سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خلال مناقشة رواية «شيطان صغير عابر» بمكتبة الإسكندرية الناقد بهاء عبد المجيد: الرواية سيرة ذاتية ملتصقة بفكرة الحلم والخروج..الكاتب إتخذ من إنتقاد الذات منطلقًا لإدانة المجتمع و تعريته
محسن عبد العزيز خلال المختبر: الكتابة يعنى التسامح ونسيان الالام فى أمسية ثقافية مميزة، ناقش مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية رواية «شيطان صغير عابر»، للأديب محسن عبد العزيز، الكاتب ب «الأهرام»، بحضور الناقدين الدكتور بهاء عبد المجيد وإيمان الزيات، وأدار اللقاء الأديب منير عتيبة، مدير المختبر، وتحكى الرواية سيرة حياة شاب قادم من الصعيد للعمل بمهنة الصحافة والصعوبات التى واجهته حتى تحقيق حلمه. ........................................ فى البداية قال الدكتور بهاء عبد المجيد أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة عين شمس، إن الرواية تصنف فى قالب السير الذاتية، ولكن ليس بالشكل المباشر المتعارف عليه، مثل رواية الأيام لطه حسين، وإنما اتخذت طابع روائي، نجح من خلالها المؤلف بأن يسرد الأحداث الواقعية مع مزجها بأحداث من وحى الخيال، مضيفًا أن الكاتب حاول من خلالها توجيه رسالة بطريقة غير مباشرة عن السعى لتحقيق الذات. وأكد «عبد المجيد» إن تحويل السيرة الذاتية إلى كتاب أو رواية منتشر بصورة كبيرة فى أوروبا، حيث يستطيع الكاتب سرد كثير من الأسرار عن حياته أو المحيطين حوله بحرية تامة، أما فى الدول العربية المتحفظة يميل الكاتب إلى عدم البوح، وفى العادة يكون ذلك بسبب الرقابة الذاتية من الكاتب نفسه. وأوضح : إن الرواية هى سيرة ذاتية ملتصقة بفكرة الحلم والخروج، حاول من خلالها الكاتب التطلع إلى عالم أفضل، وهو ما تجسد فى الفترة الناصرية مع ظهور مفهوم «الحراك الاجتماعي» حيث تم الترويج إلى أن الحصول على تعليم جيد سوف يوفر وظيفة جيدة وبالتالى الانتقال إلى طبقة مجتمعية أعلي. وأضاف «إن البطل فى الرواية يسعى جاهدًا طوال الوقت أن يعيش حياة طبيعية، رغم الصعوبات التى تعرض لها منذ طفولته، تلك المواقف عرضها الكاتب بإحكام من خلال التجول بين محطات البطل والمراحل السنية المختلفة، وبحثه الدائم عن معنى وجودى لحياته»، مشيرًا إلى أن الكاتب سعى لتكوين صورة مكتملة لأحداث غير مكتملة فى ذهن البطل. وقالت الناقدة إيمان الزيات، إن علاقة عنوان الرواية بالمتن علاقة جدلية، لأنه يصدر للقارئ مفهومًا وانطباعًا أوليًا عن البطل الرئيس بأنه شيطان صغير لابد وأن يكون قد أرهق كل ما عبر عليه، بينما فى الحقيقة أنه ولد صغير مرهق من كل شئ لا يفهم لماذا عاش مطرودًا من الرحمة المجتمعية. وأوضحت «الزيات» إن الرواية اتخذت من انتقاد الذات منطلقًا لانتقاد المجتمع وتعريته والكشف عن مناطق العور فيه من خلال الشخصيات، كما تميزت لغة النص بمجموعة من الفنيات الجمالية حيث استخدم الكاتب جميع الضمائر المتكلم والغائب والمخاطب، كما تميز الكاتب بأسلوبه الساخر، وكأن لا أسلوب يلائم التعبير عن المأساة وحالة العجز حيالها سوى أسلوب السخرية. وبدوره قال الأديب محسن عبد العزيز أن الشيطان الصغير يكتب أحيانا ليغيظ النقاد أو يحيرهم كما فعل ذلك مع المؤلف نفسه .مشيرا إلى أن هذه الطريقة فى كتابة الرواية التى تقوم على التكثيف والحذف قد اتعبته كثير، لكنه يفعل ذلك حرصا على وقت القارئ الذى اصبحت المغريات أمامه وحوله عديدة للانصراف عن الكتاب .فالذين يقرأون بجد يحرصون على عدم إضاعة أوقاتهم فى قراءة كتب غير جيدة، ووقت القارئ ثمين ولا يجب إضاعته، ولذا كان الحرص على ايصال الرسالة إلى القارئ بأقل الكلمات. وأوضح «عبد العزيز» إنه أعتمد على أسلوب مشاركة القارئ على اختلاف ثقافته ومستواه التعليمى مع بطل الرواية، من خلال الاعتماد على فهمه لما بين السطور وعدم التعامل معه بالطرق المباشرة، خاصة أنه يعيش معه حالة إنسانية واحدة، كالحب والظلم والحلم، فالحالة هنا لا تحتاج إلى مزيد من الشرح. مشيرا إلى أن اللغة التى استخدمها فى الرواية ليست الفصحى ولا العامية وإنما هى اللغة «الجارحة» والتى تعنى الكتابة النابعة من الذات، ضاربًا المثال بالأديب العالمى نجيب محفوظ عندما بدأ فى الكتابة بعيدًا عن الطرق الكلاسيكية والحديثة، حيث أكتشف أن أفضل كتابة هى «الصادقة» النابعة من التجارب الحياتية. وأضاف «عبد العزيز» أن الكتابة هى مزيج ما بين الواقع والخيال، والكاتب هو من يحدد متى يعتمد على أى من الأسلوبين وفقًا لرؤيته الخاصة، مشيرًا إلى أن السيرة الذاتية هى عمل أدبى مشترك بين شخصين، حيث تروى حياة شخص من وجهة نظر ورؤية الكاتب، التى قد تكون فى بعض الأحيان غير صحيحة. وعن سر اختيار اسم الرواية «شيطان صغير عابر»، قال الكاتب، إن هذا السؤال تعرض له كثيرًا منذ طرح الرواية، موضحًا أن بطل الرواية مجرد إنسان ضعيف تعرض لصعوبات كثيرة فى الحياة، ولفظ «شيطان» هو الشئ الوحيد الذى يحتمى به الراوى من الضياع ويمنحه القوى اللازمة لمواجهة العالم المعقد. وتابع: «عندما يواجه طفل يتيم الصراعات الحياتية المعقدة، فماذا يفعل عندما يكون لديه حلم وطموح فى مجتمع صعيدى منغلق ؟، الأحلام هنا شئ مستحيل، وبالتالى يتم إخفائها بعيدًا عن أعين الجميع خوفًا من الانتقادات، ولذلك لابد أن تعطى انطباعًا لمن حولك أنك قوي»، مفسرًا استخدام لفظ «عابر» بأنها تدل على أن الرواى عبر كل الصعوبات التى تعرض لها، وبعد مرور السنوات تسامح مع من أساء له ،فالكتابة تعنى التسامح ونيسان الجراح ، وقد تكون هذه فائدتها وروعتها فى نفس الوقت .