نقابة «النيابات والمحاكم» تطلق مبادرة لتوفير لحوم الأضاحي بالتقسيط    منال عوض تبحث التعاون المشترك مع «انطلاق» و«رابيت موبيليتى»    منال عوض: «حياة كريمة» أحدثت طفرة في جودة الخدمات بقرى بني سويف    مجلس حكماء المسلمين يُدينُ بشدة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بالقدس    خبر في الجول - اجتماع تنسيقي بين أبو ريدة ودياب وحسام حسن من أجل الموسم المقبل    البعثة المصرية للحج السياحي تعقد ندوات دينية وتوعوية للحجاج| فيديو    السيطرة على حريق نشب في محيط مدرسة بكفر الشيخ    محافظ المنيا: لا تهاون في صحة المواطن واستمرار الحملات الرقابية    محافظ الغربية: هدفنا راحة المواطن وتوفير الخدمة الصحية اللائقة له    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    كلمات تهنئة معبرة للحجاج في يوم التروية ويوم عرفة    خبير يكشف لليوم السابع موقف بيراميدز بالاحتفال بالدورى رغم تتويج الأهلى.. فيديو    قومية المنيا تعرض الإسكافي ملكا ضمن عروض الموسم المسرحي    بالصور- حريق مفاجئ بمدرسة في سوهاج يوقف الامتحانات ويستدعي إخلاء الطلاب    عيد الأضحى 2025.. هل يجوز التضحية في ليالي أيام النحر؟ وما هو أفضل وقت؟    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم عقب تعافيه    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة في شبرا.. صور    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 الترم الثاني محافظة المنوفية    عرفات يتأهب لاستقبال الحجاج فى الموقف العظيم.. فيديو    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    بحضور سينمائيين من السودان.. عرض فيلم طنين بمركز الثقافة السينمائية    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    رسميًا.. بايرن ميونيخ يُعلن عن أولى صفقاته الصيفية استعدادًا لمونديال الأندية 2025    انتهاء رحلة ماسك في البيت الأبيض.. بدأت بفصل آلاف الموظفين وانتهت ب«خيبة أمل»    كلمات وأدعية مؤثرة تهديها لمن تحب في يوم عرفة    حماس: إسرائيل تُهود الأرض الفلسطينية ضمن مشروع ضم صريح    السفير خالد البقلى وإلينا بانوفا يكتبان: يحرسون الأمل وسط الصراع حان الوقت لتمكين حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لمجابهة تحديات الغد    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    تمكين المرأة اقتصاديًا.. شروط وإجراءات الحصول على قروض مشروعات صغيرة    صور.. رئيس الوزراء يتفقد المقر الجديد لجهاز حماية المستهلك    رئيس قطاع المتاحف: معرض "كنوز الفراعنة" سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا في روما    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    بنسبة حوادث 0.06%.. قناة السويس تؤكد كفاءتها الملاحية في لقاء مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري    قرار مفاجئ من الأهلى تجاه معلول بعد دموعه خلال التتويج بالدوري    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    ندب الدكتورة مروى ياسين مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    انفجار ضخم قرب مركز توزيع مساعدات في محيط نتساريم وسط غزة    أردوغان: "قسد" تماطل في تنفيذ اتفاق الاندماج مع دمشق وعليها التوقف فورًا    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    ياسر ريان: بيراميدز ساعد الأهلي على التتويج بالدوري.. ولاعبو الأحمر تحرروا بعد رحيل كولر    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    91.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختراعات الحاسمة وأنماط العولمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 11 - 2017

نصل هنا الى الوجه الأعسر فى تناول القضية، ألا وهو العلاقة بين تشغيل الاختراعات الكبرى الحاسمة وشروط تلاؤم نمط العولمة له.
