وفاة شقيق الرئيس السابق عدلي منصور بعد صراع مع المرض    انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالوادي الجديد    القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوي بعنوان «النساء يستطعن التغيير»    محافظ المنيا: توريد 408 آلاف طن من القمح منذ بدء موسم 2025    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    ترامب يحث «الشيوخ الأمريكي» إرسال قانون الموازنة إلى مكتبه في أقرب وقت    ماذا تمتلك إسرائيل في ترسانتها لاستهداف منشآت إيران النووية؟ وهل يكفي؟    الكرملين: "لا نعلم ما قاله ترامب للأوروبيين عقب محادثاته مع بوتين"    الزمالك يكشف تطورات شكوى ميشالاك إلى فيفا.. ومصير 3 ملفات أخرى    نقص الميداليات يفسد لحظة تاريخية لتوتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    بعد خسارة الدوري الأوروبي| 14 لاعبا مهددون بالرحيل عن مانشستر يونايتد    "بينهم أجنبي".. يلا كورة يكشف 4 خيارات يدرسها الأهلي لدعم الدفاع قبل المونديال    مباشر كرة يد - الأهلي (19)- (10) المنتدى المغربي.. الشوط الثاني    محافظ المنيا: تحرير 150 محضرًا تموينيًا خلال حملات رقابية على الأسواق والمخابز    الداخلية تحبط ترويج صفقة مخدرات ب 27 مليون جنيه    انطلاق أعمال تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية الأزهرية بكفر الشيخ    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    عرض "مملكة الحرير" قريبًا    برنامج «فضفضت أوى» يتصدر الأكثر مشاهدة على «Watch it» بعد عرض حلقة كريم محمود عبدالعزيز    أسماء جلال تحتفل بعيد ميلادها ال 30    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    موعد ومكان تشييع جنازة شقيق الرئيس السابق عدلي منصور    التنسيق الحضاري: تدشين تطبيق "ذاكرة المدينة" الأحد المقبل بدار الأوبرا    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    مكافحة بعوضة ال«جامبيا» على رأس مباحثات وزير الصحة مع نظيره السوداني    مجلس وزراء الصحة العرب يؤكد دعمه للقطاع الصحي الفلسطيني    أخطرها التسمم والهلوسة والإدمان، أضرار الإفراط في استخدام جوزة الطيب    اهتمام متزايد من الأجانب بالاستثمار في الصين    نقل النواب تناقش موازنة هيئة ميناء دمياط عن العام المالي 2026/2025    بحوث "مباشر" تحدد القيمة العادلة لسهم "بنيان" عند 7.94 جنيه    زلزال يضرب بني سويف دون خسائر أو إصابات    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    بعد قرار الرمادي.. الزمالك يبدأ الاستعداد لمواجهة بتروجيت في الدوري    أوروجواي تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد الهجوم على دبلوماسيين في جنين    اليوم العالمي للتنوع البيولوجي.. "البيئة" تكشف سبيل إنقاذ الأرض    خبير تربوي: تعديلات قانون التعليم مهمة وتحتاج مزيدًا من المرونة والوضوح    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    خالد الجندي: يوضح حكم الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة؟    الجوازات السعودية تكشف حقيقة إعفاء مواليد المملكة من رسوم المرافقين لعام 2025    3 مصابين في حريق منزل بالشرقية    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    الدكتور محمد خليل رئيسًا لفرع التأمين الصحي في كفر الشيخ    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    الجامعة البريطانية تحتفل بتخرج الدفعة الثانية من برنامج زمالة زراعة الأسنان    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    إعلام عبري: إسرائيل تستعد للسيطرة على 75% من أراضي غزة    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    «سيدات يد الأهلي» يواجهن الجمعية الرياضية التونسي بكأس الكؤوس الإفريقية لليد|    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    «فولكانو ديسكفري»: نشاط زلزالي محتمل في الإسكندرية أو القرب منها    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوروبا والمعطف الأمريكى !
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 09 - 2017

فى حرب الخليج الثالثة قدّم رسام كاريكاتور بريطانى رئيس الوزراء تونى بلير بصورة لا تنال فقط من هيبته بل من هيبة الامبراطورية التى غابت عنها الشمس، وذلك لأن لندن اصبحت ضاحية سياسية لواشنطن، وحمل رئيس وزرائها لقب التابع، بحيث عبر عن ذلك كاتب ساخر حين قال إذا كان جورج بوش الابن هو دونكيشوت فإن بلير هو تابعه سانشوا الذى يبث أنباء انتصاراته الوهمية .
لكن حكاية أوروبا أو القارة العجوز كما أطلق عليها رامسفيلد أن المعطف الأمريكى اقدم من ذلك بكثير، وبالرغم من وقوف أمريكيا الى جانب دول أوروبية ومنها فرنسا ضد الاحتلال النازى فى اربعينيات القرن الماضى، إلا أن ما كتبه فلاسفة ومثقفون من أبرزهم جان بول سارتر لم يكن رفع قبعة لأمريكا، ولم يكن ايضا عرفانا، ومما قاله سارتر ان الامريكيين حين جاءوا الى باريس لإنقاذها كانوا يتصورون الفرنسيين فى حالة مزرية، بأسمال بالية وحالة من الخنوع والاستنقاع ثم فوجئوا بأن الفرنسيين عكس ذلك، فبائع الكتب على ضفاف نهر السين يواصل مهنته متعمدا ذكر أهم أسماء المفكرين والفلاسفة فى تاريخ فرنسا، والمثقفون يرتدون ستراتهم الجلدية الانيقة ويدخنون فى المقاهى ذات المقاعد الجلدية الانيقة، وهكذا صدم الأمريكيون لأن الفرنسيين لم يظهروا فى صورة ضحايا فحرموا الحليف من الشفقة، وربما تحولت الشفقة الى حسد!
