المؤتمر: تعديلات قوانين الانتخابات استجابة للواقع الديموجرافي الجديد    نائب وزير الآثار: منتج السياحة الريفية يحظى بأهمية كبرى في إنعاش اقتصاد المجتمعات المحلية    اهتمام متزايد من الأجانب بالاستثمار في الصين    نقل النواب تناقش موازنة هيئة ميناء دمياط عن العام المالي 2026/2025    مدير جمعية الإغاثة الطيبة في غزة: رصدنا بعض العائلات على مواقع التواصل تبيع أطفالها بسبب الجوع    تأهل سيدات يد الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس الافريقية    مصرع شابين وإصابة اثنين آخرين في تصادم جرار زراعي ودراجة بخارية بالسنبلاوين في الدقهلية    بحوث "مباشر" تحدد القيمة العادلة لسهم "بنيان" عند 7.94 جنيه    اليوم العالمي للتنوع البيولوجي.. "البيئة" تكشف سبيل إنقاذ الأرض    22 صورة ترصد انطلاق امتحانات صفوف النقل بالدقي    زلزال يضرب بني سويف دون خسائر أو إصابات    أوروجواي تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد الهجوم على دبلوماسيين في جنين    أمريكا ستتحمل المسؤولية.. إيران تحذر من نوايا إسرائيلية للهجوم على منشآتها النووية    وول ستريت جورنال: ترامب أخبر قادة أوروبا أن بوتين ليس مستعداً لإنهاء حرب أوكرانيا    الرئيس يوجه باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات بشكل مسبق لضمان استقرار التغذية الكهربائية    سون وبوستيكوجلو.. 10 أعوام بين البكاء والمواساة والمجد الأوروبي    "وسطاء فقط".. مفاجأة بشأن رحيل إمام عاشور للدوري السعودي    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    بعد قرار الرمادي.. الزمالك يبدأ الاستعداد لمواجهة بتروجيت في الدوري    رئيس مصلحة الضرائب: إصلاحات ضريبية شاملة لدمج الاقتصاد غير الرسمي    3 مصابين في حريق منزل بالشرقية    "آيس وبودر وهيدرو".. ضبط 19 تاجر مخدرات في بورسعيد    ماتت تحت الأنقاض.. مصرع طفلة في انهيار منزل بسوهاج    ضبط مصنع بدون ترخيص لإنتاج الأسمدة والمخصبات الزراعية المغشوشة بالمنوفية    برنامج "فضفضت أوى" يتصدر الأكثر مشاهدة على Watch it بعد عرض حلقته الأولي    مملكة الحرير على "ON" قريبا    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي في احتفالية "أسرتي.. قوتي"    مكتبة الإسكندرية تحتفل باليوم العالمي للمتاحف    مهرجان كان، إيل فانينج تخطف الأنظار في جلسة تصوير فيلم Sentimental Value    بدلة فريدة وإطلالة عصرية.. «مسلم» يخطف الأنظار في حفل زفافه (صور)    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    خالد الجندي: يوضح حكم الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة؟    تأثير الكبد الدهني على القلب- نصائح فعالة للوقاية    رئيس «الرقابة والاعتماد» يفوز بجائزة الطبيب العربي 2025 في «الحوكمة الصحية»    الدكتور محمد خليل رئيسًا لفرع التأمين الصحي في كفر الشيخ    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    ضبط لحوم غير صالحة ودواجن محقونة بالمياه في بورسعيد قبل عيد الأضحى    تأجل محاكمة اللاعب إمام عاشور ل جلسة 19 يونيو للنطق بالحكم في اتهامه بسب وقذف مشجع بالدقهلية    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    إعلام عبري: إسرائيل تستعد للسيطرة على 75% من أراضي غزة    سون هيونج مين يقود توتنهام لتحقيق لقب الدوري الأوروبي ويصف نفسه ب"أسطورة ليوم واحد"    مباشر مباراة الأهلي والمنتدى المغربي في نصف نهائي الكؤوس الأفريقية لكرة اليد    جامعة بنها الأهلية تنظم اليوم العلمي الأول لكلية الاقتصاد وإدارة الأعمال    «القومي للمرأة»: