إندهش العالم عندما رشح الإنجليز محافظا لمصرفهم المركزي أعرق المصارف المركزية علي مستوي العالم كندي, فالمهم ليس جنسية المحافظ, ولكن قدراته ومهاراته. ومن حسن الطالع أن يكون محافظ البنك المركزي المصري علي مدي عقد من الزمان. قبل وخلال وبعد الثورة رجلا في حكمة وخبرة وعلم الدكتور فاروق العقدة, والذي علي ما يبدو مصرا علي الرحيل نهاية سبتمبر المقبل. هذا الرجل تمكن من إدارة أموال مصر ومصارفها إدارة الرجل الحريص, وخاض تجربة شرسة لإصلاح القطاع المصرفي المصري, والذي تحول إلي أقوي قطاع مصرفي علي مستوي المنطقة, مطبقا المعايير العالمية في إدارة السيولة والمخاطر وكفاية رأس المال والحوكمة. إدارة السياسة النقدية باحتراف جعلت معدلات التضخم تحت السيطرة حتي في أحلك الأوقات بعد الثورة وعلي مدي عام ونصف كاملين, كما أن الإدارة العاقلة لسعر الصرف ساهمت في تماسك سعر الجنيه أمام الدولار, وبالتالي لم تنخفض القوة الشرائية للجنيه بالنسبة للمواطن محدود الدخل. لقد كانت هناك قصتي نجاح في عهد الرئيس السابق الأولي في قطاع البنوك حيث تم إصلاح أخطر جهاز نقدي يغذي شرايين الإقتصاد بقيادة فاروق العقدة وحفنة من المصرفيين الشرفاء, والثانية في قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدأها أحمد نظيف وأرسي دعائمها طارق كامل شفاه الله. ويشاء العلي القدير أن تكون ثورة المعلومات التي تمت في عهد مبارك أداة الثوار, وأن تكون البنوك المصرية سند الإقتصاد والوطن في فترة الثورة وما بعدها. أخطر ما يواجه الرئيس محمد مرسي بعد قرار إختيار رئيس الحكومة الجديد, هو تسمية محافظ البنك المركزي الجديد, وإذا كان هشام رامز نائب المحافظ السابق مرشحا لرئاسة الحكومة, فإن الذراع القوية التي لازمت فاروق العقدة وأخذت عنه كنائب للمحافظ هو طارق عامر الذي نجح في إدارة البنك الأهلي وحقق أعلي أرباح حقيقية في تاريخه. توجيه الرئيس الشكر لحكومة الجنزوري خلال إحتفال تخريج الدفعة106 من الكلية الحربية دليل علي أن حكومة الجنزوري استنفذت دورها, وأن الرئيس توصل بالفعل إلي شخص رئيس الحكومة الجديد, وبقي التعرف علي شخص محافظ البنك المركزي, وأتمني أن يتم الرجوع إلي الدكتور فاروق العقدة في إختيار خليفته, وإن كنت أمل أن يستمر الدكتور فاروق العقدة في موقعه حتي يستتب أمر البلاد بعد وضع الدستور والإنتخابات البرلمانية المقبلة, فالمحارب لا ينزل عن جواده قبل أن يطمئن علي أمن بلاده, والتأكد من ترك الأمانة في أيد قادرة علي حملها. ما يردده البعض من أن تشكيل حكومة وطنية مدنية ما هو إلا مرحلة مؤقته تهدف إلي إظهار عجز هذه الحكومة حتي يتم تشكيل حكومة إخوانية قول فيه كثير من الظن, وإن بعض الظن إثم, فمما لا شك فيه أن الرئيس الذي جاء من قلب التيار الإسلامي يهدف إلي النجاح, وأن التيار الإسلامي نفسه حريص علي ذلك, فأي نجاح سينسب إلي الرئيس, الذي تمكن من إختيار فريق العمل القادر علي الإنجاز. نحن لا نحتاج إلي حكومة تبذل كل الجهد, بل نحتاج إلي حكومة تحقق النتيجة, بذل العناية وحده ليس كافيا في المرحلة المقبلة, والمطلوب تحقيق نتائج علي الأرض. أيضا إختيار محافظ للبنك المركزي مع سلب البنك المركزي لإستقلاليته ستكون له نتائج مدمرة, ولن نتمكن عندها من توجيه اللوم لهذا المحافظ, فالشرط الرئيس لنجاح البنك المركزي في دوره الرقابي وفي إدارة السياسة النقدية وسعر الصرف أن يكون مستقلا وفقا للقانون. الرئيس مرسي يحتاج إلي النجاح, وهذا النجاح لن يتحقق بأهل الثقة, بل بأهل الخبرة حتي ولو كانوا في الصين. لن نحتاج لإستيراد محافظ للبنك المركزي كما فعلت أقوي دول العالم وأكثرها ثراء من حيث الخبرات والعلم, فنحن لدينا الكوادر الاكفاء, فقط نعطيهم الفرصة, والثقة, ونجني بعدها الثمار. المزيد من مقالات نجلاء ذكري