ونحن نبدأ عاما هجريا جديدا، نتذكر أنه في لحظة قريبة سوف يُطوى كتاب حياتنا، ويقول المحيطون بنا: "يرحمه الله"،؛ لنجد أنفسنا في عالم آخر؛ لا يؤنس فيه وحدتنا إلا عمل انقضى عمرنا فيه، وصدق فيه قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالخواتيم". (البخاري)، وقال عنه ابن القيم: "العمر بآخره، والعمل بخاتمته". أغمض عينيك إذن، وفكر - مع ختام عام هجري - في خاتمة حسنة، تعمل لها منذ الآن. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ". (آل عمران: 102). وعن ابن مسعودٍ، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم: "والذي نفسي بيده، إنَّ أَحدَكم ليعمل بعملِ أهل الجنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النَّار فيدخلها، وإنَّ أحدَكم ليعمل بعمل أهل النَّار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنَّة فيدخلها". (رواه البخاريُّ ومسلمٌ). وجاء في صحيح مسلم: "وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له بعمل أهل الجنة".(رواه مسلم). فمَنْ وُفق للعمل الصالح في آخِر عمره فقد كُتب له حسنَ الخاتمة. يُروى أن رجلين سكنا في منزل واحد، أحدهما في الطابق الأرضي، والثاني في العلوي. الأول يعبد الله منذ أربعين سنة، والآخر فاجر يعصي الله منذ أربعين سنة. وفي يوم قال المؤمن: أعبد الله منذ أربعين سنة, فلا ضير أن أعصيه اليوم. بينما قال الفاجر: أنا أعصي ربي منذ أربعين سنة، فلأتبْ إلى الله اليوم. فانهار المنزل فماتا، فدخل المؤمن النار لأن نيته كانت معصية الله, بينما دخل العاصي الجنة، لأنه لقي الله على توبة. وتبرهن هذه القصة على أهمية حسن الخاتمة في حياتنا، وتكاد تتكرر عشرات المرات، حتى إن مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ بمشاهد مؤثرة لخواتيم حيوات أناس، فيما يكثر الصالحون الدعاء: "اللهم ارزقنا حسن الخاتمة". ومقتضى حسن الخاتمة أن يُوفق الله العبد، قبل موته، للابتعاد عن كل أمر يغضبه. فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله"، قالوا: كيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته". (صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"). وقَال، صلى الله عليه وسلم، أيضا: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ. قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ".(صحيح الجامع). وقيل: "شبَّه ما رزقه الله إياه من العمل الصالح بالعسل الذي يحلو به كل شيء، فيطيب ثناؤه بين الناس". ولحسن الخاتمة علامات أولها أن يموت، وجبينه يعرق؛ لقوله، صلى الله عليه وسلم: "مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ".(صححه الألباني). والعلامة الثانية أن ينطق بالشهادة قبل الموت؛ لحديث معاذ، رضي الله عنه: "قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه: "لا إله إلا الله، دخل الجنة". (صححه الألباني في "صحيح أبي داوود"). والعلامة الثالثة أن يموت شهيدا. ولا تعني الشهادة هنا" الموت بالجهاد في سبيل الله، ولكن ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، منها: موت المرأة في نفاسها، ومن يموت حرقا، أو غرقا، أو بالهدم، أو بالطاعون، أو بالسل، أو بمرض البطن، أو دفاعا عن نفسه، أو ماله، أو عرضه، أو دينه، أو انتصارا لمظلمته.. إلخ. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله". وروى البخاري ومسلم، أيضا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" . والعلامة الرابعة أن يموت على عبادة، أو عمل صالح، كأن يصلي أو كان صائما أو ذاهبا لدرس علم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرا طهَّره قبل موته، قالوا: وما طُهور العبد؟ (أي: ما المراد بتطهيره؟)، قال: عمل صالح يلهمه إياه (أي: الله) حتى يقبضه عليه". (صحيح الجامع). وقد حفل التاريخ الإسلامي بأناس صالحين، رزقهم الله حُسن الخاتمة. فمات عبد الله بن بسر وهو يتوضأ. ومات حميد الطويل، وهو قائم يصلي. كما مات حماد بن سلمة في الصلاة بالمسجد. وقال أبو بكر العطوي: "كنت عند الجنيد لمَّا احتضر، فختم القرآن، ثم ابتدأ سورة البقرة، فتلا سبعين آية، ومات". ولما حضرت إبراهيم بن هانئ الوفاة، قال: أنا عطشان، فجاءه ابنه بماء، فسأله: أغابت الشمس؟ قال: لا. فرده، وقال: "لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ". (الصافات:61). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;