سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فى الذكرى الثلاثين لاغتياله.. الشرطة البريطانية تعيد فتح التحقيقات ناجى العلى يستجوب قاتليه..خيوط جديدة قد تكشف المتورطين فى اغتيال الفنان الفلسطينى عام 1987
فى إحدى قاعات «الكوفة جاليرى» وسط لندن، حيث يجتمع الكُتاب والصحفيون والمثقفون، وقف ناجى العلى راكناً جسده على أحد أعمدة القاعة. «كان فى هذه الليلة، صامتاً، انعزالياً، لا يريد الحديث». هكذا يصف الكاتب اللبنانى فى جريدة «الحياة» أحمد أصفهاني، آخر مرة رأى فيها أشهر رسامى الكاريكاتير العرب حياً. فبعد أيام من هذا اللقاء قتل ناجى العلى برصاصة واحدة فى العنق. الحديث عن ناجى العلى ما زال مبعث حزن وحسرة وحساسية للكثير من المثقفين والصحافيين العرب الذين عملوا معه أوعرفوه فى لندن أو الكويتأوبيروت،وهناك دائماً القصة ونقيضها، وانقسام واسع فى الآراء حول الجهة التى تقف وراء اغتياله. ............................................................. لكن مقابل هذا، ليس هناك انقسام حول الأسباب. فالأسباب معروفة وهى رسومات ناجى العلى الكاريكاتيرية اليومية فى الصفحة الأخيرة من جريدة «القبس» الكويتية، والرسوم التى كان يرسلها للنشر مجاناً فى الصحف الفلسطينية الصادرة فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة، وقبل ذلك رسوماته فى «السفير» اللبنانية و«الطليعة» و«السياسة» فى الكويت. فهذه الرسومات جعلته هدفاً لمن وقعوا تحت سهام نقده الصريح وريشته الفذة. منذ أغتيل ناجى العلى لم يختف من الذاكرة الفلسطينية والعربية بل العكس هو ما حدث، ترسخ فى الذاكرة الفلسطينية والعربية أكثر. وبات يٌستشهد به وبأعماله فى كل اللحظات الفلسطينية والعربية الفارقة. لكن ذاكرة ملابسات الاغتيال والتحقيقات تلاشت تدريجياً لعدم تحقيق أى اختراق على هذا الصعيد منذ مقتله، إلى أن أعلنت الشرطة البريطانية الأسبوع الماضى إعادة فتح التحقيقات فى القضية فى الذكرى الثلاثين للاغتيال. وفى إعادة فتح التحقيقات كان هناك ثلاث أمور لافتة. أولاً: أن شرطة سكوتلانديارد كانت حريصة على الترويج لإعادة فتح التحقيقات. وثانياً: أنها دعت من لديهم معلومات أو على دراية ببعض الملابسات إعطاء شهاداتهم للشرطة، لافتة إلى أن الكثير من الأمور تغيرت خلال الثلاثين عاماً الماضية وأن الضغوط التى قد تكون مُورست على البعض ربما انتهت وبات بإمكانهم الحديث بصراحة عن حقيقة ما يعرفوه. وثالثاً: أنها نشرت للمرة الأولى صورة مرسومة من أوصاف شهود العيان للمشتبه فى قتله ناجى العلى، الذى يفترض أنه فى الخمسينيات من عمره اليوم بملامح شرق أوسطية. وصورة للمسدس الذى استخدم فى الاغتيال والذى تم العثور عليه بعد عامين من الواقعة فى مساحة مفتوحة فى منطقة بادينغتون وسط لندن. إعادة فتح التحقيق آثار أمالاً. فمعرفة القاتل