عندما يفوز فريق كرة القدم للترجى الملقب بشيخ الأندية التونسية تعم مظاهر الاحتفال مختلف أنحاء البلاد، وهو ما يعكس شعبية لا ينافسه فيها إلا غريمه التقليدى «الأفريقي»، وإن جاء دائما فى مرتبة تالية، لكن ثمة وجهة مفضلة بالعاصمة تونس يقصدها «أحباؤه» أو مشجعوه الذين يطلق عليهم بتونس «المكشخين»، وهى مقر الترجى القديم بالحى الشعبى بوسط العاصمة «باب سويقة». ويطل المقر العتيق على ميدان بالاسم نفسه تتوسطه نافورة مياه وهو يعلو مقهى يتصدرها شعار النادى بألوانه الأحمر والأصفر والأسود. وفوق باب المقر لوحة رخامية منقوش عليها تاريخ التأسيس عام 1919 إلا أن هناك مقهى آخر هو الذى منح النادى اسمه. ووفق رواية «عامر البحري» الكاتب العام (الأمين العام) لجمعية (نادي) الترجى الرياضى فإن الاجتماعات التحضيرية للتأسيس جرت بمقهى «الترجي» بنهج (شارع) مصطفى مبارك قرب «باب بحر» المدخل الأشهر للمدينة العربية بوسط العاصمة وقد تهدم واختفى . لكن للترجى مقر حديث أكثر اتساعا يطلق عليه (الحديقة ب) فى ضاحية «مونبليزير»، وللمصادفة فهو يطل على السفارة المصرية من أحد جوانبه، وعلى عكس المقر التاريخى القديم فهذا المقر مزود بملاعب لكرة القدم والسلة والطائرة ومبان إدارية، فضلا عن فندق ثلاث نجوم، وعلى مقربة منه محل يعلن عن نفسه من بعيد بألوانه وبشعاراته، ومن الداخل يوحى بأجواء السوبر ماركت، وهو مخصص لبيع عديد السلع والتذكارات التى تحمل شعار «الترجي» من ملابس وأدوات رياضية و«أكسسوارات» وغيرها، ومع هذا فإن الترجى كغيره من الأندية الرياضية بتونس لا يملك الأرض. فالمساحة المقام عليها ملك للبلدية،تؤجرها للنادى بمبلغ رمزى زهيد وبعقد مدته 99 عاما قابلة للتجديد. تختلط قصة الترجى وتأسيسه كأول ناد رياضى تونسى بالتاريخ السياسى لتونس . ويقول الناقد الرياضى المخضرم « الطاهر ساسي» إن كرة القدم دخلت الى البلاد مطلع القرن العشرين وجرى تنظيم أول دورى عام 1907 بين أندية الجاليات الأجنبية، وعندما تقدم الشابان محمد الزواوى و الهادى القلال بطلب تأسيس أول ناد رياضى للتونسيين بعد نحو 12 عاما فرضت سلطات الاحتلال الفرنسى مواطنها الموظف ببلدية مدينة تونس»مونتاسيه» رئيسا كى تمنح الترخيص. وبعد اشهر قليلة تمكن التونسيون من إزاحته، وحل محله أول رئيس تونسى للنادى وهو «محمد المالكي»، وكان قاضيا ويعد من مراجع القانون المدنى بتونس فضلا عن رئاسته للمدرسة الصادقية التى تخرج فيها العديد من رموز النضال الوطنى والثقافة بتونس . ووفق ما قاله «ساسي» فإن زعيم الاستقلال «الحبيب بورقيبة» انضم الى الهيئة المديرة للترجى عام 1932 واصبح نائبا للرئيس قبل أن يتفرغ بعدها بنحو عامين للسياسة وللحزب الدستورى القديم . وعلى خلاف هذا المرورالخاطف، فإن « الشاذلى زويتن « هو أطول من شغل منصب رئيس الترجى ولمدة 33 عاما متصلة بدأت فى 1930 وحتى توفى 1963 عابرا عام الاستقلال 1956، و الرجل كان طبيب أسنان وقياديا بالحزب الدستورى و بورقيبة ابن خالته أيضا،وفق رواية «ساسي». وجمع «زويتن» فى عديد السنوات رئاسة النادى مع رئاسة الاتحاد التونسى لكرة القدم و اللجنة الأوليمبية ببلاده.