أعدت مهرجان الصيف ليصبح الأكبر فى العالم العربى الإقبال الجمايرى على حفلات المكتبة يرجع إلى التخطيط وإنكار الذات
خلال السنوات التى قضاها كمدير لمركز الفنون فى مكتبة الإسكندرية استطاع المايسترو والمؤلف الموسيقى الشاب هشام جبر، أن يقود « ثورة» جديدة فى عمله الإدارى بأسلوبه العلمى، وعقليته المتفتحة، وإخلاصه غير المحدود، حيث قدم نفسه للعاملين معه ولعشاق المكتبة باعتباره عاشقا للموسيقى وليس موظفا..، لهذا راهن على الشباب لإيمانه بالغد ، وأن الفن الحقيقى الجاد هو القادر على أن يغزل أيام المستقبل. أعطى الكثير ومع ذلك لم يسع أن يكون فى الواجهة، لهذا جاء خبر استقالته مفاجأة لرواد وعشاق المكتبة. فى السطور التالية نبحر فى أفكاره حول استقالته وما أثير حولها، وهل لها علاقة بقضية الدكتور إسماعيل سراج الدين المنظورة حاليا أمام القضاء؟، وماهى أهم سلبيات وإيجابيات تجربته فى المكتبة؟ ..وإلى نص الحوار. .................................................................................................. فجرت خلال الأيام الماضية مفاجأة لمتابعينك فى مكتبة الإسكندرية بتقديم استقالتك دون سابق إنذار.. ماهى الأسباب التى دفعتك لذلك؟. بهدوء وثقة قال : تعلمنا أن البيوت المحترمة عندما يحدث فيها طلاق لا تتحدث عن أسباب هذا الطلاق!، وأنا أعتبر المكتبة بيتى، وعندما قررت الإستقالة أخذت عهدا على نفسى ألا أتحدث عن أسباب إستقالتى، وما يمكن أن أقوله فى هذه النقطة بالتحديد إننى سعيد جدا بالثلاث سنوات التى قضيتهما فى مكتبة الإسكندرية، وأتمنى من كل قلبى التوفيق لمن سيتولى بعدى. فقرار الإستقالة أخذته بمحض إرادتى، ولم يغصبنى أحد عليه، وعلاقتى بكل العاملين فى مكتبة الإسكندرية من أصغر عامل حتى رئيس المكتبة الدكتور مصطفى الفقى جيدة جدا، وللعلم الدكتور الفقى حاول أن يثنينى عن الإستقالة أكثر من مرة، لكن عندما وجد إصرارا منى وافق عليها. يقال إن هناك أسبابا مادية وإدارية وراء هذه الاستقالة؟. إطلاقا لا يوجد أى مشاكل مادية، والمشاكل الإدارية موجودة فى كل مؤسسات الدولة، وستظل موجودة. هل قدمت استقالتك حتى تقفز من المركب قبل أن تأتى قدمك فى قضية الفساد المتهم فيها الدكتور إسماعيل سراج الدين الرئيس السابق للمكتبة ؟. مازلت مصرا على عدم الكلام عن الإستقالة!، والله لن أتكلم! أما بخصوص سؤالك، فقد تم تعيينى فى المكتبة عام 2014 ، والقضية التى تنظر الآن جرت وقائعها عام 2009، وبالتالى ليس لى علاقة بها من قريب أو بعيد، وعلاقتى بالدكتور إسماعيل رائعة وهو قامة عالمية المفروض أن نسعد ونفتخر بها ، وعندى ثقة كاملة فى نزاهة القضاء المصرى الذى سينصفه بإذن الله. لو تحدثنا عن تجربتك فى مكتبة الإسكندرية سأقول لك يأخذ عليك عدم اهتمامك بالإعلام المصرى أثناء توليك لمنصبك؟. بضيق وبصوت هادئ: أى إعلام تقصد؟!إذا كنت تقصد إعلام التلميع ونشر صورى بصفة منتظمة فى الصحافة وتحتها صرح وأكد وأشار هشام جبر.. لو هذا المقصود سأكون بالفعل مقصرا! مع العلم أن هذا لم يكن هدفى من البداية، أما إذا كنت تقصد الإعلام الذى يوصل نشاطنا للجمهور، فهذا عملنا عليه بصورة جيدة، والحقيقة أن هدفى منذ توليت المسئولية أن أخدم جمهور الإسكندرية ، وأعمل على زيادة عدد المتابعين لفاعليات وأنشطة المكتبة، وهذا حدث بالفعل والحمد الله، فعندما توليت كان عدد المترددين على الحفلات والعروض لا يتجاوز العشرات! وهذه الأرقام حقيقية ويمكن أن تتأكد منها من خلال سجلات المكتبة، لكننى تركت المكتبة وعدد مقاعدها ال «1636» مكدسة بالجمهور، لدرجة أننا كنا نعيد الحفلات تلبية لرغبات الجمهور. معنى هذا إنك كنت تحقق مكاسب مادية كبيرة للمكتبة ؟. الحقيقة « لأ»!، لأن سعر التذكرة فى المكتبة 25 جنيها فقط، وبالتالى لا نغطى تكلفة الحفلات، لكننا كنا سعداء بإقبال الشباب بقوة، وإننا نقدم قيمة ثقافية، وعموما مؤسسات الدولة ليس غرضها عمل فن مربح، لأن الفن التجارى والقيمة الفنية غالبا ما يتعارضان، طبعا يوجد إستثناءات لكن قليلة، وبالمناسبة الموسيقى الكلاسيكية لا تربح حتى فى أوروبا ، لأن إيراد التذاكر من هذه الحفلات لا يغطى تكلفتها، وقد قال لى قادة أوركسترا عالميون : « نحن نحسدكم على جمهوركم لأن نسبة كبيرة منه من الشباب، لكن معظم جمهورنا من كبار السن، ونحن نفكر الآن ماذا سنفعل بعد رحيل هذا الجمهور»، هذا الكلام الجميل لمسته بالفعل من خلال الحفلات الكلاسيكية التى كان 80 ٪ من جمهورها من طلبة الجامعة ، وهذا يدل على أن شباب مصر بخير، وعندما يقدم لهم فن جاد فإنهم يقبلون عليه. ما الشىء الذى تعتز به خلال تجربتك الإدارية ؟. أشياء كثيرة أهمها الإقبال الجماهيرى منقطع النظير على كل الحفلات والعروض الفنية، لدرجة أن جملة «كامل العدد» أصبحت بالنسبة لنا أمرا عاديا جدا، كبرنا أوركسترا المكتبة من مجموعة وترية صغيرة جدا، إلى أوركسترا حجرة حقيقى كبير، وبشكله الجديد أصبح قادرا على عزف مؤلفات استطاعت جذب الجمهور الذى يريد التعرف على الموسيقى الكلاسيكية. كبرنا أيضا الكورال السيمفونى، حتى أصبح عدده 200 فنان، وكان عدده 28 فنانا عندما توليت يغنون أغنيات الكريسماس وأعياد الميلاد!!، وبالعدد الجديد قدمنا أصعب الأعمال الكورالية مثل السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وقداس موتسارت الجنائزى وغيرها. أعدت مهرجان الصيف بعد توقف سنوات، وهو مهرجان شامل وجامع لكل الفنون الأدائية، ما بين سينما ومسرح ورقص وكل أنواع الموسيقى والغناء، بدأنا فى عام 2014 ب 22 حفلا، وفى 2015 زاد عدد الحفلات إلى 35 ، فى 2016 ارتفع العدد إلى 50 حضره 37 ألف متفرج، وكانت حصيلة بيع التذاكر مليونا وتسعمائة ألف جنيه، هذا العام وصل عدد الحفلات إلى 69 حفلا، وفى الأسبوع الثانى للمهرجان وصلت حصيلة بيع التذاكر إلى 2 مليون جنيه، وهذا يجعلنا بلا منازع أكبر مهرجان فنى من المحيط إلى الخليج . كما قدمنا فى العام الماضى مهرجان « الجاز» وكان بدعم من السفارة الأمريكية، وبعد نجاح المهرجان هذا العام تقرر إقامته بصفة سنوية وفى ثلاث مدن « القاهرة، الإسكندرية، أسوان»، وفى المسرح كان عدد العروض 27 عرضا، وعدد قليل من الجمهور، هو الذى يقبل عليه، الآن عدد العروض 70 عرضا ولافتة كامل العدد تكتب يوميا، وقد قررت اليونيسكو دعم المهرجان الدولى للمسرح والإنفاق عليه بعد النجاح الجماهيرى له. هل النجاح والإقبال الجماهيرى لحفلات وعروض المكتبة راجع إلى جهودك، أم إلى تعطش الجمهور للفن والحفلات لقلة وجود حفلات ومهرجانات غنائية وموسيقية ومسرحية فى مصر؟. بهدوء وبعد تردد ثوان قال: عطش الجمهور كما تقول كان موجودا قبل أن أتولى مكتبة الإسكندرية لماذا لم يقبل على حفلاتها وعروضها؟! بدون غرور ما حدث من إقبال فظيع راجع إلى جودة التخطيط، وإنكار الذات، مع العلم إننى كنت أعمل كل هذا النشاط الفنى الكبير بدون موازنة، وبلا مليم!!