والجهة التى تقف وراء الاغتيال لن يُغلق الجرح، لكنه سيغُلق صفحة القضية ومن المفترض أن يكشف الحقيقة. فهل هناك جديد ملموس ربما يساعد على حل القضية وتحديد هوية الجهة، أو الجهات، التى تقف وراء الاغتيال؟. على الأرجح. فأى مستجدات تُعطى أملاً بإمكانية تحقيق اختراق فى التحقيقات. ويقول خالد ناجى العلي، الابن الأكبر لرسام الكاريكاتير الفلسطينى الكبير ل«الأهرام»: «قبل الاعلان رسمياً عن إعادة فتح التحقيق فى اغتيال الوالد، اتصلت بنا الشرطة البريطانية لإبلاغنا بالقرار ملف الجريمة لم يغلق منذ قتله. كانت هناك مراجعات للقضية خلال السنوات الماضية، لكن إعادة فتح التحقيق يتم لأول مرة. لم تخبرنا الشرطة سوى بإعادة فتح التحقيق بدون تفاصيل أو إبداء أسباب، ولابد أن تكون هناك معطيات جديدة أو خيوط قديمة دعتهم لفتح التحقيق مرة أخرى لأن الشرطة البريطانية لا تضيع وقتها وجهدها لو لم يكن هناك معطيات تبرر إعادة فتح الملف». المبدع الذى لا يطيق العوج هناك خائفون بالطبع من إعادة فتح التحقيق وهناك تسريبات أن الشرطة البريطانية ربما وصلت إلى خيط جديد ولديها معلومات حول أشخاص ربما يكونوآ جاهزين للحديث. وهذه فرضيات قابلة للتصديق. فريشة ناجى العلي، التى جعلته العدو رقم واحد لإسرائيل، أثارت أيضاً خوف وفزع قيادات عربية وفلسطينية، إلا أن مساحة الاحترام لموهبته ووطنيته كانت دوما أكبر من مساحة الضيق منه إلى أن اختل الميزان بشكل صارخ قبل الاغتيال. ولم يكن كاريكاتير رشيدة مهران، الذى ينتقد فيه صعودها السريع على الساحة الفلسطينية، «إلا القشة التى قصمت ظهر البعير». فالاغتيال لم يكن سببه كاريكارتير واحد، مهما كان حاداً ولاذعاً. الإغتيال كان سببه مجمل مشروع ناجى العلى. مشروع يلخصه العلى نفسه بتعبير بسيط وهو «لا أطيق العوج». ولأنه «لا يطيق العوج» واجه المتاعب والسجون منذ كان صبياً فى مخيم عين الحلوة، فى جنوبلبنان الذى نزح إليه مع أسرته بعد نكبة 1948. وتواصلت المتاعب منذ ذلك الحين وحتى النهاية. ففى مطلع السبعينيات، هدد عرفات أنه سيضع أصابع ناجى العلى فى مادة الأسيد بسبب رسومه. وعندما تزايدت المخاطر والتهديدات الشفوية، جمعه رئيس تحرير «السفير» آنذاك طلال سلمان مع ياسر عرفات فى بيروت. وكان مطلب ناجى العلى الوحيد هو «أتركوا لنا هامش». وأصبحت عبارة «اتركوا لنا هامش» هى إجابته على كل التهديدات اللاحقة. وكانت انتقادات ناجى العلى للحال الفلسطينى خصوصاً والعربى عموماً هى سبب الضيق منه. فهو كان يرى أن انتقال الفصائل الفلسطينية إلى لبنان يجعل القرار الفلسطينى عرضة للتقلبات والتأثيرات الخارجية، وكان يرى أن تعددية الفصائل تعكس تشرذماً. كما كان ينتقد غياب الديمقراطية داخل الحركة الوطنية الفلسطينية وهو ما أدى إلى اتخاذ قرارات منفردة، وتحالفات خاطئة رأى ناجى أن الشعب الفلسطينى هو من