فى روايته الفاتنة «الزائر» يبسط لنا الكاتب «محمد بركة» إشكالية الثورة عندما تصطدم بالإحباطات على يد الانتهازيين الجدد، فضلا عن محترفى سرقة انتفاضات الشعوب من جماعات دينية منظمة على الأرض تستهدف الوصول للسلطة بالأكاذيب والخداع. أبطال العمل يعيشون فى مجمع سكنى فاخر «كمبوند» يومئ إلى الطبقة الصاعدة التى تمتلك المال والنفوذ لكنها فقيرة روحيا لدرجة تدعو للرثاء. البطل مثقف فقد عائلته فى حادث مأساوى يعيش حالة اغتراب مع قيم الفهلوة الجديدة والمتاجرة بالدين، ويمضى طوال الوقت على حافة الإقدام على الانتحار، ويغرق فى حوارات جدلية لا تنتهى مع «الزائر»، وهو شبح غامض يتجسد بهيئة بشر ليقنعه بالعدول عن قتل نفسه، بجانب نماذج اجتماعية ثرية بالدراما الإنسانية مثل الفتاة الانتهازية التى تصعد على حساب القيم، والمدرب الرياضى الذى يستغل الخادمة، وصحفى يبيع ضميره للحكام الجدد من ذوى اللحى المرسلة. الرواية مشحونة بالأحداث، مليئة بالمتعة، عماد كل فن أصيل، لأسباب من أهمها أن الروائى لم يستسلم لقناعاته الشخصية، فلم يقيد شخصياته بها، بل جعلها فى حالة حرية كاملة فى رحلة بحثهم عن الخلاص الفردى مستهدفين المتعة الحسية، أو المال، أو الشعور بالأمان، أو الصفاء الروحاني. تحتشد القضايا من فشل مؤسسة الزواج، إلى الفتنة الطائفية، مرورا بالمجتمعات العمرانية الجديدة، والتقسيم الحادى فى الكُمبوند بين سادة وخدم، وتغول رأس المال، وخيارات بنات الطبقة المرفهة فى شريك الحياة، فضلا عن موروثات شعبية مثل بخل الدمايطة وكرم الشراقوة. تتحرك عدسة بركة بانسيابية ومهارة من قضية إلى أخري، وبراعة فى التعامل مع لحظات التوتر بحياة شخصياته. يلعب الراوى العليم الدور الأكبر فى أحداث النص، وهى أحداث متشابكة، متباعدة حينا، متقاربة أحيانا، فهناك شخصيات باحثة عن الثروة بكل شكل ونفوذ يحميها، فيما تقع نوعية ثالثة أسيرة المتعة الجسدية، بينما النوعية الثالثة تحجل مثل الغراب الأسود. المؤلف حصيف قادر على جمع تلك التناقضات عبر لغة موحية، ذات كثافة، ويحفر بدأب فى جيولوجيا النفس البشرية، وينقب عن هوية مصر عبر أحداث وتواريخ مضت، ولا تزال تلقى بظلالها الكثيفة على المشهد العام. وتصل المفارقات الدرامية فى ذروتها الإنسانية فى كثير من الوقائع مثل الكابتن مسعود، مدرب السباحة، الممتلئ بالحياة، المفتون بخادمة فقيرة تعود جذورها إلى أسوان، مع أنه متزوج بسيدة جميلة ذات حسب، ويخطئ من يظن أن الكابتن أغواها، فبدورها كانت ترتب لمثل هذه الغواية. أما سوسو وشوشو أو سهير وشادية فزوجتان شابتان تعيشان حياة مرفهة لاهية وتؤمنان إيمانا جازما بأن نكبة مصر سببها مجانية التعليم، وفتح حدود العاصمة للفلاحين والفقراء، وغيرها من الأفكار الصادمة المثيرة للجدل التى يتبناها البعض. لقد مضى زمن البراءة والعذوبة، وصارت الشخصيات محملة بقبحها وأفعالها الساقطة ووجهات نظرها المنحرفة، لا شك أنها طبوغرافية الأمكنة التى يسكنها بشر فى منتهى التعاسة.