السامر القطرى !

هذه قضية «منصوبة» منذ أكثر من عقد ونصف العقد، وليست طارئة منذ مائة يوم، حيث مرت مئوية مقاطعة قطر من «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، فى أول إشارة علنية من المنطقة للوقوف متحدة ضد عناصر الاضطراب والتشقق، كما سماها، بحق، سياسى ومفكر لبناني.
هذه القضية كانت تسير بسرعة نحو تفكك وانهيار دول المنطقة، ونحجت نجاحا كبيرا فى قلب العراق والشام، وذهبت إلى المغرب العربي، وظواهرها قاتلة فى ليبيا، وماثلة فى تونس، وكانت قريبة جدا من النصر فى مصر، لولا لطف الله وتقديره لمعاناه شعب صابر ذى ميراث قديم، ويقترب تعداده من ال 100 مليون نسمة، وبنمو سكانى لا يتحمله إلا الجبابرة وأصحاب الحضارات القديمة!
إن أزمة قطر، وفتنة المال الخليجى قصة كبيرة ومثيرة، ويجب أن تكتب وتدرّس للأجيال الحاضرة والمقبلة، وتبدأ بسؤال: كيف يمكن للمال والثراء المفاجئ، وغياب تعليم وثقافة وطموح لا يتناسب مع الإمكانات بلا رؤية، أن يوظَّف لتخريب المنطقة والعالم؟!
فقد نجح أصحاب العقول المخزية، والتنظيمات الإرهابية، والشيطانية المتلبسة بالأزياء الدينية، أو الطوائف المختلفة، الذين انتعشوا فى منطقتنا بعد الثورة الدينية الشيعية المتطرفة فى إيران!! أقول نجحوا فى تجنيد أهم شخصيتين فى الحكم القطرى الجديد بعد عام1995، وسقوط الشيخ خليفة، بتصعيد نجله حمد أميرا، ومعه حمد الآخر وزيرا للخارجية، ثم رئيسا للوزراء، فى تنظيم جديد هو «تنظيم الحمدين».
ليصبح هذا التنظيم ذراعا قوية لجماعة الإخوان المسلمين، وتنظيماتها المتعددة، عربيا وعالميا، وتم سحب «الحمدين» دون أن يدرسا أو يتدبرا عواقب ما يفعلان من تخريب، ليس فى قطر وحدها، بل فى الخليج الغنى بالموارد البترولية، والأموال الطائلة، حتى يمتد النشاط التخريبى والإرهابى إلى قلب المنطقة العربية، عندما أوعزوا برفع صور «الحمدين» فى قضية التحكيم الدولى حول جزيرة «حوار»، للانتقام من البحرين بإسقاطها وتوظيفها كقاعدة للحكم الشيعى لمصلحة إيران، ثم ضرب وتهديد السعودية!
كما تم توظيف قطر لتجنيد الجماعات الإخوانية لكى تضرب استقرار الإمارات، وتقوض اقتصادها المتقدم والمزدهر، بإشعال نيران الفتنة الدينية «سواء السنية السنية، أو السنية الشيعية»، وهو لهيب جد خطير ومخيف، ولا يعرف من يشعله إلى أى مدى يمتد، وكيف يتوقف، وما مداه!!
وسط هذا المناخ من التوظيف، وجدت منظمات دولية، وجماعات من المغامرين والنصابين الدوليين، وهى جماعات كانت قد أنشأتها أمريكا، إبان الحرب الباردة لضرب الاتحاد السوفيتى السابق وأوروبا الشرقية، أقول وجدت ضالتها فى قطر، لتوظيف مالها الوفير فى منطقة الشرق الأوسط عقب انتهاء دورها بإسقاط الاتحاد وأوروبا الشرقية، لتصبح فى خدمة مشروع جماعة الإخوان المسلمين الديني، لضرب المنطقة بالكامل.
ومن أهم هذه المنظمات المنظمة المعروفة باسم «هيومن رايتس ووتش» التى أصدرت منشورا دعائيا إخوانيا سياسيا ضد مصر ونظام الحكم فيها، تحت شعارات حقوق الإنسان، لتعمل على إشغال وإرباك مصر، وتخيف العالم من الحكم المصرى الشريف الذى أنقذ البلاد، وامتد نشاطه لإنقاذ المنطقة من التخريب والإرهاب والفوضى التى أشعلتها التنظيمات الدينية، خاصة الإخوانية، عقب سقوط نظامهم الإرهابى فى عام 2013، وانكشاف دورهم التخريبى فى مصر والمنطقة العربية.
