علي مر التاريخ ظلت الجبهة الشمالية الشرقية هي مفتاح الأمن القومي المصري.. منها جاءت دائما الغزوات وتسلل المغامرون لتصير مصر بعد ذلك مقبرة لهم, علي تخومها القريبة والأبعد تشكلت عبر السنين منظومة الأمن القومي المصري.. واستوعب حكام مصر جميعا هذه الحقيقة منذ عهد الفراعنة وحتي الان. لكل هذا كان اهتمام حكام مصر بتأمين هذه الجبهة الحيوية وتوطيد علاقات مصر بجيرانها الشرقيين.. وكان وعي القيادة المصرية قديما وحديثا بضرورة متابعة ما يجري في المشرق العربي متابعة وثيقة ومباشرة. من هنا فان ما يجري في سوريا حاليا لا يمكن اعتباره شأنا سوريا فقط بل هو شأن مصري ايضا وبالطبع هو شأن عربي يهم كل بلدان المنطقة. ما تشهده سوريا من عنف وسفك لدماء الابرياء يحزن كل مصري ويؤلمه ويقلقه ويثير مخاوفه ايضا. مستقبل سوريا وحاضرها هو جزء من مستقبل مصر وحاضرها سواء ما يجري هناك ستكون له تداعيات خطيرة ومباشرة ومهمة ليس فقط في مصر بل في الشرق الاوسط كله. وفي السطور التالية نعرض قراءة للمشهد السوري الدامي يقدمها عدد من الخبراء الاستراتيجيين والدبلوماسيين الذين يعرضون وجهات نظرهم حول تداعيات الحدث السوري علي مجمل الاوضاع في مصر والمنطقة. ورؤيتهم لما يجب ان تقوم به السلطات المصرية للتعامل مع هذه التطورات. اللواء سعيد الصالحي الخبير الاستراتيجي قال: إن الأمن القومي المصري يبدأ جغرافيا من منطقة سوريا, ومن هنا ما يحدث فيها كدولة جوار لحدود الأمن القومي المصري, يؤثر تأثيرا مباشرا علي الأمن القومي المصري في المجال السياسي( خارجي سياسي) و(أمني عسكري), لذا من مصلحة مصر أن يكون هذا الاتجاه مؤمنا ومستقرا في ظل المتغيرات الحادثة. وأضاف أنه بالنسبة للنظرتين الدولية والإقليمية نجد أن الدور العربي لاستقرار سوريا يحتاج إلي مجهود كبير, وتضحيات من مصر بما لا يصل إلي صراع مسلح في المنطقة بين الدول الإقليمية والدولية في المنطقة. وأشار إلي أن شكل الصراع سيكون من خلال تدخل حلف الناتو في سوريا, أو صراع بالوكالة بين إسرائيل وإيران, وبالتالي ستدخل المنطقة في لهيب الصراع, مؤكدا أن الموقف في سوريا ليس بالهين, وله تشعبات كثيرة قد تضع مصر في موقف حرج, وقد تدخل مصر في أتون المعركة, من هنا فإن استقرار سوريا يمثل أحد متطلبات الأمن القومي المصري في ظل الأوضاع المصرية الحالية. وأوضح أنه إذا نظرنا إلي الأمن القومي المصري نجد أن الاتجاه الشمالي الشرقي يمثل المنطقة الجغرافية الأولي لمصر, لوجود التهديد الإسرائيلي بها, علاوة علي النقطة الأخري منطقة منابع دول حوض النيل, والمنطقة العربية والإسلامية والأوروبية. وأوضح أن الوضع المنتظر في سوريا هو استمرار الاضطرابات شديدة العنف تصل إلي ثورات محلية, ويمكن أن يكون هناك ضحايا من الشعب السوري, مشيرا إلي مخاوف حيث من المنتظر أيضا تقسيمها إلي دويلات أو ولايات, كما كان قبل توحيدها أيام الاحتلال الفرنسي, ومن هنا فإن المصلحة من تقسيم سوريا تصب في مصلحة إسرائيل ثم تركيا. وأشار إلي أن الرؤية الأمريكية لموضوع الشرق الأوسط تقوم علي هزيمة التكتل العربي وإلغاء المصطلح الجغرافي للوطن العربي, وإحلال مصطلح الشرق الأوسط. وأوضح أن الدول العربية في هذا الوقت ليست صاحبة اليد العليا في الدعم السوري, لكنها تتميز بالشعارات أكثر من أي عمل إيجابي, مشيرا إلي أن مشروع الدول العربية ومحاولة تدويل سوريا لن يكون بالسهولة كما تم في ليبيا, حيث إن روسيا تقف ضد هذا التدويل. وأضاف اللواء سعيد الصالحي أن التاريخ يثبت أن سوريا تمثل منطقة حيوية تتمركز فيها المصالح القوية الحيوية لمصر, ومن خلال دراسة التاريخ نجد أن أي تهديد من الاتجاه الشرقي بلاد الشام قديما يمثل تهديدا للأمن القومي المصري. وأكد أن ذلك يدفعنا إلي تأكيد أن الحدود الجغرافية التي تؤمن مصر من اتجاه الشرق هي منطقة بلاد الشام سوريا, ومن هنا تظهر أهمية هذه المنطقة الجغرافية لنا. وأشار إلي أنه لو قفزنا بالتاريخ أيام ثورة52 نجد أن لتحقيق الأمن القومي المصري كانت رؤية القيادة السياسية المصرية في ذلك الوقت إعلان الوحدة مع سوريا. وفي حرب76 نجد أن العدو الإسرائيلي تمكن من سوريا ومصر في توقيت واحد, وكانت رؤية القيادة العربية هي أن تحرير الأرضي يجب أن يكون من