[أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من الذنوب والمعايب ][ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ) هكذا قال الله عز وجل فيما يرويه النبي صلي الله عليه وسلم من حديث قدسي، فالله لا ينتفع بعذاب أحد ولا ينتقم من أحد تشفيا ولا ثأرا [مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا] (النساء 147). فالناس عند البلاء والمصائب تتعدد مذاهبهم فمنهم من يعود ويتوب إلي ربه ويعلم أن ما أصابه بسبب نفسه الأمارة بالسوء [مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ](النساء 79) ويري في المصائب والأمراض علامة حب من رب العباد كما قال النبي العدنان صلي الله عليه وسلم :[ إذا أحب الله قوما ابتلاهم ] (رواه الترمذي وغيره ) ومنهم من يقنط وييأس ويستلمه الشيطان فتزداد قسوة قلبه فهي ما قال ربنا عز وجل :[ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ](البقرة 74) ثم يتقلب بين صفات شيطانية عدة بعضها جشع وأنانية وبعضها حسد وحقد وبعضها نهم علي الدنيا وزينتها لا حد له كلما شرب إزداد عطشا كما يحدث مع من يشرب من ماء البحر . ولقد مرت علي المرء تجارب لمن ابتلاه الله بالمرض فبدلا من أن يلين قلبه ويخشع ويخضع ويبكي لمولاه يتحول إلي ثور هائج تارة أوكلب نابح أخري أو وحش مُفترس ثالثة أو ذئب جائع رابعة . والعجيب أن تري شخصا قبل المرض هادئا راضيا بأقل القليل يبدو عليه الزهد لسانه عفيف وقلبه مُطمئن ثم يتحول بعد المرض إلي حالة من عدم الإتزان النفسي والفكري والسلوكي والروحي تشعر معها عند حديثه أن إبليس اللعين جلس علي لسانه وعند مُحاورته أن اللعين إحتل عقله وعند التذكير بالآخرة وبوعد الله ووعيده وبجنته وناره أن الشيطان الرجيم نصب كُرسيه علي قلبه . ولقد رأي الصحابة رضوان الله عليهم في الإبتلاء والمرض نعمة من الحنان المنان يُكفر الذنوب أويرفع بها الدرجات حتي أن أبي بن كعب رضي الله عنه لما سمع أحاديث النبي صلي الله علي وسلم عن درجة من يبتليه الله بالحمي دعي الله أن يُصاب بها علي ألا تُقعده عن الصلاة فكان إذا ذهب للمسجد ذهبت عنه وإذا إنتهي من الصلاة أحس من يمر بجانبه بحرارة جسده . وهذا سعد بن وقاص رضي الله عنه يُصاب بالعمي وهو من دعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم بإجابة الدعاء فلم يكن يدعو علي أحد إلا أُستجيب له وكان الناس يطلبون منه الدعاء لهم فقيل له ألا تدعو لنفسك أن يرد الله عليك بصرك فرد بهذه الكلمات النورانية [ قضاء الله لي أحب إلي من بصري وهذا عمران بن الحصين رضى الله عنه يصاب بمرض الاستسقاء فى بطنه فلا يتسيطيع أن يقوم أويقعد فظل مستلقيا على ظهره 25 عاما وقد ثقب له ثقب فى سرير من جريد ليقضى حاجته] فما بال الإنسان في زماننا إذا أحبه الله عز وجل وإبتلاه إنتكس علي عقبيه،فتجد المرأة مثلا قبل الإبتلاء بطلاق أومرض محتشمة فى لباسهاعفة فى لسانها قانعة برزق ربها راضية بحال بيتها وزوجها وأولادها ،فإذا أبتليت لبست القصير الفاضح وأحبت التبرج والتعرى وأصبحت مبتذلة فى كلامها وتصرفاتها وأفعالها تكره كلام ربها ونبيها وتعشق كلام شياطينها من الجن والإنس ،وتلهث وراء الحرام فى المال والعلاقات . فهل يبعد تفسير لتلك الحالة عن أحد أمرين ،إما أن قسوة القلب كانت كامنة فوجدت متنفسا ومخرجا لها،أوتزيين من الشيطان الرجيم مصداقا لقول الخبير العليم :(فلولا إذ جاءهم بأسنا )ونسى من انتكس بعد البلاء والمرض أن الخلاص والمعافاة من الرب الرحيم لا تأتى إلا بالاستسلام لأقدار واختيار وتدبير العزيز العليم (فلما اسلما ) فلقد أمر الله إبراهيم وهو خليل الرحمن بما لا يتحمله قلب أى أب ولا يتصوره أن يفعله مع ابنه بأن يذبحه وهو ينظر إليه بنفس راضية وبقلب مستسلم ساكن ، وطلب من الابن بما لا يمكن لأى ولد مهما بلغ بره بأبيه أن يطيقه ويرضى به دون أن يجادل أويشكك أويتهم أويلعن أباه كما يفعل الأبناء فى أتفه الامور مع الآباء فى أيامنا هذه . استسلم الابن لأمر الله لأبيه بالذبح (يا أبت افعل ما تؤمر) فلما كان الاستسلام والرضى التام من العبد والمملوك للسيد والمالك وهو سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة ويعلم السر وأخفى كان الفداء ورفع البلاء ومعه رفع الدرجة فى الدنيا قبل الآخرة (وتركنا عليه ) . فهل فهم المبتلى أوالمريض هذه المعانى واستسلم لأمر خالقه ومولاه وزاد عنده الإيمان ولم يختلج فى قلبه شك ولم تساكن نفسه وسوسة وتوقف عن التشكى أوالجزع أوالجشع أوالأنانية أوالوهم بأن خلاصه وسعادته بأن يلهث وراء الدنيا ويتمتع بملذاته بغض النظر عن الحرام أوالحلال على اعتبار أن ما بقى له القليل ولن يعيش الحياة إلا مرة واحدة ؟ وهل توقف عن كونه أعمى تقوده شياطين الإنس والجن إلى مهالكه ثم تخرج له ألسنتها حين تنتهى من مهمتها ؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة;