فى مساء يوم الخميس 12 أكتوبر الماضى صدر تقرير الآفاق الاقتصادية عن البنك الدولى حيث أشاد التقرير بالاقتصاد المصرى وأكد أن ثمة اتجاها إلى استقرار أحوال الاقتصاد الكلى والحفاظ على معدل نمو متوقع ارتفاعه مستقبلاً ومدفوعاً بانتعاش الاقتصاد على أكثر من محور وخاصةً ضبط أوضاع المالية العامة وتدفق الاستثمارات الأجنبية ... وبمجرد الإعلان عن التقرير سادت حالة من الارتياح والتفاؤل فى الأوساط الاقتصادية إلا أن هناك من يحرص على تعكير صفو المناخ الاستثمارى حيث لم يمض على صدور التقرير أكثر من 24 ساعة ليخرج تصريح غريب من أحد السادة النواب باعتزامه التقدم بمشروع قانون لإغلاق المحال والمقاهى فى العاشرة مساء وهو مشروع القانون الذى سبق مناقشته ورفضته كافة الأوساط الاقتصادية إبان فترة حكم الإخوان هذا القانون الذى يحمل أهدافا بريئة فى ظاهرها إلا أنه يمثل قيوداً جديدة على حركة التجارة الداخلية والتى ما لبثت تبحث عن طريق لمزيد من الانتعاش بعد فترة صعبة طويلة ماضية... والغريب أن الأسباب التى يسوقها من يتبنى هذا القرار هى نفسها أسباب 2012/2013 رغم اختلاف الظروف تماماً وانعدام مبررات – شماعة - ترشيد الطاقة وتقليل استهلاك المحروقات ناهيك عن ما تحويه هذه الأطروحة من مغالطات ليس هنا مجال تفنيدها ويكفى فقط الإشارة إلى رفع الدعم عن أسعار الوقود لتأكيد عدم صحة هذه الحجة. والنقطة الفاصلة هنا ليست فى هذا القرار فى حد ذاته ولكن فى جميع القرارات التى يتم اتخاذها عاماً بعد عام لتشكل فى مجملها حواجز مانعة للاستثمار والاستقرار وضاغطة على البيئة الاقتصادية دون أمل فى مراجعتها ودون النظر لتغيير الظروف وعناصر المدخلات للعمليات التجارية والاقتصادية بصفة عامة والمشكلة الأكبر أن الكثير من القرارات تضيف صلاحيات لأجهزة قائمة أو تستحدث أجهزة جديدة وبيروقراطية مضافة تتنازع مع ما هو قائم أو تتضارب معه وفى أحسن الأحوال تتقاطع معه لنصبح اليوم فى مجال تجارة التجزئة أمام 17 جهة حكومية ورقابية لابد وان تتعامل معها لاستخراج ترخيص مزاولة النشاط...!! فهل تتخيل مثلاً أن لدينا قوانين وقرارات يتجاوز عمرها المائة عام والكثير منها مُطبق وبعضها غير مُطبق ، ليس لأنه ألُغى ولكن لأن الذاكرة البيروقراطية قد تجاوزته بفعل عناصر الزمن والتراكم... وحتى لا يفهم البعض خطأ فإن طرحه هو مجرد نموذج فليس إلغاء أو إقرار أو تعديل قرار هو الهدف ولكنه فقط مجرد مثال يوجد منه الكثير ومازلنا حتى الآن نعيش فى تداعيات وتفاعلات ومحاولات تنفيذ أو تعديل أو إلغاء قرار تدوين سعر البيع النهائى للمستهلك على العبوات الغذائية بما له وبما عليه فالقضية هنا أكبر من أى قرار أياً كان حجمه لأننا أمام فلسفة عمل ونظام اقتصادي... فالبرنامج الإصلاحى الجريء الذى تم تنفيذه لن يؤتى ثماره إلا بخلق حالة من الاستقرار النسبى تعطى المستثمرين الفرصة لوضع مخططات طموحة لخطط خمسية وعشرية فالاستقرار هو العنصر الحرج فى أى معادلة استثمارية ولا نبالغ إذا قلنا أنه العنصر الأهم الذى يمكن أن نتجاهل عناصر أخرى فى حالة وجوده كما هو الحال قبل 25 يناير فلم تكن هناك خطط إصلاحية على نفس المستوى حالياً ولكن كان هناك معدل استقرار جيد يمكن الاستناد اليه فى صنع اتخاذ الخطط والقرارات الاستثمارية.. فكل قانون أو قرار جديد خاصةً فى النواحى الاقتصادية له آثاره الجانبية التى يجب العمل على تفاديها خاصةً فيما يتعلق بالقضاء على البيروقراطية والحد من امتلاكها للمزيد من الأدوات والوسائل المؤثرة سلباً على الأداء الاقتصادى وبما يساهم فى دعم جهود الدولة فى القضاء على الفساد بتجفيف أخطر منابعه المتمثلة فى بيئته الحاضنة والتى تعتبر القوانين والقرارات المتضاربة أهم مكوناتها لأنها تجعل من السهل على أصغر موظف أن يهدر مشروعات واستثمارات بمليارات الجنيهات ولأسباب إدارية بحتة وبفلسفة قانونية لا غبار عليها نظرياً ومهما مر عليها من زمن تغيرت ظروفه واختلفت مبرراته ولكنه يظل قائماً كسيف مصلت على كل نشاط اقتصادى أياً كان حجمه وكل مستثمر أياً كانت جديته...