يتهيأ المجلس القومى لحقوق الإنسان بتشكليه الحالى للرحيل بعد أن انتهت مدته حيث تجرى اللجنة العامة لمجلس النواب حاليا مشاورات لتشكيل المجلس الجديد ،وقد مارس المجلس الحالى نشاطه فى المدة من أول سبتمبر 2013 إلى الأن وهى فترة عصيبة واستثنائية فى تاريخ مصر فقد بدأت عقب ثورة 30 يونيه التى أنهت حكم الإخوان وما صاحبها من ظواهر جديدة أثرت سلبيا بشدة على حالة حقوق الإنسان، وكان على المجلس ان يمارس نشاطه فى ظل سياق سياسى إجتماعى معقد يفرض على الأجهرة الحكومية عامة وأجهزة الأمن خاصة أن توازن بين مواجهة الإرهاب الذى يهدد الدولة والمجتمع، والمحافظة فى نفس الوقت على حقوق الإنسان، الأمر الذى لم يتحقق كما ينبغي، حيث تراجعت حالة حقوق الإنسان بالفعل وقد بذل المجلس أقصى جهده لمواجهة هذا التراجع وتعرض لهجوم شديد من منظمات حقوقية محلية ودولية. مما دعا المجلس وهو يختتم دورته ان يعد تقريرا يحيط به الرأى العام علما عما واجهه من مشاكل وضغوط وكيف تعامل معها والجهود الذى بذلها لضمان المحافظة على حقوق الإنسان .. يحمل التقرير عنوان ( أربع سنوات من العمل معا كشف حساب) يشرح فيه حقيقة الوضع فى هذه الأيام التى أدت إلى ذلك وأهم الجوانب التى كان لها تأثيرها على نشاط المجلس وحالة حقوق الإنسان فى نفس الوقت، فمن الناحية السياسية كان هناك وضع إستثنائى حيث تم تعطيل العمل بالدستور وواجهت الدولة هجمات وإنتقادات سياسية من جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها التى خرجت من الحكم قسرا واستثمرت شبكة من العلاقات الداخلية والخارجية فى زعزعة الإستقرار السياسى للبلاد. ومن الناحية الحقوقية واجه المجلس والدولة المصرية مواقف حقوقية دولية ضاغطة من حكومات وأحزاب ومنظمات دولية ومحلية تعرب عن القلق حيال لجوء مصر إلى القوة المفرطة والإتهام بالإخفاء القسرى للأفراد والإعتقالات العشوائية والقتل خارج القانون، ومن الناحية الأمنية واصل التحدى الإرهابى تفاعله خصوصا فى سيناء فضلا عن قيام عناصر إرهابية منتمية لجماعات الإسلام السياسى بشن هجمات داخل البلاد استهدفت مرافق حيوية عمومية وقوات الجيش والشرطة والمواطنين، ومن الناحية الدينية قامت جماعات إسلامية فى أعقاب فض إعتصام رابعة بالإعتداء على دور العبادة الخاصة بالمسيحيين وخاصة فى محافظات الصعيد مما أدى إلى حالة إحتقان دينية مجتمعية ضاعف من حدتها تفجير ثلاث كنائس، ومن الناحية الإقتصادية واصلت مؤشرات الإقتصاد المصرى الأساسية تراجعها مما أرهق المواطنين وأثر فى أوضاعهم الحقوقية المرتبطة بالحالة الإقتصادية. أما من الناحية الإعلامية فقد واصلت مصر تراجعها فى تصنيفات حرية الإعلام التى تصدرها المنظمات المعنية والإستخدام السياسى المفرط لوسائل الإعلام وتصاعد خطاب الكراهية والتحريض على العنف فى برامج الحوار الإعلامية ولم تسلم الحالة الإجتماعية من هذه التطورات السلبية وشكلت هذه الجوانب المختلفة من الوضع السياسى العام الإطار الذى نشط فيه المجلس والذى مثل تحديا كبيرا لجهوده فى المحافظة على حقوق الإنسان المصري. يتضمن التقرير وكشف الحساب المقدم من المجلس للشعب المصرى والدولة المصرية أهم الظواهر التى واكبت هذا السياق السياسى الإجتماعى وتأثيرها على نشاط المجلس. فى مقدمة هذه الظواهر، تفشى الإرهاب وتداعيات مكافحته حيث كان أخطر الظواهر التى واجهت الدولة والمجتمع المصرى ورغم أن الأعمال الإرهابية ليست جديدة على مصر حيث تعرضت لها مرات عديدة ونجحت فى تجاوزها إلا ان الموجة الحالية تجاوزت كل ما سبقها كما ونوعا إذ تجاوزت إستهداف الجيش والشرطة إلى رجال القضاء والنيابة والمسيحيين وتخريب الإقتصاد الوطنى بإستهداف السياحة ومصادر الطاقة، ووسائل النقل وغيرها. وسعت إلى الإستقواء بالخارج ووجدت تجاوبا من عدة دول ومنظمات مثل وقف المعونات العسكرية الأمريكية، وتعليق عضوية مصر فى الأتحاد الأفريقى وقيام بعض البلدان بتمويل أنشطة الجماعات المسلحة وشن حملات إعلامية وسياسية منسقة ضد الدولة. أما الظاهرة الثانية التى برزت فى هذه الفترة فكانت إنتشار التجمعات المسلحة ومن أهمها إعتصام رابعة العدوية بمدينة نصر وميدان النهضة بالجيزة وتسيير العديد من التظاهرات فى المناطق الشعبية، كما دفعت بعناصر مسلحة داخل هذه التجمعات للتصدى لأى محاولات لفضها وعندما قامت أجهزة الأمن بفض هذه الإعتصامات وأدى ذلك إلى مقتل المئات، تعرضت مصر لهجوم شديد من منظمات حقوقية ومدنية وبعض الحكومات. ومن الظواهر التى برزت فى هذه الفترة أيضا، السعى لإثارة فتنة طائفية بإندلاع أحداث طائفية ممنهجة فى عدد من مدن وقرى البلاد شملت الإعتداء على المواطنين المسيحيين وكنائسهم وممتلكاتهم الخاصة بدعوى مساندة الكنيسة لثورة 30 يونيه، وشملت هذه الإعتداءات جرائم قتل ونهب وخطف. هذا هو جوهر الوضع الذى بدأ المجلس نشاطه فى ظله وكان له كما أسلفنا تأثير سلبى على حالة حقوق الإنسان. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;