يدفع ثمنها. رفع الغطاء عن «الفلسطينى المقدس» ويقول هانى مظهر رسام الكاريكاتير العراقى، الذى عمل مع ناجى فى «القبس» قبل أن ينتقل ل«الحياة» اللبنانية إن ناجى العلى «رفع الغطاء عن الفلسطينى المقدس». وتابع موضحاً ل«الأهرام»: «تحدث ناجى عن أخطاء الفلسطينيين فى حق أنفسهم. وعن الطبقة البرجوازية الفلسطينية التى حققت الملايين. هذه الموضوعات كانت محرمات، كان الأمر يتطلب شجاعة استثنائية لطرحها». وعبر الكاريكاتير اللاذع كان ناجى العلى يصل يومياً للملايين من الفلسطينيين والعرب. كانت رسوماته أخطر من تأثير أشعار محمود درويش. لكن «الهامش» الذى طلبه العلى كان يضييق باستمرار. وفى النهاية توجه العلى إلى الكويت بعد مكوثه عاما فى لبنان اثر مغادرة المقاومة الفلسطينية سنة 1982، وتعقد الوضع الأمنى والسياسى والمعيشى للفلسطينين فى لبنان . لكن الكويت، حيث عمل ناجى فى صحيفة «القبس»، لم تكن بعيدة عن نفوذ منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية والأجهزة العربية والغربية. وهناك أيضا تعرض لتهديدات وتحذيرات من أعلى القيادات الفلسطينية، ووساطات تدخل فيها سياسيون ومثقفون وصحفيون من أجل تهدئة الأجواء. ويتذكر هانى مظهر أن رئيس تحرير «القبس» آنذاك محمد جاسم الصقر سعى لجمع ناجى العلى مع عرفات فى قصر الضيافة خلال إحدى زيارات أبو عمار للكويت فى منتصف الثمانينيات. رفض ناجى العلى فى البداية، ثم وافق على مضض. وعندما ذهب، أدخل حرس عرفات الصقر وتركوا ناجى فى الخارج بالانتظار، حتى تساءل الصقر عنه. ويتذكر هانى مظهر «أن اللقاء الذى كان يُفترض أن يزيل الاحتقان فجر الاحتقانات أكثر». ويقول خالد ناجى العلى: «لم يكن الأمر شخصيا بينه وبين عرفات. كان سياسياً». ويتابع:«أصلاً لم تكن هناك علاقة شخصية بينهما. الوالد كان رساما يعطى رأيه كل يوم عبر أعماله. والخلافات كانت سياسية. فالوالد كان له موقف سياسى من سياسات ياسر عرفات وغيره من القيادات الفلسطينية». البوصلة... فلسطين لكن لا الوعيد ولا الوعود أثروا على مواقف أو رسومات ناجى العلى: ويوضح خالد العلى «البوصلة لديه كانت فلسطين. وهذه كانت كل المشكلة. هو كان يستشرف ما سيحدث فى الساحة وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية. وازعجه كثيراً غياب البوصلة والتشتت والصراعات الداخلية بين الفصائل. كان واضحاً فى نقده. ولم يحاول أن يبرر الأخطاء». وأخيراً أبُعد ناجى عن الكويت مع الشاعر العراقى الكبير أحمد مطر تحت الضغوط. ويقول خالد العلى « إبعاده عن الكويت كان بمثابة عقاب وتلقين درس. رسالة مفادها: بإمكاننا تشريدك». كانت الجهة هذه المرة لندن. ولم يكن ناجى مرتاحاً. ويوضح هانى مظهر: «عندما أوصلته المطار، وكان معنا صديقنا عمر الجوهرى وهو محاسب فى القبس، قال ناجى: أعرف أنهم اخرجونى من الكويت لاغتيالى فى لندن». ويتابع