استحداث اختصاص اضافي للجنة البحث العلمي    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    محافظ دمياط يتابع تطوير عيادة الطلبة بشطا    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    "التميز في النشر العلمي الدولي" ورش عمل بجامعة حلوان    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    «فولكانو ديسكفري»: نشاط زلزالي محتمل في الإسكندرية أو القرب منها    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    خالد الجندي: الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة «جائزة» بشروط شرعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب جديد
مصر روسيا.. علاقة فريدة وسعى دائم نحو التقارب
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 09 - 2017

◙ ما تشهده مصر من أحداث الآن يؤكد وجود توجهات إيجابية بين البلدين
◙ انضمام القاهرة إلى أحد طرفى صراع النفوذ بالشرق الأوسط فى السبعينيات دفع موسكو إلى الرحيل
◙ لقاءات الرئيسين السيسى وبوتين ووزراء خارجية ودفاع الدولتين رسمت بداية لمرحلة جديدة
◙ الكتاب تناول مظاهر تعاون القاهرة وموسكو فى الاقتصاد والطاقة النووية والبترول والغاز



«موسكو القاهرة .. سنوات الصعود والهبوط».. تحت هذا العنوان صدر عن دار نشر «جامعة العلاقات الدولية» التابعة لوزارة الخارجية الروسية كتاب من تأليف ميخائيل بوجدانوف نراه شديد الأهمية من حيث توقيت صدوره من جانب، وقدر وأهمية مؤلفه من جانب آخر،
فضلا عن حيوية موضوعه الذى يظل يشغل حيزا معتبرا فى الساحتين الاقليمية والدولية من جانب ثالث.
فالكتاب يحمل اسم العاصمتين «موسكو والقاهرة»، فضلا عن أنه يوجز ما يدور فى أذهان الملايين من أبناء البلدين روسيا ومصر من خواطر وهواجس اختزلها المؤلف فى كلمات قلائل ..«سنوات الصعود والهبوط» وإذا اضفنا إلى ذلك ما يشغله مؤلف الكتاب من مناصب، منها السياسى مثل المبعوث الشخصى للرئيس فلاديمير بوتين فى الشرق الأوسط وإفريقيا، إلى جانب منصبه الوظيفى كنائب لوزير الخارجية الروسية مسئول عن ملف العلاقات مع البلدان العربية، وسبق أن عمل لسنوات طوال فى سفارات بلاده بكل من سوريا ولبنان واليمن ومصر، قبل أن يشغل منصب سفير روسيا فى الكثير من بلدان المنطقة ومنها مصر وإسرائيل، فإننا نكون أمام ما يمكن أن يوصف ب»خزينة» أسرار المنطقة بكل علاقاتها المتشابكة المعقدة فى واحدة من أخطر الفترات التى مرت بها، وهى فترة ما يسمى «الربيع العربى» بكل مقدماته ونتائجه، ومنها الكارثية التى نجحت مصر فى وقف الكثير من تداعياتها، وهو ما حظى بالكثير من إشادة وتقدير الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى أكثر من مناسبة.
مقدمة الكتاب وضعها الأكاديمى ألكسى فاسيليف الذى سبق وعمل فى القاهرة لسنوات طويلة مراسلا لل «برافدا» لسان حال الحزب الشيوعى السوفيتى، قبل أن يعود ويسجل فى مؤلفه الأشهر «مصر والمصريون» ما اختزنته الذاكرة والعقل من معارف وانطباعات، إلى جانب تسجيله أهم مراحل تطورها على مر التاريخ، قبل أن يتحول شرقا نحو منطقة الجزيرة العربية إلى جانب عمله الأكاديمى كرئيس لمعهد إفريقيا التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية ثم الروسية.
كتب فاسيليف يقول عن كتاب زميله ورفيقه فى حب مصر والعرب، أن «العلاقات الروسية العربية علاقات فريدة النمط . فنحن أمام بلدين يختلف كل منهما عن الأخر فى كل شىء.. فى التاريخ والعقيدة والعقلية والخصائص الاقتصادية، إلى جانب اختلافات الأنماط الاجتماعية والسياسية، ومع ذلك فقد ظل كل منهما يسعى نحو الآخر بحثا عن التقارب والتجانس المتبادل».
