يواجه المجتمع الإنساني في هذا العصر تحديات خطيرة ومشكلات عصية، خاصة نحن أهل الإسلام وفي بلادنا، فقد أصبحنا فريسة مباشرة للإرهاب وضحية سهلة للعنف والتطرف، مع المحاولات المستمرة لإلصاق التهمة بالمسلمين بأنهم إرهابيون في المقام الأول، فضلا عن أن تحديد مفهوم الإرهاب وتوصيفه بشكل معياري يشكل تحديًا كبيرًا. إن الحقائق المعرفية في الأديان والعقول والتاريخ تقرر بوضوح لا لبس فيه قضية مهمة تؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأن دين الإسلام بخصوصه بريء من ذلك، أما بخصوص الجهاد في الإسلام فمختلف عن الإرهاب معنى وشكلا ومضمونا وهدفًا، فمعاني الإرهاب في اللغة العربيَّة تدور حول الإرعاب والإخافة، ومن ثَمَّ تكون كلمة “الإرهاب” مجرد وصف يعبر عن انفعالات الخوف والفزع، وليس محددًا لجملة الأعمال الناشئ عنها ذلك ولا الأشخاص القائمين بذلك أيضًا. ويؤخذ من ذلك ضرورة عدم التشبث كثيرًا باشتراط الصبغة السياسية للقائمين بهذه الأعمال المنكرة أو التعلق بأهداف هؤلاء مهما تكن عند تناول هذا المفهوم بالتعريف والتحديد؛ وإنما ينبغي أن ننظر إليه على أساس موضوعي ووفق معيار قيمي، يصدق من خلاله “الإرهاب” من حيث الأصل على كل فعل إجرامي عنيف يتم بطريقة منظمة ويمثل ظاهرة تهدد حياة الإنسان وبيئته دينًا ونفسا وعقلا ومالًا ونسلا، وهذه القضايا معالجة في تشريعات الإسلام وأحكامه، فتشمل أحكام عقوبة “الحرابة”بعض صوره تارة، وتارة ثانية تقع بعض ممارساته تحت طائلة جريمة “التمرد والعصيان على الدولة والخروج على الدستور والقانون (البغي)” . كما أن جماعات العنف وأهل التطرف تتخذ من هذا المفهوم أيضًا والاضطراب الحاصل فيه والتقاعس الدولي عن إطلاق كلمة جامعة حوله منطلقا نحو ترسيخ مرتكزاتهم الحركية والفكرية لدى الأمة وأفرادها؛ مع انتقاء بعض الأدلة الشرعيَّة التي يعتبرونها مؤيدة لمشروعية أفعالهم الإجرامية وأفكارهم تحت مسمى “الجهاد”، ومبدأ “المظلومية” وصفة “الضحية”، ومن ذلك قوله تعالى:”وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ” [الأنفال: 60]، فإنهم قد اتخذوا من هذه الآية الكريمة شعارًا يتميزون به، وعنوانا يجتمعون تحته، وذريعة قوية لتثبيت شرعية تحصيل أسباب العمل المسلح وما يمارسونه من أعمال العنف والإرجاف ضد غيرهم سواء كان المستهدف من المسلمين أو من غيرهم، بعد إلصاقه ب “الجهاد”، والجهاد من ذلك براء. هذا الاختزال لهذه الآية الكريمة وما يترتب عليه من آثار إجرامية مرفوضة جملة وتفصيلا من قبل قطعيات الإسلام وواقع المسلمين وتاريخهم الذي يُستخدم لتشويه صورة هذا الدين الحنيف بأنه دين “دموي”، معتمدين في ذلك أيضًا -خاصة في البلاد الأجنبية- ترجمات مغرضة لترسيخ هذه الصورة المشينة في الأذهان؛ حيث يُختار لترجمة “ترهبون” معاني الترويع والفزع والخوف الحاصلة عن طريق العنف والاعتداء على الآمنين والأبرياء، رغم أن مقتضيات معاني هذه الكلمة القرآنية تستوجب ترجمتها بما يدل على معني:”هَدَّدَ، تَوعَّد، أنْذَرَ، بشَّر، أرَعبَ، خوَّفَ، رَوَّعَ”. والمتأمل في معاني “الرهبة” و”ترهبون” يجد أنها تحمل في طياتها مخاطبة المسلمين بإعداد القوة اللازمة لردع وإشاعة الرعب والخوف في نفس من يريد الهجوم عليهم وعلى بلادهم كعمل وقائي وخطوة للسلام وتحقيق الأمن والاستقرار، وهذه صورة من صور الجهاد الواجبة التي تقوم بها الأمة حسب الاستطاعة، وذلك يهدم وبشكل مباشر ما تروجه جماعات العنف من دعوى أن “الجهاد فريضة معطلة”، مع التأكيد بشكل قاطع أن أمور الحرب والسلم خاضعة لسلطة أولي الأمر والجهات المختصة، وليس متروكا للاجتهادات الفردية التي تخص بعض الطوائف والفرق والجماعات. لمزيد من مقالات د. شوقى علام - مفتى الجمهورية