هانى: «عندما اغتيل ناجى لم أفاجئ. هو كان يتوقع اغتياله»، ففى لندن لم يتغير شىء بالنسبة لناجى العلى. فرسوماته ظلت لاذعة، بل وأكثر حدة وصراحة تماشياً مع الوضع العربى والفلسطينى. وبعد نشر كاريكاتير رشيدة مهران، قامت الدنيا وبدأت اتصالات بين لندنوالكويتوتونس وفرنسا وسويسرا. وعلم محمد جاسم الصقر أن الكاريكاتير أثار غضب عرفات بشدة وأن هناك تهديدات لناجي. فاتصل الصقر بأبو أياد يسأله «شو القصة» على أمل تخفيف حدة التهديدات وتسوية الأزمة. فرد أبو أياد، كما يتذكر الصقر «ناجى خربها». ثم نصحه «خللى ناجى يختفي. العين عليه». فأوصل محمد جاسم الصقر الرسالة لناجى العلى «انتبه على حالك. اختفى». وهو ما لم يفعله ناجى العلى. ويقول الصقر: «لم نكن نعرف بالضرورة خطورة كاريكاتير رشيدة مهران. عندما أنظر للوراء أعتقد أن هذا الكاريكاتير ربما ما كان يجب أن ينشر». وبدأت أيام عصيبة من التهديدات والتحذيرات، تخللها اتصال هاتفى من محمود درويش لناجى العلى فى منزله فى لندن، حيث نقل درويش لناجى غضبه من كاريكاتير: «محمود خيبتنا الأخيرة» الذى انتقد فيه العلى الحوارات التى أجراها درويش مع اليسار الأسرائيلى. ويقول خالد ناجى العلى: «الوالد لم يستطع أن يفهم محمود درويش، رحمه الله. درويش كان مثقفا وشاعرا كبيرا جداً. لم يكن يحتاج التقرب إلى السلطة. كان الوالد يرى أن لدى درويش الامكانية و القدرة على أن يكون مستقلاً و أن يكون لديه المساهمة المستقلة فى الشان الفلسطيني. كما اختلف معه فى تقديراته السياسية. فعندما التقى محمود درويش بشخصيات من اليسار الإسرائيلي، كان رد الوالد: التقى بشعبك أولاً. ونشر كاريكاتيره الشهير: محمود خيبتنا الأخيرة». اغتيال وثلاث شخصيات ووسط هذه الأجواء المحمومة، أطلق النار على ناجى العلى فى 22 يوليو 1987 خلال توجهه إلى مكتبه فى «القبس»، وتوفى بالمستشفى فى 29 أغسطس. لم يدان أو يحاكم اى شخص بتهمة قتل العلي. لكن ظهرت ثلاثة أسماء ارتبطت بالتحقيقات وهى عبد الرحيم مصطفي، عضو «الفرقة 17» قوة النخبة فى حراسة عرفات. وإسماعيل حسن صوان، من مواليد القدس، فى العشرينيات من العمر، جنده الموساد وإرسله للندن للتجسس على الفلسطينيين. وقد حاول العمل فى مكتب منظمة التحرير فى لندن، لكنه أثار شكوك البعض، وإن ظلت علاقته قوية جداً مع عبد الرحيم مصطفى. وبشار سمارة، من مواليد الجولان المحتل وكان أيضاً فى العشرينيات من العمر. وبحسب الفيلم الوثائقى «مقتل رسام كاريكاتير» الذى عرض على التلفزيون البريطانى عن مقتل ناجى العلي، أبلغ وزير الداخلية الفرنسية آنذاك شارل باسكوا السلطات البريطانية أن عبد الرحيم مصطفى له علاقة بالاغتيال، مستنداً إلى معلومات حصلت عليها السلطات الفرنسية من مسئول كبير فى منظمة التحرير الفلسطينية كان ضد عملية اغتيال العلي. ويُعتقد أن هذا المسئول