ومن هنا كان تفسير الأكاديمى فاسيليف لأهمية كتاب ميخائيل بوجدانوف الذى يختزل ما يزيد على العشرين من أعوام العلاقات الروسية المصرية فى قرابة الثلاثمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، طرح من خلالها رؤيته لمسيرة التعاون بين البلدين وتحديدا منذ سنوات انهيار الاتحاد السوفيتى السابق وحتى أوج فترة «الربيع العربي» التى عاصر الكثير من مشاهدها من موقعه كسفير لروسيا فى القاهرة، ولكونه أحد آخر من إلتقاهم الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك فى التاسع من فبراير 2011 مع الكسندر سلطانوف المبعوث الشخصى للرئيس فلاديمير بوتين الذى كان قد وصل إلى مصر حاملا رسالة شخصية من الرئيس الروسى إلى نظيره المصرى. وفى هذا الشأن، قال فاسيليف إن بوجدانوف جمع فى كتابه بين الرؤية الميدانية والعمل الدبلوماسى والتحليل السياسى، من واقع لقاءاته واتصالاته مع أبرز رجالات العصر فى القاهرة والعديد من العواصم العربية. بل ووضع الأكاديمى المعروف، بوجدانوف مع كتابه الجديد فى مصاف أبرز خبراء المنطقة العربية الذى خص بالذكر منهم الأكاديمى يفجينى بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق وزير الخارجية الذى كان سبق وعمل أيضا فى القاهرة لسنوات طوال فى ستينيات القرن الماضى وهو ما سجله فى أكثر من مؤلف وكتاب.
ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن أيضا فى انه، وكما قال فاسيليف، «محاولة ناجحة» لاستعراض العلاقات الروسية المصرية، من منظور المصالح الوطنية لكل من البلدين، مع مراعاة التغيرات الضخمة، المحلية والدولية التى طرأت على المنطقة والعالم. ومن هذا المنطلق تحديدا كانت محاولات البلدين بشأن العمل المشترك لحل الكثير من قضايا المنطقة، ومنها مشكلة الشرق الأوسط، ووضع حد للنزاعات المسلحة فى كل من ليبيا وسوريا ولبنان والعراق، إلى جانب محاولات إيجاد الحلول السلمية للبرنامج النووى الإيراني، والعمل المشترك فى مواجهة الإرهاب الدولى وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة. وفى هذا الإطار كذلك كان تعدد أشكال التواصل بين البلدين، من لقاءات قمة واجتماعات لجان مشتركة، وحتى المشاورات الثنائية والمتعددة الأطراف، بما فى ذلك فى إطار آلية «2+2» على مستوى وزراء خارجية ودفاع البلدين، وهو ما تناوله المؤلف من خلال عرضه الكثير من خفايا ونتائج هذه اللقاءات والاجتماعات.
طرد الخبراء السوفييت
ويقول بوجدانوف إنه انطلق فى كتابة هذا المؤلف من رؤيته للعلاقات الروسية المصرية ومدى ارتباطها بالسياسات الإقليمية والدولية، ولذا كانت ذات معانى بعيدة الأبعاد، اشارته فى معرض حديثه عن تاريخ العلاقات بين البلدين، إلى أن طرد ما يقرب من عشرين ألفا من الخبراء العسكريين السوفيت فى عام 1972 وإلغاء معاهدة الصداقة مع الإتحاد السوفيتى فى عام 1975 وغير ذلك من الإجراءات التى وصفها ب«غير الودية» فى عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، مما أسفر عن وقف مسيرة التعاون بين البلدين فى مجال بناء المؤسسات الصناعية والزراعية وتقليص حجم التبادل التجارى والاقتصادى بين البلدين. ومع ذلك فقد عزا المؤلف الأسباب الرئيسية للأزمة التى اعترت العلاقات المصرية السوفيتية إلى انضمام مصر إلى أحد طرفى الصراع فى الحرب الباردة وهى الولايات المتحدة، ما دفع مصر ومعها الإتحاد السوفيتى إلى الوقوف على طرفى نقيض فى معسكرين مختلفين إبان ذروة الصراع على مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط، فى الوقت نفسه الذى اتسمت فيه الخلافات بطابع أيديولوجى، ما أسفر عن الكثير من الآثار المدمرة التى عصفت بعلاقات القاهرة وموسكو فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، ودفع روسيا إلى الرحيل عن مصر وكأنما إلى الابد، على حد قول الكاتب.
