لم تقف حالة الجدل والبلبلة عند المطالبة بمساواة المرأة بالرجل فى الميراث بل تجلت الأزمة فى المطالبة بتفعيل المساواة بين الرجل والمرأة فى المجالات كافة، ومن ضمنها زواج المسلمة من غير المسلم. وانبرى المؤيدون لهذا الطرح يتساءلون: إذا كان الشرع أباح زواج المسلم من غير المسلمة، فلماذا لم يتح للمرأة المسلمة الزواج بغير المسلم؟! وأكد علماء الدين أن تحريم زواج المسلمة بالكتابى لا علاقة له بالإخلال بالمساواة أو التحيز، وأن الزواج فى الإسلام قائم على مبدأ المودة والرحمة، وان هذا المبدأ يقتضى من المرأة طاعة زوجها، فإذا ما تعارضت طاعتها لزوجها مع طاعتها لربها - وهى لا بد حاصلة فى زواج المسلمة بغير المسلم - لم تتحقق المودة والرحمة فى الزواج، وعلى عكس ذلك زواج المسلم من الكتابيات، لأنه يؤمن بكتابها ورسولها، ويؤمن بأنه «لا إكراه فى الدين» وهنا تتحقق المودة والرحمة. أكدت دار الإفتاء أن تحريم زواج المسلمة من غير المسلم له حكمة وهى احترام حقوق المرأة العقدية والتعبدية واحترام حقوق الرجل غير المسلم الزوجية لأن المسلمة لها فرائض أوجبها الله عليها وفيها انتقاص من حقوق الزوج كالامتناع عن المعاشرة الجنسية وقت الصوم فلو كان الزوج غير مسلم فإنه لا يقبل بذلك وكان انتقاصا من حقوقه، وكذلك عدم مؤاكلته فى أثناء الصوم، وأيضا كيف يكون السفر للحج الفريضة دون إذنه، والتزام مواقيت الصلوات الخمس والعمرة وصوم النافلة وقيام الليل، كل هذه العبادات إن لم يكن الزوج مسلما فلن يتقبل أن تلتزم بها وسيكون ذلك انتقاصا من حقوق الزوج وهذا ما لا يقبله الدين. حكمة التشريع ووصف الدكتور سعيد عامر، أمين لجنة الفتوى والدعوة بالأزهر، مسألة البحث فى المساواة بين الرجل والمرأة والدعوة لتزويج المسلمة من غير مسلم، بأنها عبث ترفضه كل الأديان السماوية، وإهانة للمرأة المسلمة، فمن المتفق عليه أن الزواج يكون بين المسلم والمسلمة، كما يكون بين المسلم والكتابية (مسيحية أو يهودية)، ما لم يخش من هذا الزواج على دين الزوج والأولاد، ومن المتفق عليه كذلك، بطلان زواج المرأة المسلمة من غير المسلم ولو كان كتابيا. وأضاف: إن الحكمة من إباحة زواج المسلم بالكتابية أن المسلم يؤمن بجميع الرسل، قال تعالي: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ«(سورة البقرة 285)، والشريعة الإسلامية تعطى الحق للزوجة الكتابية لإقامة شعائر دينها، والذهاب إلى كنيستها أو معبدها، كما توجب على الزوج المسلم أن يحترم زوجته غير المسلمة، بالحسنى والمعروف، ولا يهينها ولا يتعرض لكتابها أو رسولها، وجعل المودة والسكينة مرجوة فى هذا الزواج، قال تعالي: »لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ« (الممتحنة: 8 ). منهج إلهي ويقول الدكتور أسامة فخرى الجندي، الباحث الإسلامى بالأزهر، إن زواج المسلم بالكتابية وراءه حكمة معينة ومصلحة حقيقية، فالأصل فى الزواج أنه يقوم على «المودة والرحمة»، قال تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة) والسكن هنا ليس السكن الجسدى فحسب، بل السكن النفسى والروحي، وكل سكن يحقق القيمة الجمالية للزواج بين الزوجين، ويبتعد به عن الأزمات والهزات العنيفة والعواصف التى تفسد العلاقة بين الزوجين، مما قد يترتب عليها تعكير صفو هذه العلاقة بالانفصال والطلاق والتجريح بين الزوجين ومن ثم بين الأسرة المكوّنة لهذا الزواج. والإسلام أحرص ما يكون على أن تبنى الأسر على أسس رصينة وقوية تؤسس للاستمرار وبناء أجيال يكونون سواعد حقيقية لبناء الأمة والوطن. والإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعًا جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية. قال تعالي: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فإذا تزوج مسلم من مسيحية أو يهودية فإن المسلم حسب التعليمات الإلهية مأمور وواجب عليه احترام عقيدتها، كما أنه لا يجوز له أن يمنعها أو يحجبها عن ممارسة شعائر دينها، بل من القيم هنا أن يعينها على ذلك حتى ولو أرادت أن تذهب من أجل ذلك إلى دور العبادة (الكنيسة أو المعبد). كما أنه لا يجوز أن يكرهها على دخول الإسلام لأن هناك نصوصا صريحة تؤكد على حرية الاعتقاد، قال تعالي: (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) وهكذا فإن الإسلام بكل تعاليمه يحرص على تأسيس المودة والرحمة والسكن بالمعنى العميق لكلمة سكن وتوفير الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها. وفى ذلك أصل أصيل وركن ركين لضمان وحماية الأسرة من الانهيار، وقد علمنا أساتذتنا أن الإسلام حرّم زواج المسلم من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية، وذلك لنفس السبب الذى من أجله حرّم زواج المسلمة بغير المسلم، لأنه لا يحقق (المودة والرحمة) المطلوبة فى العلاقة الزوجية. الزواج من عبد مؤمن من جانبها تقول الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن زواج المسلمة من غير المسلم مهما تكن ديانته من الفواحش العظيمة التى نهى الله عنها وهو باطل، بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب: فقال الله تعالي: «وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، قال الطبري:«إن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان، فلا تنكحوهنَّ أيها المؤمنون منهم، فإنّ ذلك حرام عليكم، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك، ولو شرُف نسبه وكرم أصله»، وأكدت أن النبى صلى الله عليه وسلم فرَّق بين جميع المسلمات وأزواجهن الذين لم يسلموا، ومنهم ابنته زينب زوج أبى العاص بن الربيع، فلما وقع فى الأسر يوم بدر أطلقه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أن يبعث ابنته إليه، فوفى له بذلك ثم أسلم بعدها فردَّها عليه.