ولعله بهذا أسهم فى اطلاق وصف «الترجى دولة»، وإن قال «ساسي» إن «زويتن» كان يترك مقعده بالاتحاد عندما يجرى النقاش فى أى شأن يتعلق بالترجي. وقد عادت شبهات الارتباط بين «الترجي» و«الدولة» عند جانب من التونسيين عندما رأس النادى رجل الأعمال «سليم شيبوب» صهر الرئيس المخلوع بن على بين عامى 1989 و2004، أما الآن فيرأس النادى ومنذ عام 2007 «حمدى المدب»، وهو رجل أعمال يحرص على الابتعاد عن الأضواء وتجنب الحديث للإعلام. ويعد الترجى بحق الملك المتوج لبطولات كرة القدم بين الأندية التونسية، ووفق أرشيفات النادى فقد جرى تتويج النادى ب 27 بطولة دورى و15 بطولة كأس متقدما عن غريمه «الأفريقي» الذى يحل ثانيا فى حصد البطولات المحلية (13 و 12)على التوالي، كما يتقدم أندية بلاده فى رصيد البطولات الإقليمية بالفوز مرتين برابطة أبطال الدورى و ثلاث مرات بالكأس العربية،و آخرها فى الاسكندرية أغسطس الماضي، وهو يعد فى تونس الفريق الأكثر قدرة على إسعاد جماهيره، ومن هنا جاءت تسميتهم ب«المكشخين». ويقول « البحري» :» يكشخ بالعامية التونسية تعنى يضحك، ويطلق على الترجيين مكشخين لأنهم دائما رابحون «، ولأن الرجل يعد الأقدم بإدارة النادى و يمسك بدفاتره وأسراره فقد سألنا عن أغلى صفقات شراء لاعبى كرة القدم، فأجاب بتحفظ: «عندنا 28 لاعبا محترفا فى فريق كرة القدم للأكابر .والصفقة الأكبر كانت شراء فخر الدين بن يوسف من نادى ( متز) الفرنسي» . لكنه رفض بإصرار أن يعطى رقما . عندما يعود الأهلى لمقابلة الترجى فى استاد «رادس» بتونس مساء السبت فإنه يواجه ناديا معاقبا فى المسابقات المحلية بالحرمان لثلاث مباريات من الجمهور بقرار من الجامعة التونسية لكرة القدم بسبب شغب الملاعب فى بداية الدورى التونسى هذا العام. حرمان الترجى من جمهوره فى المسابقات المحلية ينتهى بعد يوم 3 أكتوبر المقبل، لكن فى تاريخ النادى ماهو أسوأ، فقد تعرض لما يوصف بتونس ب«المأساة» «الكارثة» فى صيف 1971 بقرار بفرض عقوبات تشمل حل مجلس إدارته وتجميد نشاطه بعدما أحرق «مكشخين» ملعب «المنزه» بالعاصمة واشتبكوا مع الشرطة فى مواجهة دامية إثر هزيمة الترجى وخسارته للكأس أمام النادى «الصفاقسي». ولكن الرئيس بورقيبة عاد بعد أيام من رحلة خارجية وقد وضع شعار الترجى بياقة قميصه ثم خرج بعدها بأيام ليخصص جانبا من خطاب عيد الجمهورية 25 يوليو للحديث عن مآثر النادى فى ترسيخ الهوية الوطنية فى عهد الاستعمار، وأعلن رفع العقوبات والتى وصفت بأنها بمثابة «حل للنادي».