شدنى إلى حد كبير مختلف الردود التى تناولت التقرير المشبوه، والمنظمة الأمريكية الممولة قطريا، وغير المعترف بها قانونيا فى أمريكا! رغم أن أجهزتها الأمنية جعلتها منظمة استشارية للأمم المتحدة، فقد جاءت كل الردود كاشفة لعوار التقرير، ولكنها لم تكشف غياب المصداقية عن المنظمة وتقاريرها الممولة بشكل خبيث، لإشاعة الفوضى من جديد فى المنطقة العربية، بذريعة حقوق الإنسان.
نعود إلى قطر وأميرها تميم، والسامر المفتوح فى قلب الأمة العربية، وقد أصبح الطريق أمامه واضحا، ونتساءل: هل يكمل مسيرة «الحمدين» أم يكشف التنظيم، ويعفو عن والده، ويمنعه من ممارسه السياسة؟وهذا عقاب كاف لأمير أخطأ الطريق، وارتكب الجرائم!
وهل يقدم حمد الآخر إلى المحاكمة أم يسير فى المسار الذى خططته إيران، وشاركتها فيه تركيا «أردوغان»، والمنظمات الغربية؟
تلك المنظمات التى وجدت فى تنظيم «الحمدين» ضالتها فى التمويل، وارتكاب الجرائم، أو فى جماعات القاعدة وطالبان والإخوان الذين وجدوا فى أموال قطر غنيمة مستحقة، أو حصانا يقودهم إلى الحكم والتحكم؟
بالتأكيد اتضحت الصورة الآن أمام «تميم» أمير قطر، ولديه فرصة ذهبية، رآها فى البروفة التى حدثت داخل أروقة الجامعة العربية، عندما حاول وزيره ممارسة البلطجة السياسية فى خطاب علني، فوجد من مصر ومجموعة الدول الخليجية، تصميما وردا علنيا على كيفية التعامل مع الإرهاب والجماعات الإرهابية فى المستقبل، وفى مقدمتها صاحبة فلسفة التطرف، وتزاوج الدين بالسياسة بالإرهاب.
أقول توجد فرصة، على أن تستكمل الإدارة القطرية الراهنة، فك ارتباطها بجماعات الإرهاب والتطرف، وتفهم أن الأمور السياسية تطورت بالفعل، بوقف جزئى للتمويلات فى سوريا واليمن ومصر وليبيا، كما جاء فى الرد الحرفى والمتميز للوزير الإماراتي، أنور قرقاش، وعلى قطر أن تستغل السياسة المهنية العالية للدول العربية التى أعلنت المقاطعة فقط، وصبرت طويلا على التجاوزات والتطاول القطري.
وسوف يسمع الأمير القطرى فى جولته الأوروبية أن دولته أصبحت لا تستطيع الهروب من الالتزامات التى وضعتها الدول الأربع، خاصة بعد صدور المرجع الأوروبى عن الرعاية القطرية للإرهاب، ويعد التوثيق الأوربى الأول الذى جاء بعد التوثيق العربى لجرائم النظام القطري، وتضمن وثائق فاضحة عن دعم قطر للتنظيمات الإرهابية فى سوريا واليمن ومحاولاتها التخريبية بقلب نظام الحكم فى البحرين.
وكشفت الوثائق، والمتخصصون ، بعد إعلان مقاطعة الدول الأربع أن قطر تفعل ذلك بشكل صلب ومكشوف ( هكذا قال مسئول أمريكى كبير ) حتى إنها مولت القاعدة ومجرمى 11 سبتمبر 2001 فى أمريكا بشكل علنى وفج، ولم تكتف بالتمويل، بل قدمت الدعم التكنولوجى والمعلوماتى لنشر فكر الإرهابيين بين الشباب.
والآن حانت الفرصة أمام الأمير القطرى ليواجه أخطاء إدارته للأزمة بدلا من الأكاذيب، واستخدام بيوت خبرة تستنزف طاقة بلاده، وعليه أن يقف ويواجه نفسه بالتصحيح، وبأقصر الطرق، والاعتراف بالجرائم، وتعويض المتضررين.
وأعتقد أن الدول العربية الأربع والدول الأوروبية، وحتى أمريكا، سوف تساعده على فك الارتباط بينه وبين المتطرفين والإرهابيين، وهذه الدول لا تحتاج إلا إلى صدق النيات، والتخلص من بقايا تنظيم «الحمدين» إلى غير رجعة، قبل أن يسلم مصيره ومصير بلاده إلى المجهول، ومتاهات السقوط
لمزيد من مقالات أسامه سرايا;