على أن المؤلف لم يقف طويلا عند هذه الحقبة الرمادية فى تاريخ علاقات البلدين، لينتقل سريعا إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضى وما شهدته من إعلان نهاية الحرب الباردة بين القطبين الأعظم، التى سرعان ما كانت مقدمة لظهور العديد من التطورات الايجابية ومنها أول زيارة للرئيس الأسبق حسنى مبارك لموسكو ومباحثاته مع الزعيم السوفيتى ميخائيل جورباتشوف فى 1990.
ومع ذلك فقد رصد بوجدانوف ما جعله يشير إلى أن العلاقات لم تكد تتحرك بعيدا عن نقطة الجمود، حتى عادت لتفقد وتيرتها مع بداية سنوات حكم الرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين فى التسعينيات، ما ترك أثره على مجمل علاقات روسيا مع مصر، وإن توصل البلدان آنذاك إلى بعض الاتفاقات حول إحلال وتجديد بعض المؤسسات والمشروعات التى سبق وجرى تشييدها بمساعدة الإتحاد السوفيتي، إلى جانب بدء تبادل الزيارات بين ممثلى الأوساط البرلمانية والسياسية، وهو ما أسهم فى «ترطيب» الأجواء بعيدا عن سياسات المواجهة.
سنوات الصحوة
وفى هذا الإطار توقف المؤلف عند عدد من هذه الزيارات بالكثير من التفاصيل، فضلا عن سرده مفردات العديد من المواقف المشتركة على صعيد التنسيق بين وزارتى خارجية البلدين على الصعيدين الإقليمى والدولى، ولا سيما فيما يتعلق بجهود التسوية السلمية لأزمة الشرق الأوسط. وخلص الكاتب إلى أنه اذا كان النصف الأول من تسعينيات القرن الماضى يمكن تسميته «سنوات الركود»، فإن ما تلا ذلك من سنوات يمكن تسميتها «سنوات الصحوة».
وفى هذا الصدد استعرض الكاتب الكثير من وثائق تلك الحقبة التى شهدت بدء التعاون المشترك فى مجال التنسيق لمواجهة التحديات الإقليمية، والتحرك صوب الشراكة الإستراتيجية. حيث توصل الجانبان آنذاك إلى العديد من اتفاقيات التعاون فى مختلف المجالات ما أسهم فى تحديث العلاقات الثنائية بين روسيا ومصر فى العقد الأول ومطلع العقد الثانى من القرن ال21، وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية وكذلك العلاقات الإنسانية والثقافية، ومنها ما يتعلق بالتعاون مع مؤسسة الأزهر والكنيسة المصرية، وتوطيد العلاقات على مستوى الأقاليم التى خص بالذكر منها تتارستان التى كانت أولى الجمهوريات ذات الحكم الذاتى التى بادرت ببناء علاقات على المستوى الثنائى مع القاهرة وعدد من المحافظات المصرية.
وقد توقف المؤلف بالكثير من التفاصيل عند تعاون القاهرة وموسكو فى الكثير من المجالات ومنها ما يتعلق بإنشاء المنطقة التجارية الحرة والمنطقة الصناعية الروسية فى مصر وإنشاء الجامعة الروسية فى القاهرة، إلى جانب الكثير من المبادرات ومنها ما تقدم به أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصرية الأسبق حول التعاون فى إنشاء مركز علمى مشترك يؤرخ للعلاقات المصرية الروسية، وكذلك ما يتعلق بالتعاون فى التنقيب واستخراج النفط والغاز.
