عديدة هى شوارع مدينة تونس التى تحمل أسماء مصرية . ولعل معظم هذه الأسماء لمدن كالقاهرة والإسكندرية و بورسعيد، أو لأدباء وفنانين كطه حسين و أم كلثوم وعبد الوهاب . وهذا ما يلاحظه محبو المشى على الأقدام أو يمكن التأكد منه بالعودة إلى أرشيف «مصلحة الطرقات» بالعاصمة ،والتى تحتفظ بدورها بسجلات لأسماء الشوارع ، وكيف كانت ثم أصبحت . وقليل هى وفق هذه السجلات المحفوظة أسماء الساسة والحكام العرب من غير التونسيين . فهناك نهج لا يعج بالحركة باسم «سعد زغلول «،والى حد يشعرك بأنك فى الضواحي، ولست فى وسط العاصمة .لكن الأكثر أهمية فى تخطيط قلب مدينة تونس النابض يظل هو شارع أو « نهج» جمال عبد الناصر. وقد أطلق اسم الزعيم المصرى على هذا الطريق مباشرة بعيد رحيله فى 28 سبتمبر 1970 . وهذا مع ماكان معروفا من علاقة شد وجذب بين زعيم القومية العربية وبين الزعيم التونسى « الحبيب بورقيبة « مؤسس دولة الاستقلال والداعى الى قبول العرب بإسرائيل فى خطابه الشهير بأريحا عام 1965. و يقينا وللمفارقة لا نهج فى العاصمة التونسية باسم السادات، كما أخبرنا المسئولون عن مصلحة الطرقات بعد بحث وتمحيص . وبحلول نهاية فبراير من هذا العام ، عادت حركة المرور إلى نهج جمال عبد الناصر بتونس العاصمة ، بعد إغلاقه فى وجه السيارات والمركبات مع فرض إجراءات أمنية مشددة منذ سنوات.وهذا لأن السفارة الفرنسية تقع فى بدايته من جهة شارع الحبيب بورقيبة ،أشهر وأهم شوارع وسط مدينة تونس والذى يحاكى الشانزليزيه الباريسى .والمبنى العتيق للسفارة الفرنسية مازال يتسبب فى اقتطاع نحو نصف عرض مدخل نهج عبد الناصر بحواجز من الأسمنت والأسلاك الشائكة . لكن قرار إعادة فتح الشارع جاء بعد دعوات متزايدة تنادى بنقل السفارة الفرنسية من مكانها هذا بوسط العاصمة توقيا للمزيد من إرباك المرور ، خصوصا أنها على مقربة من أشهر المداخل السياحية للمدينة العربية القديمة ،والمسمى ب « باب بحر». وهى دعوات لا تخلو أحيانا من خلفيات وتعبيرات سياسية وطنية وقومية . السفارة الإيطالية التى تقع قرب نهاية الشارع وقبل التقائه بنهج الجزائر بدورها رحلت منذ قرابة العام و النصف ،وأغلقت مبناها التاريخى العتيق هو الآخر . وعلى مقربة منها مكتبة «السعادة « بواجهتها التى تحمل ملامح وبصمات أكثر من نصف قرن،و حيث أبلغنا مديرها «حشاد الزموري» (60 سنة ) أنه سافر خصيصا وهو طفل ليرى الزعيم عبد الناصر فى بنزرت على بعد نحو مائة كيلومتر،و حيث زار المدينة أكتوبر 1963 وخطب فى مينائها بمناسبة جلاء آخر جندى فرنسى عن تونس .وأضاف :» شاهدته وأنا محمول على أكتاف تونسيين بلاحصر وهو فى سيارة مكشوفة مع الرئيس الجزائرى بن بيلا و ولى عهد ليبيا حسن السنوسى بصحبة الزعيم بورقيبة «. فى بداية نهج عبد الناصر عند التقائه مع الحبيب بورقيبة مقار ومكاتب لعدد من كبريات البنوك ومكاتب شركات كبرى تضفى عليه طابعا حديثا بل وربما أرستقراطيا . لكن النهج ينتهى الى فوضى باعة « الفريب» أى الملابس المستعملة الرائجة فى مختلف مدن وانحاء تونس وبظهور المطاعم الشعبية التى تقدم الوجبات التونسية زهيدة الأسعار . وبالاجمال فإن نهج عبد الناصر يغلب عليه الطابع التجارى الأوروبى محكم التناسق فى بدايته و الشعبى العشوائى مع نهايته . وبين هذا وذاك محال تطلب زبائنها من الطبقة الوسطى ، فتعرض واجهاتها على سبيل المثال تجهيزات وأوانى ومعدات المطابخ أو ملابس الأطفال ولعبهم . إطلاق تسمية عبد الناصر على هذا الشارع تعود الى رحيله عام 1970 ،كما يؤكد قدامى سكانه و توثقه أرشيفات مصلحة الطرقات .ومن قبل كان يحمل عنوان «الصادقية «، نسبة الى «الصادق باي» أحد أبرز حكام تونس فى القرن التاسع عشر والذى صدر فى عهده وتحديدا عام 1861 أول دستور للبلاد وفى العالمين العربى والإسلامى وتأسست المدرسة الصادقية الشهيرة عام 1875 ،وإن انتهى بالغزو والاحتلال الفرنسى عام 1881.واللافت أن نهج الزعيم الفرنسى شارل ديجول يقع على مقربة ويوازى طولا جمال عبد الناصر . لكنه أكثر تواضعا وأقل اتساعا وأهمية.وهو بدوره ومن أوله إلى آخره غارق فى الزحام وباعة الأرصفة ،الذى زحفوا ليحتلوا بالكامل نهر الطريق .وهم يتسابقون فى الصياح على بضاعتهم .فتعلو أصواتهم وتتداخل مضفية على «ديجول» طابع الأسواق الشعبية .