آليت علي نفسي ألا أكتب عن العلاقات المصرية السورية منذ قمة الكويت, وكان دافعي لهذا الموقف أنني غير مقتنع بما آلت اليه العلاقات, فقد عشت مرحلة ازدهار وقت أن كان رفاق السلاح حسني مبارك وحافظ الأسد يتزاوران بصفة دورية كل شهرين في دمشق والقاهرة, وكانت المحادثات بين الوفدين المصري والسوري تغطي الوضع الجيواستراتيجي في المنطقة, والاستراتيجي الدولي. أما العلاقات الثنائية, فقد كانت هناك لجنة عليا مشتركة تعقد كل عام بالتناوب بين دمشق والقاهرة, برئاسة رئيسي وزراء البلدين, وتعززها زيارات متبادلة بين الوزراء تتوالي كل أيام علي مختلف التخصصات. أكثر من هذا فقد كانت الدولتان مصر وسوريا تتنفسان برئة سياسية واحدة, فقد شعر الرئيس حسني مبارك عام1988 أن تركيا تنوي توجيه ضربة عسكرية لسوريا ردا علي استضافتها لعبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني الذي يسبب قلقا مأزوما لتركيا, وقام الرئيس حسني مبارك بالتوجه الي سوريا ومنها الي تركيا ثم عاد الي سوريا ليحل الأزمة, ويفتح المجال لعلاقات جديدة بين البلدين بعد سفر أوجلان الي موسكو وكانت هذه المصالحة هي مفتاح انطلاق العلاقات المزدهرة التي تنعم بها علاقات الدولتين حاليا. وكنت أشعر علي مائدة الغذاء التي تجمع بين وفدي البلدين بحضور الرئيسين حسني مبارك وحافظ الاسد أننا في لقاء عائلي يجمع كبيري العائلتين, مع قدر كبير من السماحة والتفاهم والمودة.. وأزعم أنني كنت أشعر من موقعي كسفير لمصر في سوريا بأن علاقات الدولتين قد تلاحمت برباط سياسي وجيواستراتيجي, وربما استراتيجي. ولا يمكن إغفال دور المملكة العربية السعودية في هذه المنظومة, فقد كان محور مصر وسوريا والسعودية الذي أطلق عليه محور أكتوبر وهو حاصل جمع فكر وخبرة حكماء ثلاثة, استطاعوا ان يخرجوا العالم العربي من حالة الجمود التي نعاني منها منذ كارثة التاسع من سبتمبر وحتي الآن. واسترسالا في طرح الحقائق, فقد كانت مصر تعلم بعلاقات سوريا مع حزب الله وصلة الربط التي توصل بينه وبين إيران, ودور سوريا كوسيط بين حزب الله وايران.. وكانت سوريا ومصر تقدران موقف كل منهما من إيران دون أن ينعكس ذلك علي علاقات الدولتين. كما كان الدور السوري في لبنان واضح المعالم أمام الولاياتالمتحدة وفرنسا, وكان هناك شبه اتفاق علي أهمية هذا الدور في الحفاظ علي أمن لبنان ومنع تفجر الحرب الأهلية مرة أخري.. وظل هذا الموقف علي حاله حتي انسحبت إسرائيل بقرار أحادي من الجنوب اللبناني عام2000 وفقا للقرار425 الصادر في19 مارس1978, وتضحية إسرائيل بعميلها أنطوان لحد, للبدء في تنفذ مخطط لم يتنبه إليه المخطط السوري جيدا.. وهو أن الانسحاب الإسرائيلي كان خطوة للضغط علي سوريا للانسحاب من لبنان, والذي تأيد بالقرار1559 الصادر في2004, وياليت سوريا قد وعت المخطط الإسرائيلي الأمريكي, ولم تتمسك بالتجديد للرئيس إميل لحود, ووافقت علي تشكيل لجنة مشتركة لعمل ترتيبات الانسحاب من لبنان وفرضت شروطها وهي في موقف قوة!! وقناعتي الشخصية أن تغيير وضع سوريا الإقليمي, وتوجهها نحو تغيير نمط علاقاتها مع إيران, ودعم توسع دور حزب الله الإقليمي ليغطي مناطق لم يكن يفكر في مد نفوذه اليها مثل فلسطين. هو من تداعيات موضوع اغتيال رفيق الحريري والهجمة الأمريكية الفرنسية التي طوقت سوريا بمجموعة من الاجراءات الدولية بدءا بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وانسحاب القوات السورية من لبنان, والغزو الإسرائيلي للبنان في يوليو2006, والقرار1701, والفراغ الرئاسي في لبنان الذي حل باتفاق الدوحة, ثم الفشل في التشكيل الوزاري اللبناني للاختلاف حول دور المقاومة اللبنانية المقصود بها حزب الله تحديدا ثم دعم حزب الله لحماس في فلسطين, وبدء منظومة تفكيك الداخل الفلسطيني بين فتح وحماس, ثم محاولة إقحام حزب الله في قضية إغتيال الشيخ رفيق الحريري, وزاد من حدة الموقف بالنسبة لمصر فرض إسرائيل الحصار المالي والاقتصادي والطاقة والغذاء علي حماس, وتفجر الموقف في غزة وانعكاسه بوضوح علي الأمن القومي المصري, ليصبح الدور السوري في دعم حزب الله ومساعدة إيران في التغلغل الإقليمي العربي خاصة في غزة من المنظور المصري خطا أحمر لا تقبل به مصر شكلا وموضوعا. والسؤال هو: هل أخطأت مصر عندما طالبت بحقها في حماية أمنها الوطني, واعترضت علي الدور الإيراني الإقليمي, الذي امتد ليهدد الأمن القومي المصري؟. وهل من حق سوريا دعم دورها الإقليمي, بغية تقوية موقفها السياسي للتفاوض من موقف قوة لاسترداد اراضيها المحتلة, عبر بوابة إيران, خاصة بعد ان بدت بوادر تغيير في منظومة الوضع الجيواستراتيجي الشرق أوسطي بدخول تركيا وإيران في المنظومة وتضاؤل الدور العربي الإقليمي؟ سؤالان يعتبران في علم السياسة والاستراتيجية مفتاحين للنظر في كيفية احتواء الاختلاف في وجهات نظر الدول, حتي لا تصبح خلافات عميقة الأثر في علاقات الدولتين.. وهو ما نحتاج إليه في هذه المرحلة للحفاظ علي متانة العلاقات السورية المصرية, والابتعاد عن التصريحات الرسمية التي تحول الاختلاف في وجهات النظر الي خلاف, فليس من المقبول أن تتحول زيارة سمير جعجع لمصر ولقاء الرئيس حسني مبارك له إلي مسوغ لاتهام مصر بالخروج عن الخط العربي, لأن سوريا تصنف جعجع بأنه رأس المعارضة اللبنانية ضدها, أكثر من هذا فإنني أختلف مع المنطق السياسي الذي يقوم علي أن سوريا لا تحتاج لمصر أو العكس, فالسياسة عنصر متغير وما لا تدركه اليوم تطلبه غدا, وعلاقة مصر وسوريا أكبر من التنظير, خاصة في ظل ما يتوقع من تغير المنظومة الجيواستراتيجية الإقليمية. وقناعتي أن تهدئة الأمور في المرحلة الحالية أمر وجوبي لتلافي تدهور غير مطلوب في علاقات دولتين لكل منهما محدداتهما الاستراتيجية والإقليمية المهمة.