جاءت موافقة مجلس الوزراء على مسودة القانون الجديد للموارد المائية والرى لتقطع خطوة مهمة نحو تحسين ادارة المياه فى مصر، وتكلل بالنجاح محاولات استمرت اكثر من عشر سنوات كانت المسودة يتم تجهيزها ثم تأتى ظروف قاهرة تمنع استكمالها، تعديل وزارى او انتخابات برلمانية، او انتخابات رئاسية. المهم انه أصبح لدينا الان مسودة قانون حاصلة على موافقة مجلس الوزراء وجاهزة للعرض والمناقشة فى البرلمان. أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى على الاطلاق. المسودة الجديدة انضوت تحتها كل القوانين والقرارات المتعلقة بالموارد المائية، والتى كانت تتعامل مع المياه بشكل منفصل، واشتركت فى إعدادها كل الوزارات، سواء المعنية بشكل مباشر او غير مباشر بالموارد المائية فى مصر، وبالتالى تحققت درجة كبيرة من التنسيق داخل الدولاب الحكومى، وتم سد ثغرة واسعة كان ينفذ منها كثير من المخالفين والمتعدين على المجارى المائية، من خلال استغلال الفجوات (او التداخلات) فى مسئوليات التعامل مع النهر، ما بين مسئولية الادارة والملكية والحماية والولاية. مسودة القانون الجديد ببنوده ال 133 وأبوابه العشرة تتعامل مع تحديات جديدة لم تكن موجودة منذ ثلاثين عاما، وقت صدور قانون الرى والصرف الحالى، هذه التحديات تتمثل فى انخفاض نصيب الفرد لاقل من خط الفقر المائى، واستجدت ظاهرة التغيرات المناخية بما تحمله من مخاطر فى توقيتات هطول الامطار والسيول وارتفاع منسوب مياه البحر، تفاقمت ظاهرة التعدى على المجارى المائية، استشرت ظاهرة زراعة المحاصيل الشرهة لاستخدام المياه مثل الارز وقصب السكر والموز، واصبحنا مطالبين برى مساحة ارز تقارب ضعف المساحة المقررة، مما يهدد حصتنا المائية المحدودة. بالاضافة الى تلك التحديات، كان لازما الالتفات الى اصول ضخمة متعلقة بالمياه فى مصر. هناك 1550 كيلو هى طول نهر النيل و55 الف كيلو ترع ومصارف و3500 كيلو متر ممتدة على شواطئ البحر المتوسط والاحمر، بالاضافة الى 48 الف منشأ من قناطر وسحارات وكبارى، وهى اصول كان يصعب الحفاظ عليها او رفع كفاءتها فى ظل القانون القديم للرى والصرف. القانون الجديد اتجه نحو تغليظ عقوبة التعدى على المجارى المائية وتحولت من جنحة الى جناية، كما تم رفع قيمة غرامات تلك التعديات، بما يشكل رادعا حقيقيا للمتعدين على النيل وباقى المجارى المائية. وبالرغم من أهمية هذا التغليظ فهو يأتى ضمن ركائز اخرى اعتمدت عليها فلسفة القانون الجديد، وربما تكون اكثر اهمية من موضوع العقوبات، لانها تتصل بالرؤية المستقبلية لمواردنا المائية المحدودة، كيف نديرها بشكل اكثر كفاءة، كيف نوسع دائرة المشاركة فى ادارتها من خلال أدوار حقيقية لكل المنتفعين بها، وكيف نستثمر منافع الرى بما يحقق عائدا يغطى تكاليف الصيانة ولا يتعارض مع دور تلك المنافع فى خدمةالمياه. تعزيز فرص مشاركة القطاع الخاص والتعاونى وروابط مستخدمى المياه فى ادارة وتشغيل وصيانة اجزاء من شبكة الرى والصرف وفق اجراءات محددة هى اهم ركائز القانون الجديد، وهذه الركيزة ستنهض بروابط مستخدمى المياه، والتى تم البدء فى تكوينها منذ اكثر من خمسة وعشرين عاما وتجاوز عددها عشرة آلآف رابطة، لكن دورها محدود ومقيد نتيجة غياب الغطاء القانونى اللازم لانشطة تلك الروابط. اهتم القانون الجديد بما يسمى منافع الرى والصرف، وهى أجزاء من شبكة الرى التى تتمدد من جنوب البلاد لشمالها وتخترق معظم المدن المصرية الكبيرة وتقع غالبا فى أماكن متميزة بها، بعض هذه المساحات انتفت الحاجة لها كجزء من شبكة الرى، واصبحت نهبا للتعدى عليها، لذلك اهتم القانون الجديد بإفراد مواد تتيح تعظيم الاستفادة من تلك المساحات بشكل استثمارى وبالتالى توفير مصدر تمويل لانشطة صيانة الشبكة التى تستنزف ميزانية الدولة، فمحطات رفع المياه التى تبلغ 583 محطة، والمقامة فى نهايات شبكة الرى، وترفع المياه من المصارف لتوفير تغذية مائية للترع، تتكلف سنويا مليار جنيه وهو ثمن الكهرباء المستخدمة للتشغيل، وهذا بند واحد فقط من بنود عديدة للتشغيل والصيانة مطلوبة بشدة للحفاظ على مستوى الخدمة الحالية. لا أقول إن القانون الجديد منزه عن النقد او خال من العيوب، فهو اجتهاد بشرى للتعامل مع مشكلات متراكمة وتحديات شرسة، لن تتمكن بنود القانون وحده من التغلب عليها بدون تنسيق تام بين الاجهزة التنفيذية، ووعى حقيقى به بين المواطنين، وهذا هو الاهم. لمزيد من مقالات د. خالد وصيف;