الكبير فى منظمة التحرير كان صلاح خلف (أبو أياد) الذى كانت له علاقات وثيقة مع الفرنسيين. والذى اغتيل لاحقاً فى تونس 1990. وبناء على هذه المعلومة، بدأت السلطات البريطانية تحقق فى كل ما له علاقة بعبد الرحيم مصطفي. وبتمحيص بطاقته الائتمانية، وجدت شرطة سكوتلانديارد أنه استخدم بطاقة الائتمان لدفع ثمن بنزين سيارة. وكانت بعض محطات البنزين آنذاك تأخذ رقم السيارة وتضعها على فاتورة الدفع. وبالتحقيق فى رقم السيارة، تبين أنها سيارة اسماعيل صوان الذى جاء بريطانيا قبل ذلك بسنوات للدراسة ومكث حيث عمل أكاديمياً ومسكنه كان فى مدينة «هال» البريطانية. بتفتشيها منزله عثرت الشرطة البريطانية على حقائب مليئة بالأسلحة، من ضمنها 30 كيلوجراماً من المواد المتفجرة، وصواعق، و7 قنابل، و300 طلقة، و4 رشاشات كلاشنكوف. وخلال التحقيقات معه نفى الصوان تورطه فى قتل ناجى العلي، وقال إن هذه الحقائب تعود إلى عبد الرحيم مصطفى وأنه شخصياً لم يعلم محتواها لأنه لم يفتحها. حكم على صوان بالسجن 11 عاماً بسبب حيازته للأسلحة، لكن لم توجه إليه أى تهم حول اغتيال ناجى العلى. ودافع عنه آنذاك محامى يهودى هو جوناثان جولدبرج وكلته السفارة الإسرائيلية فى لندن. وبعد إطلاق سراحه اختفى عن الأنظار. أما بشار سمارة فقد اعتقل فى سبتمبر 1987، أى بعد أسابيع من وفاة ناجى العلى. كان قادماً من مدينة كاليه الفرنسية واعتقل على الحدود مع بريطانيا وتم التحقيق معه، حيث اعترف أنه عميلً للموساد، وأنه كان يتجسس على عبد الرحيم مصطفى. وبعد التحقيق معه لأيام، أبعدته بريطانيا فوراً من أراضيها. أما عبد الرحيم مصطفى الذى وصل بريطانيا يوم 8 يوليو عبر مطار مانشستر، أى قبل اغتيال ناجى العلى بنحو أسبوعين، وغادر يوم 23 يوليو، أى بعد الاغتيال بيوم واحد، فمن غير المعروف ماذا فعل خلال هذين الاسبوعين. الشىء الوحيد المعروف أنه قضى يومين مع اسماعيل صوان، الذى كانت تربطه به علاقة قوية، فقد كان شاهدا على زواج صوان. لم تتمكن الشرطة البريطانية من استجواب عبد الرحيم مصطفى ولم يدخل بريطانيا من بعدها بحسب غالبية الترجيحات. لكن خلال اجتماعات «المجلس الوطنى الفلسطينى» فى الجزائر فى نوفمبر 1988 كان عبد الرحيم مصطفى يقف خلف عرفات. ويحكى صحفى عربى كبير فى لندن، لا يريد كشف هويته بسبب حساسية الموضوع ل«الأهرام» أن ضابطاً كبيراً فى سكوتلانديارد كشف له أنه عندما ذهب عرفات إلى سويسرا بعد اغتيال ناجى العلى، كانت شرطة سكوتلانديار فى سويسرا تنتظر قدوم عبد الرحيم مصطفى لاعتقاله والتحقيق معه، لكنه لم يأت مع عرفات. بعد الاغتيال، امتلأت الساحة الفلسطينية بالروايات حول الجهة المسئولة. ونشر حبيب كيروز، مشرف تحرير صحيفة «البناء» التابعة للحزب السورى القومى الاجتماعي، مقالاً فى سبتمبر (آيلول) 1987 بعنوان «هذا الكاريكارتير قتل ناجى