يشكل بيان هذه العلاقة أمرا مستعصياً لأن هذه العلاقة غير مباشرة، فلا يفعل الاختراع فعله إلا من خلال توسط تأثيره على العلاقات الاجتماعية، والمراد هنا العلاقات السائدة عالميا على كل من المراكز المهيمنة والتخوم المسود عليها. ففى المراكز يبقى رأس المال الاحتكارى متحكما فى تكيف العلاقات الاجتماعية فى خدمة مصالحه. فتصبح أيديولوجيا الطبقة الحاكمة الأيديولوجيا الحاكمة اجتماعيا، والمتجلية فى قبول الاستلاب السلعى المعمم والموافقة على ممارسة الديمقراطية الانتخابية التمثيلية. فتدعم هذه الامور متانة النظام واستقراره. ولكن فى التخوم تختلف الأمور، حيث العلاقات الاجتماعية الحاكمة هنا ليست ناتج تحكم المراكز فى المنظومة العالمية بل ناتج تفاعل فعل التوسع المعولم للرأسمال المهيمن من جانب وردود أفعال الشعوب والمجتمعات والدول فى التخوم ضحاياه من الجانب الاخر. ولذلك تتنوع انماط العلاقات الاجتماعية السائدة فى التخوم المعاصرة. فكان هدف سياسات «التكيف الهيكلي» التى فرضتها العولمة على بلدان التخوم انطلاقا من ثمانينيات القرن السابق، هو بالتحديد تحطيم قدرات بلدان الجنوب فى مواجهة التحدي، تلك القدرات التى تم دعمها خلال عصر باندونج وعدم الانحياز وقد حققت هذه السياسات مرماها، ولكن بدرجات متباينة. فانفجر العالم الثالث القديم ليحل محله عالمان: عالم «رابع» مكون من مجتمعات ثم إخضاعها خضوعا شاملا، وعالم «ثالث» مستحدث مكون من بلدان احتفظت بدرجة من الاستقلالية. وفى هذه الظروف تتخذ العولمة الحالية شكلين اثنين. ففى العالم الرابع يتقلص تصرف رأس المال الاحتكارى إلى نهب الموارد الطبيعية إلى جانب قيامه بحملات غزو مالى تستغل مديونية الدول المعنية. هذا بينما فى العالم الثالث الجديد تعتمد سيادة المراكز على سيطرتها على صناعات ثم إعادة توطينها ومن جرائه امتصاص نصيب ملحوظ من فائض القيمة المنتج فى هذا الصناعات. هنا أطرح التساؤل الرئيسى فى هذا الإطار. فلا يبدو لى أن تشغيل الاختراعات الحاسمة المعاصرة من شأنه أن يلغى تماما آليات إعادة توطين صناعات فى تخوم العالم الثالث لصالح العودة إلى تركيزها فى المراكز. ليست هذه الفرضية غير عقلانية. كلا. ولكنها تمثل أحد الاحتمالات الواردة فقط.
ولكن وقبل أن أتناول النظر فى مروحة الاحتمالات التى يمكن التنبؤ بها أعود الى ماسبق أن طرحته فى هذا المجال فى منتصف السبعينيات فى مطلع انفجار الأزمة الهيكلية للرأسمالية المعاصرة، وهى أزمة لم يخرج العالم منها إلى اليوم، بعد أربعين عاما؛ بل أتنبأ بأن المنظومة صارت على مشارف انهيار مالى أخطر من السابق فى عام 2008. وقد انطلقت فى كتاباتى القديمة المذكورة من بيان مصادر تفوق المراكز، وهى انفرادها في: 1) التوصل الى موارد الكوكب الطبيعية ونهبها؛ 2) المبادرة فى الاختراع التكنولوجي؛ 3) السيطرة على السوق المالية المعولمة؛ 4) السيطرة على وسائل الاعلام ذات الوقع عالميا 5) امتلاك ترسانات وسائل التدمير الشامل العسكرية. وبناء على ذلك كنت قد رسمت خطوط احتماليتين اثنتين للتطور المتوقع. ففى إحدى الفرضيتين تخيلتُ التركيز فى المراكز على الاستثمارات والأنشطة المرتبطة بعناصر التفوق الخمسة المذكورة، أى بعبارة أخرى التركيز على البحث التكنولوجى والإدارة المالية والإعلام ودعم القدرات العسكرية. فقام النمط على أساس إعادة توطين اقسام شاسعة من الصناعات التحويلية الدارجة فى التخوم المصنعة الجديدة. وفى الفرضية الثانية تخيلتُ غياب التوجه نحو إعادة التوطين على نطاق واسع؛ وبالتالى «تهميش» التخوم وحبسها فى دور المرتع لنهب مواردها الطبيعية وللغزو المالي. ثم تخيلتُ شكلا مركبا يجمع النمطين على أساس تقسيم التخوم إلى مناطق «مهمشة» وأخرى مكيفة لاستيعاب إعادة توطين الصناعات التحويلية.