وفى هذا الصدد نتوقف لنشير إلى ما تطرق إليه المؤلف لدى تناول تعاون البلدين فى مجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية. ففى ذلك الشأن أشار بوجدانوف، والذى كان آنذاك سفيرا لبلاده فى القاهرة ومندوبا دائما لدى الجامعة العربية، إلى توقيع اتفاقية التعاون بين حكومتى البلدين فى مجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية خلال زيارة الرئيس الأسبق مبارك لموسكو فى 25 مارس 2008.
وقال إنه، وعلى الرغم من تسويف تنفيذ هذه الاتفاقية، كان من المهم فى هذا الشأن عدم التفريط فى المبادرة، وعدم التنازل عنها لصالح أطراف منافسة أخرى من بلدان صناعية كبرى، لم يشر إلى أى منها.
وقال أن رئيس الحكومة المصرية الأسبق أحمد نظيف والوزير محمد رشيد أكدا للجانب الروسى اهتمام مصر بتنفيذ الاتفاقية، وتأييدهما مشاركة روسيا فى المناقصة المطروحة حول بناء أول محطة نووية فى مصر. وأماط بوجدانوف اللثام عما تلا ذلك من مداولات ولقاءات بين مؤسسة «روس اتوم» أكبر المؤسسات المتخصصة فى بناء المحطات النووية فى العالم والجانب المصرى، وما أعقب ذلك من تبادل للزيارات وإيفاد الكثير من الوفود المصرية إلى روسيا للتعرف على المواقع النووية ومراكز التدريب الروسية.
واستعرض المؤلف أيضا التعاون بين البلدين فى مجال معالجة المشاكل الإقليمية والدولية فى اطار العلاقات الروسية المصرية. ومن هذه المشاكل كانت ما وصفها ب»العقدة الفلسطينية»، وقضايا حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، والبرنامج النووى الايرانى، والعمل المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب، والمشاورات المصرية الروسية حول التصدى للإرهاب النووى، وإصلاح منظمة الأمم المتحدة، إلى جانب ما يسمى «عملية برشلونة»، والتعاون فى مجال حل القضايا الإفريقية بما فى ذلك المشاكل السودانية الداخلية .
ومن منظار الدبلوماسى المحترف والخبير بشئون المنطقة، ومن موقعه كسفير لبلاده فى القاهرة، تطرق ميخائيل بوجدانوف إلى علاقات مصر بالعالم الخارجى، ومنها العلاقات المتميزة بين الرئيسين الأسبقين المصرى مبارك والفرنسى ساركوزى، وبالصين الدولة التى تبدو وقد اقتربت من ترسيخ أقدامها فى المنطقة العربية وإفريقيا.
تغيير الأنظمة
ويمضى المؤلف مع منطقة الشرق الأوسط وما عصف بها من أحداث ليقول إن أحداث «الربيع العربي» التى أسفرت عن تغيير الأنظمة فى بعض بلدان هذه المنطقة، ومنها مصر وليبيا وتونس واليمن أثرت بشكل كبير على حالة العلاقات الدولية ، بينما انعكست آثارها عموما، وبشكل مباشر أو غير مباشر، على العلاقات الروسية العربية. وكشف عن أن موسكو لم تكن فقط تعلم بما داهم المنطقة من أحداث عاصفة، بل حذرت من مغبتها بشكل صريح. وقال إن وزارة الخارجية الروسية تناولت بعضا من ذلك فيما أصدرته على موقعها من بيانات رسمية. واستشهد فى ذلك بالبيان الذى صدر عن وزارة الخارجية الروسية فى عام 2009 حول نشاطها عن ذلك العام وقالت فيه : إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال تشهد أوضاعا غير مستقرة تتعلق بسلسلة من النزاعات التى يجرى تأجيجها من خلال إثارة التناقضات الطائفية وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية».