،عكس كل مؤسسات الدولة الأخرى التى تقدم نفس أنشطتنا، لكننا كنا نخطط لما نفعله، ونعمل حفلات جماهيرية تدر دخلا للمكتبة، ومن هذا الدخل ننفق على الحفلات التى لا تغطى تكاليفها. بحكم متابعتى لكل أنواع الغناء والموسيقى فى مصر والعالم العربى لماذا لم تستقطب المكتبة مطربين لهم تجارب غنائية مختلفة عن السائد بحجم وأهمية « أحمد قعبور، جاهدة وهبى، سميح شقير، وغيرهم ؟. قال مبتسما : يبدو أنك غير متابع، فقد أحضرنا مارسيل خليفة، ريما خشيش، تانيا صالح، غادة شبير، غالية بن على، سعاد ماسى، وغيرهم. يقال إن نشاط المكتبة الفنى كان شبيها بنشاط أوبرا الإسكندرية؟. إطلاقا يمكن أن يكون شبيها بأوبرا القاهرة، لكن لا يوجد تنافس ولا تنازع بين دورنا ودور أوبرا الإسكندرية، فنحن كنا نحاول أن نتكامل، ولا نتعارض، فبحكم كون عدد الكراسى عندى « 1635 « أكبر بالمقارنة بعدد كراسى أوبرا الإسكندرية «625 «، فهذا الفرق أعطانى ميزة هامة بالإضافة إلى رخص سعر التذكرة، وبالتالى كان الإقبال عندى كبيرا جدا. أثناء عملك فى المكتبة قدمت مجموعة من المحاضرات المجانية للجمهور تحت عنوان « التذوق الموسيقى» ما الغرض من هذه المحاضرات؟. كان الغرض أن يقبل الجمهور على الموسيقى الكلاسيكية، ويتذوقها، وأتمنى أن يفعل غيرى هذا فى الفنون التشكيلية، فلدينا فى مصر رفض للأسف لكل ما هو غير مألوف، لأننا فقط لا نفهم ما يقدمه، فمثلا كثير من الجمهور ينظر للموسيقى الكلاسيكية على أنها مصدر إزعاج له، لكن عندما تشرحها له وتفهمه أصولها وبداياتها وتطورها، لابد أنه سيستوعبها. وهذا ما حدث فى تجربتى فى « التذوق الموسيقى» فكان الإقبال فى البداية كثيفا جدا، لدرجة أننا كنا نضع كراسى جديدة غير الموجودة، لكن هذا الجمهور بدأ يتناقص حتى وصل إلى مائة شخص، وهؤلاء هم المهتمون، وهذا النجاح جعل الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا فى القاهرة تطلب منى أن أواصل هذه المحاضرات هنا فى القاهرة. لماذا لم تفكر فى جمع هذه المحاضرات فى كتاب؟. لأن الموضوع قتل بحثا فى الكتب، وتوجد كتب كثيرة فى التذوق الفنى والموسيقى، لكن ميزة المحاضرات التى كنت أقدمها أننى أشرح ما أقوله بطريقة عمليه، أى يسمع الجمهور ما أشرحه له. هل أخذك عملك الإدارى من عملك كقائد أوركسترا ومؤلف موسيقى وعازف على آلة « الفلوت»؟. بالتأكيد هذه السنوات الثلاث كانت على حساب عملى الفنى والإبداعى، وليست على حساب عملى كقائد أوركسترا، حيث كنت أمارس قيادة الأوركسترا هنا وفى الخارج، لكنى قصرت فى حق نفسى كمؤلف موسيقى. هل ندمت على هذه السنوات؟. إطلاقا، بالعكس إدارة الفنون شىء ساحر وجميل، عندما تجيد التخطيط لموسم فنى، وينجح هذا الموسم، وتجد ما خططت له يترجم على أرض الواقع، من خلال الجماهير الغفيرة التى تحضر، وتصفق، وتسعد بما قدمته لها، وقتها تشعر بالرضا عن نفسك وعن موهبتك وعن عملك. لماذا أشعر بمرارة فى كلامك ؟. ليست مرارة، لكن تأثر بما رأيته وأنا أجمع أوراقى وكتبى، وأشيائى استعدادا لترك المكان والنزول للقاهرة، فكان كم الحفاوة التى رأيتها رائعا من الجميع، وبالمناسبة عندما بدأت عملى فى المكتبة كان عندى يقين ومازال هذا اليقين موجودا، أن الاهتمام الجماهيرى الواسع بالفنون الجادة أمر بسيط جدا وسهل، وكل ما هو مطلوب إرادة حقيقية لتوصيل أنواع هذه الفنون للجمهور، فى أثناء عملى كنت أشعر اننى فى مهمة رسمية، وهذه المهمة إستغرقتنى وسعدت انها استغرقتنى، وراض جدا عما فعلته، لكن آن الآوان أن أفكر بشكل مختلف، وأفكر فى مصلحتى الشخصية كفنان ومبدع، وآن الاوان أن يأخذ شخص ثان بفكر ثان فرصته، ويدير المكان بشكل مختلف.