العلى»، فى إشارة إلى كاريكاتير رشيدة مهران. بعد ذلك بأسابيع قتل كيروز بإطلاق النار عليه عندما كان يحلق شعره فى محل ببيروت. وأدى اغتيال كيروز إلى رواج نظرية أن حلقة قوية داخل المنظمة ربما تقف وراء اغتيال ناجي. وعزز هذا أنه منذ الأيام الأولى لمقتل ناجى العلي، ظهرت رغبة فى طى صفحة الاغتيال ونسيان ناجي، بل ومحو ذكراه. فخلافات نشبت بين مثقفين وكتاب فلسطينيين فى لندن حول صياغة بيان إدانة اغتياله. وتمثال نُحت تكريماً له ووضع على مدخل مخيم عين الحلوة، تم تدميره تماماً. وفيلم حوله حياته وإرثه الفنى والثقافى والسياسى فى مطلع التسعينيات تعرض لحملة تشهير شرسة قادها مسئولون نافذون فى المنظمة. ومع ذلك يعتقد كثيرون، بينهم كاتب عربى كبير فى لندن رأس تحرير إحدى أبرز المجلات البيروتية خلال تلك الفترة أن الموساد هو الجهة المسئولة عن الاغتيال. ويوضح ل«الأهرام»: «اعتقادى أن الإسرائيليين وراء اغتياله. واستغلوا الأزمة الكبيرة بينه وبين عرفات لقتله واتهام عرفات. الموساد قتله حتى يحدث شرخا بين المنظمة والفلسطينيين. وهذا ما حدث فعلاً. فقد أثر اغتيال ناجى على صورة المنظمة وعلاقتها بالشعب الفلسطينى منذ ذلك الحين». اليد التى ضغطت على الزناد وبرغم أن فتح سكوتلانديارد التحقيق مجدداً فى القضية فى محاولة لحل طلاسمها المعقدة، خطوة ضرورية من أجل التوصل لهوية من ضغط على زناد المسدس الذى أنهى حياة أكبر وأهم رسام كاريكاتير عربى، سيظل من ضغط على الزناد «أداة تنفيذ». فمسئولية قتل ناجى العلى تتقاسمها أطراف عديدة، فلسطينية وعربية وإسرائيلية، هيأوا المناخ لاغتياله. ويقول هانى مظهر ل«الأهرام»:»ربما إسرائيل هى المنفذ الفعلي. لكن معنوياً، النخبة الفلسطينية السياسية والثقافية آنذاك كانت مسؤولة أيضاً. فقد رفعوا الغطاء عنه وخلقوا الجو لقتله ببث الكراهية له والتهديد والوعيد. فاليد التى ضغطت على الزناد لا تتحمل المسئولية وحدها. المنظمة كانت متورطة فى قتله معنوياً». ناجى العلى كان استثنائياً فى موهبته وفنه ورؤيته الثاقبة للحاضر والمستقبل. لكنه كان استثنائياً فى شجاعته أيضاً. ورغم رحيله المبكر، ساهم ربما أكثر من أى مبدع فلسطينى آخر فى تشكيل الوعى السياسى الفلسطينى الذى قاد للانتفاضة التى اندلعت بعد اغتياله بقليل وكانت رسوماته هى أعلامها ورموزها. ويقول هانى مظهر «لا يمكننا الحديث عن هوية وطنية فلسطينية دون الحديث عن تأثير ناجى العلى. فرسوماته وحدت الشتات الفلسطينى على هوية واحدة. ومشروعه لم يكن سياسياً فقط، بل فنياً ابداعياً لا نظير له. وربما الجانب الفنى من لوحاته لم يتم التركيز عليه كما تم التركيز على الجانب السياسي. لكن لو تأملت أعماله كأعمال فنية ستكتشف قدراته الفذة كفنان تشكيلى أيضاً. كان ناجى العلى مهما جداً فى زمنه. وهو مهم جداً الآن. وسيظل مهماَ جداً بعد مائة عام».