واذا كانت الولايات المتحدة هى روما الحديثة فإن أوروبا هى أثينا والفارق شاسع بين الحالتين، وإن كان هناك من الاوروبيين من يرى أن الولايات المتحدة أقرب الى اسبارطة بكل ما تعنيه من العسكرة، وقد يتصور البعض أن ردود المثقفين الأوروبيين والفرنسيين بشكل خاص على اطروحات العولمة ونهاية التاريخ جاءت فى نهايات القرن العشرين، والحقيقة أن جذور هذا السجال تعود الى عقود .
وللمثال فقط أذكر عبارة روزفلت الشهيرة وهى أن قدر أمريكا هو أمركة العالم، وبالتالى تحويلها الى شرطى الكوكب والتى أثارت حساسية مفرطة لدى الفرنسيين والألمان، لهذا لم أفاجأ بما سمعته من مفكرين المان فى ندوة حملت عنوان من سرق هيجل حين قالوا أو فوكوياما وما بشر به عن نهاية التاريخ هو قراءة متعسفة لهيجل واعادة انتاج له، ربما لاعتقاد الألمان ان هوية الفلسفة المانية ان كان لها هوية !
وإذا كانت السياسة بكل ما يحكمها من براجماتية تخفى صراعات أو تؤجلها فإن الثقافة ليست كذلك لهذا فإن ما كتبه أدباء ونقاد أوروبيون عن كون الولايات المتحدة ذات جذور أوروبية كان بمنزلة تذكير الولايات المتحدة بأنها الأمة الوحيدة فى التاريخ التى انتحلت لغة مستعمريها الإنجليز، وأن القرون الاربعة التى تفصل أمريكا اليوم عن عام 1620 وشركة الهند الشرقية ليست تراثا كافيا لترسيخ هوية، ومن النقاد الأوروبيين من قال إن معظم مفكرى وكتاب أمريكا ذوو منابع أوروبية، واستقصى أطروحته من خلال أعمالهم وسيرهم الذاتية أيضا .
أخفت القشرة السياسية الهشة الصراع المزمن بين أوروبا وأمريكا والرغبة العميقة فى الخروج من المعطف الأمريكى، فمشروع مارشال مثلا كان من هذا الطراز، ودور الولايات المتحدة فى التحالف مع أوروبا ضد التمدد النازى كان له ثمن سياسى واخلاقي، لكن اكثر من نصف قرن مرّ على الحرب العالمية الثانية اوشك ان يفقد هذا الفضل صلاحيته، خصوصا بعد ان تحولت الولايات المتحدة الى حليف مطلق وبلا حدود أو شروط لاسرائيل، ورغم انها لا تعانى ما تعانيه اوروبا مما يسمى الذاكرة الآثمة إزاء اليهود أو فوبيا الهولوكوست.
إن العلاقة الاشكالية بين أوروبا العجوز كما سماها رامسفيلد وبين امريكا الفتية كما يعتقد الواسب واليمين المتطرف لها قراءتان، احداهما سياسية افقية ترتهن للمصالح والتحالفات، وابرز نموذج لها هو حلف الناتو، والقراءة الثانية فكرية وعمودية تتلخص فى احساس المثقف الاوروبى بأن الولايات المتحدة اقرب الى المدنية من الحضارة، حسب التصنيف الشهير للفيلسوف الالمانى ازوالد شبنجلر فى كتابه تدهور الغرب، ولأن امريكا كما يعترف مستشار امنها الاسبق برجنسكى لم تزاوج بين فائض القوة والعدالة اضاعت فرصا ذهبية لقيادة هذا الكوكب طواعية وليس رغما عنه، لكن ما اسميه الثقافى العمودى يخترق القشرة السياسية الافقية احيانا وتحاول دول أوروبية كفرنسا والمانيا التمرد على المركزية الامريكية لكن هذا التمرد يبقى فى منسوبه النهائى رهنا بالقوة بكل ابعادها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وعلى سبيل المثال كان اهم ما وعدت به مرشحة اليمين فى فرنسا مارين لوبان هو الخروج من معطف حلف الناتو، ورغم أن منافسها الشاب ماكرون الذى وصل الى الإليزيه لم يقل ذلك الا انه بدأ يتململ ويشعر بالضيق من المعطف الثقيل، وآخر المحاولات هى موقف فرنسا من الWأزمة السورية، حيث اعلن الرئيس ماكرون ان تنحية الرئيس السورى شأن سورى محلى ولم يعد يشترط خروجه من المعادلة كى تنفرج ازمة دمشق بعد انفجارات دامت اكثر من ستة اعوام، وبالرغم من تبعية لندن لواشنطن التى دفعت رساما كاريكاتوريا بريطانيا الى السخرية من رئيس الوزراء بلير، إلا أن بريطانيا تدخر فى ذاكرتها السياسية زمنا امبراطوريا، وهناك من علق ذات يوم ان وليم شكسبير ليس امريكيا على الاطلاق وكذلك اللغة التى كتبت بها أعماله الخالدة، وما تتعرض له الولايات المتحدة من نقد يتجاوز كل الحدود كالذى يمارسه نعوم تشومسكى وآخرون يجزم بأن الدولار قد يكون كل شيء لكنه لن يكون هوية، وهذا يفسر الى حدّ ما الصراعات المزمنة بين البيض والسود والتمحور حول اللوبيات الضاغطة ذات الاحلام غير المتجانسة .
أخيرا هل المعطف الذى تحاول أوروبا الخلاص منه معطف قديس أم مصلح أم جنرال ؟؟؟؟
لمزيد من مقالات خيرى منصور;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.