أعتقد أن التطور اللاحق قد كرس صحة تنبؤاتي! وكذلك اليوم. فأتصور أن أقوى المراكز سوف تنفرد بإقامة الصناعات الجديدة على أراضيها، الأمر الذى من شأنه أن يقود إلى تقلص وسعة التوطين الخارجي. ولكن هنا ألفت النظر إلى أن مد التوطين الخارجى قد دخل فى مرحلة التقلص لأسباب مستقلة تماما عن ظهور الاختراعات الحاسمة الحديثة. فيؤول منطق الربحية الذى يحكم العملية إلى انقلاب حتمى فى اتجاه حركة الاموال. ففى المرحلة الاولى تستدعى إقامة النمط إجراء تحويلات مالية ضخمة من الشمال الى الجنوب المصنع الجديد. ثم، فى مرحلة نضوج النمط التالية يأخذ حجم تحويل الارباح من الجنوب الى الشمال فى الصعود، حتى يتفوق على حجم مد الأموال الإضافية التى تسعى إلى مواصلة التوطين الخارجي. وقد وصلنا إلى هذا الحد؛ الأمر الذى يفُترض أنه سينهى الحسابات المتفائلة السابقة القائمة على وهم أن إعادة التوطين عملية يمكن أن تستمر «فى صالح» دول التخوم المعنية. ولكن لايمنع ذلك استحداث إعادة التوطين القائمة على التوسع فى الصناعات الجديدة. ثمة أقسام من الإنتاج الجديد قابلة لإعادة التوطين فى بعض التخوم ولعل رأسمال الاحتكارات سيحسبه القيام بهذا الإجراء لكى يستفيد من رخص الكفاءات العلمية المتميزة المتوفرة فى بعض بلدان الجنوب. وأعتقد أن السلطات الحاكمة فى البرازيل والهند وكوريا وتايوان وسنغافورة تفكر فى السير فى هذا الطريق، لصالحها ظاهريا ومؤقتا. وبالتالى تجديد الأوهام فى صلاحية انضمامها فى العولمة الامبريالية. وأرى من الأفيد فتح جدال آخر أهم بالنسبة إلينا. وأقصد البحث فيما يجب أن تكون إجابة دول الجنوب فى مواجهتها للتحدي. لم يفُتح بعد باب هذا النقاش فى الأغلبية الكبرى من دول الجنوب التى لا تفكر نظم حكمها فى الأمر. بل لعلها لا تعى خطورة الوضع. أو تقبل ما سيطرأ من تطور فى العولمة كما رضيت بما فرضته إلى الآن، كأنها تتجاهل ان تفكك نسيج مجتمعاتها كان ناتج هذا النمط من التوسع الرأسمالى على صعيد عالمى. وتسير جميع الدول الافريقية والعربية والاسلامية، أو تكاد، على هذه الطريقة المأساوية. فهنا تسود الأوهام الماضوية فى ثيابها المتنوعة. ومنها الإسلام السياسى الذى تروج له دول الخليج والذى يرحب به سادة الامبريالية. وفى هذه الظروف تظل القوى السياسية والحكومات التى ترفض هذا البديل المزيف أسيرة انشغالها الشامل فى مقاومة هذا الخطر، حتى تظل عاجزة عن اتخاذ مبادرة إيجابية فى المجال الحيوى المعنى هنا. ثمة مجموعة من بلدان الجنوب تعطى صورة أخري. فتبدو واعية بأهمية القضية وتهييء نفسها للتكيف لها، من خلال بذل المجهود لتكوين وتطوير الكفاءات النوعية وبالكثرة المطلوبة. ولكن يبدو لى انها تعتمد فى آمالها على مشاركتها بصفتها كيانات ثابتة مكيفة لاستيعاب إعادة توطين أقسام من الصناعات الجديدة والعمل فى خدمة مشروعات رأسمال الاحتكارات الامبريالية. يبقى السؤال مفتوحا بالنسبة إلى الصين وروسيا. فيمثل نظامهما الاستثناء بمعنى أن مشروعهما يسعى إلى بناء هذه النوعية من الصناعات الجديدة فى إطار يضمن احتفاظهما بالسيادة عليها. فيقوم النظام هنا على تطوير مناهج عمل تعتمد على القدرات العلمية المحلية، ولكن فى إطار مشروع رأسمالية وطنية مستقلة.
لمزيد من مقالات د. سمير أمين;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.