الاتجاهين في وقت واحد( سوريا ومصر), لأهمية سوريا بالنسبة لمصر, حيث إنها تعد العمق الاستراتيجي من الاتجاه الشمالي الشرقي. وحول الفرق بين ما جري في مصر وما يجري في سوريا أوضح أن هناك فارقا جوهريا بين ثورة25 يناير والاضطرابات السورية, حيث إن مصر كان يسودها الشعور بعدم المساواة والظلم علي المستوي الإقليمي المصري كله, ومن هنا كان تفجير الثورة الشعبية, أما في سوريا فإن الظلم والاستبداد من الطبقة الحاكمة لم يشعر به جميع السوريين, ومن هنا ظهرت الحركات الشعبية في بعض محافظات سوريا, وليست سوريا بالكامل. وقال: إذا نظرنا إلي سوريا من المنظورين الدولي والإقليمي, فسنجد أنها تمثل منطقة حيوية بالنسبة لروسيا, حيث تعتبر الفصل بين العراق والبحر المتوسط. أما علي المستوي الإقليمي فنجد أن التعاون السوري الإيراني الاستراتيجي كان لمصلحة إيران لدعم حزب الله, ومن هنا تكون سوريا منطقة حيوية أيضا لإيران, مشيرا إلي أن إيرانوروسيا حليفتان, ولهما مصالح مشتركة في بحر قزوين. الخبير الاستراتيجي اللواء محمود خلف يري أن المشهد السوري مضي عبر مسارين, الأول: مذابح غرقت من خلالها سوريا في بحر من الدماء, وفقدت السلطة السورية السيطرة علي الأرض, والشق الثاني يتمثل في التلكؤ الدولي, فالمجهود الدبلوماسي لا يتوازن مع ما تواجهه سوريا. وعن تداعيات الأزمة مع الأمن القومي المصري أشار خلف إلي أن التداعيات تتجاوز الأمن القومي المصري إلي العربي, فالمعركة في النهاية تعني نهاية للامتداد والنفوذ الإيراني الذي يخترق المجال العربي عبر دمشق إلي حماس, وإلي لبنان, ويمتد أيضا إلي الحكومة العراقية باعتبارها لاعبا أساسيا في دعم النظام السوري. وأشار إلي وجود عدد من المخاوف مثل أن يحاول بشار الأسد الهروب إلي الأمام في الهجوم علي إسرائيل وجرها إلي الحرب, أو أن تحاول إيران إشعال الموقف في اليمن والخليج, وبالتالي فالمسألة قابلة للاشتعال, وكل هذا له تجلياته وتأثيراته علي الأمن القومي المصري. وشدد خلف علي أن الموقف يفرض علي مصر أن تتجاوز مرحلة الاستقرار لاستعادة دورها الغائب, ذلك لأن مصر طول انشغالها بشأنها الداخلي جعلها غائبة عن هذا الاتجاه الحيوي الشمالي الشرقي, وهو نطاق مهم وحيوي فيجب علي مصر تجاوز هذه الأزمات الداخلية. وأوضح اللواء محمود خلف أن هناك خطورة كبيرة, فمع اشتعال الموقف لا أحد يعرف أين تتجه الأمور, فهناك أخطار تحتم سرعة إعادة الاستقرار, ولابد أن يكف الجميع عن الاختلافات, وأن تترك الأمور المختلف عليها للقضاء لأن استمرار هذا الوضع له تأثيراته علي الدور المصري. وقال: إن مصر تستطيع لو أنها تجاوزت مشكلات الداخل وأعادت ترتيب أوراقها الداخلية أن تلعب دورا مهما في سوريا, حيث إن لمصر قبولا ونفوذا في سوريا. وأشار إلي أن الجانب الأمريكي مستفيد من الوضع كله, وكذلك إسرائيل التي تطبق القاعدة إذا تقاتل أعداؤك فلا تقاطعهم. وحذر خلف من أن سوريا مرشحة للتقسيم مثلما حدث في العراق. أما اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجي فقال: إن الأحداث تطورت بشكل دراماتيكي, خاصة بعد وصول الثوار إلي دمشق, وقد سبق أن قلت إن وصول الثوار إلي دمشق يعني أن نظام بشار وصل إلي محطة النهاية, وأن الثورة السورية أشرفت علي النجاح, خاصة بعد اغتيال وزير الدفاع السوري, ووزير الداخلية, وعناصر مهمة من الدائرة المقربة من بشار الأسد, وهي التي قد تكون مرحلة مفصلية في تطور نجاح الثورة السورية. وعن تأثيراته علي مصر قال: نتطلع في مصر إلي أن تكون سوريا دولة واحدة, وأن يختفي عنها شبح التقسيم والانقسامات, خاصة أنها من الدول الحدودية مع إسرائيل مثلها في ذلك مثل مصر. فقد يكون من الضروري توحيد أراضي الدولة السورية ضد الأخطار القادمة من الحدود المجاورة, بما يمكنها من الوقوف في وجه التحديات الإقليمية الجديدة, أما إذا حدث سيناريو التقسيم( لا قدر الله) فهو شيء مؤلم لنا في مصر. وقال: إن مستقبل مصر يعود إلي القوي والتيارات السياسية في سوريا في تجاوز الخلاف, وإلا فإنها لن تستطيع إنشاء جيش وطني موحد, أو الاتفاق علي الشكل السياسي الموحد للدولة, وعدم القدرة علي توحيد ودمج الميليشيات العسكرية, وإنشاء أجهزة أمنية وشرطية تقوم بجمع جميع الأسلحة من كل الأطراف.