وأشار كذلك إلى أن روسيا أسهمت فيما يبذله المجتمع الدولى من جهود للخروج بمنطقة الشرق الأوسط من الأزمة المزمنة التى تعانيها لسنوات طوال. وتطرق بوجدانوف كذلك إلى ما وصفه بأزمة «النموذج الشمولى للسلطة» وتراجع الأوضاع فى مختلف البلدان ومنها فلسطين والسودان والعراق ولبنان واليمن والصومال على ضوء تدهور الأوضاع السياسية والعسكرية فى بعض هذه البلدان، ما أسهم فى ظهور المقدمات الطبيعية للانفجار. وفى معرض تناول الأوضاع فى مصر توقف الكاتب عند تصاعد تأثير ونفوذ الإخوان المسلمين فى مصر مع منتصف العقد الأول من القرن الحالى، على ضوء ظهور المقدمات الموضوعية لقرب رحيل الرئيس مبارك عن السلطة، مشيرا فى هذا الشأن إلى تزايد تأثير حركات المعارضة وظهور بوادر التحالف بين الإخوان المسلمين والجناح الراديكالى للسلفيين، وتفشى الفساد، وانتشار البطالة لا سيما بين أوساط الشباب، ما كان من مقدمات وأسباب ظهور حركة «كفاية» وتزايد نفوذ «حزب النور».
وعلى الرغم من أن الكاتب لم يتطرق بشكل مباشر إلى مشكلة «التوريث» فى مصر، فإنه لم يغفل التوقف عند قرارات المؤتمر السابع الحزب الوطنى والكثير من شعاراته الشعبوية التى قال إنها استهدفت الإعداد لنقل السلطة إلى جمال مبارك ، مستشهدا فى ذلك بالكثير ممن إلتقاهم فى مصر من شخصيات حزبية وبرلمانية. ومع ذلك فقد أضاف أن الأحداث التالية فى مصر أكدت أن القيادة المصرية بزعامة مبارك لم تحسن التقدير الموضوعى والواقعى للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد ما جعلها لاحقا عاجزة عن درء أحداث الربيع العربى.
وحول موقف موسكو من هذه الأحداث قال بوجدانوف أن القيادة السياسية فى روسيا أوجزته فى رسالة شخصية بعث بها الرئيس بوتين إلى نظيره المصرى حسنى مبارك عبر ممثله الشخصى الكسندر سلطانوف الذى كان آخر المسئولين الروس الذين التقوا مبارك بالقاهرة فى التاسع من فبراير 2011. وأضاف بوجدانوف أن هذا الموقف من جانب الرئيس بوتين واعتباره ما يحدث فى مصر والبلدان العربية شأنا داخليا لا علاقة لموسكو به، حظى بتقدير الأوساط السياسية المصرية.
وعلى الرغم من تأكيد المؤلف أن ما جرى فى أعقاب اندلاع أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 من أحداث يأتى خارج إطار المساحة الزمنية لموضوع بحثه ودراسته، فإنه وفى ختام حديثه حول العلاقات الروسية المصرية، خلص إلى القول أن ما تشهده مصر من أحداث منذ ذلك الحين تعنى بداية مرحلة جديدة فى اعادة تشكل هذه العلاقات. وأضاف أن ما طرأ من تغيرات خلال العامين الأخيرين بما فى ذلك على صعيد العلاقات الروسية المصرية، يسمح له بتأكيد التوجهات الايجابية الواعدة للبلدين والتى كشفت عن الكثير من ملامحها لقاءات القمة بين الرئيسين بوتين والسيسى ، فضلا عن إقرار آلية»2+2» التى أعلنتها موسكو والقاهرة إطارا للقاءات وزراء خارجية ودفاع البلدين بوصفها من أهم أشكال الشراكة الإستراتيجية وأكثرها فعالية لضبط وتنظيم حركة التعاون بين البلدين. وتأكيدا لأهمية تأريخ مسيرة العلاقات الروسية المصرية خلال الفترة اللاحقة لسنوات انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، تبدى حرص المؤلف على تضمين كتابه نصوص الكثير من الاتفاقيات والوثائق التى تضع الكثير من الأسس القانونية والتشريعية لهذه العلاقات.
ويبقى أن نقول إن هذا الكتاب، هو موضوع الرسالة العلمية نفسه التى سوف يناقشها المجلس العلمى لمعهد أفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية فى الرابع من أكتوبر المقبل، بمشاركة عدد من أهم رموز مدرسة الاستشراق والعلوم السياسية فى روسيا المعاصرة، ومنهم الأكاديمى فيتالى ناؤمكين والبروفيسور بيتر ستيجنى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.