع أوليفييه جوس تحت تأثير جاذبيته, فرجع إلى الوثائق وزار الأماكن التى عاش فيها خاصة منزله, كما زار مكتبته, ومقبرته, والذى يدهش المؤلف أن منجل رغم كل مااقترفه قد مات بشكل طبيعي, وأنه لم ينل العقاب الذى يستحقه, وهو العقاب الذى رأيناه يناله فى نهايات الأفلام المصنوعة عنه, حيث فشل صائدو النازيين من اقتناصه فى الواقع, وهو الذى هرب إلى الأرجنتين مع الكثير من رفاقه فى نهاية الأربعينيات, و قد تحدثت الرواية عن طفولته فى الطبقة الاجتماعية البسيطة التى انتمى إليها، أى أن الكاتب لم يتعامل معه كمجرم حرب بل كنموذج لانسان امتلأت حياته بالغموض, ويستحق الكتابة عنه دوما. وتدور رواية «اختفاء يوسف منجل»، حول شخص يذهب إلى مقبرة منجل فى البرازيل, ويبحث عن سبب وفاته الحقيقية ويقرر أن يكتب عنه رواية تختلف عما سبق للآخرين كتابته.