سيظل سؤال «كيف تحولت فنزويلا من أغنى وأقوى اقتصاد فى أمريكا اللاتينية إلى نقطة اللاعودة والفشل والانهيار والفوضى؟» السؤال الأبرز لسنوات طويلة قادمة، فقد قضت سياسات الرئيس الفنزويلى السابق هوجو شافيز ومن بعده خلفه نيكولاس مادورو على الآمال فى دولة كانت الأعلى فى مستويات المعيشة. وعلى الرغم من أن التجربة التى تمر بها فنزويلا حاليا، مرت بها من قبل، فإن الوضع الآن مختلف، فاقتصاد فنزويلا يعتمد منذ زمن طويل على البترول، وهى سادس أكبر عضو فى منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، وبلغ الدخل من صادراته نحو 50% من الناتج المحلى الإجمالي، ومثل 95% من الصادرات، وذلك قبل ثلاث سنوات من صعود شافيز، وهو ما تسبب فى ارتفاع التضخم واختفاء السلع، إلا أنها تعافت مجددا. ومنذ الخمسينيات حتى بداية الثمانينيات، شهدت فنزويلا نموا جذب المئات من المهاجرين حيث كان تعتبر أفضل مستوى معيشة فى أمريكا اللاتينية، إلا أنه مع انخفاض أسعار البترول فى نهاية الثمانينيات، انقلب الوضع حيث ارتفعت نسبة التضخم إلى 84% عام 1989 و99% عام 1996. ومع بداية رئاسة شافيز فى 2 فبراير 1999، أطلق السياسات الاشتراكية، التى تمثلت فى تأميم القطاع العام والأراضى الزراعية، وأنفق الملايين على برامج الرفاه، إلا أنه ارتكب أخطاء فادحة تمثلت فى استمرار اعتماد الاقتصاد بشكل أساسى على البترول، حيث أمم شركة البترول العملاقة «بدفسا» فى 2002 وطرد 20 ألفا من العاملين فيها، وفرض سياسة التحكم فى العملة عام 2003 لمنع هروب رؤوس الأموال، فى الوقت الذى انخفض فيه انتاج وصادرات البترول بشكل تدريجي، هذا بالإضافة إلى محاولات ضبط الأسعار، وتجميد دخول أى عملة أجنبية بأسعار صرف رسمية معقولة، وهو ما نتج عنه نقص حاد فى السلع الغذائية وارتفاع الأسعار، وأجبر الكثير من المصانع إما على تخفيض الإنتاج أو الإغلاق. وفى 2004 دخلت الدولة مرحلة الكساد الاقتصادي، حيث انخفض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة -0,3%، ومع صعود مادورو، بعد وفاة شافيز، سارع إلى طبع وتعويم العملة «البوليفار»، مما تسبب فى زيادة البطالة وتراجع الدخول. وبسبب سياساته والفساد، أصبحت فنزويلا الأسوأ فى إدارة اقتصادها، وتصدرت مؤشر أخطر الأسواق الناشئة، حسب تقييم مجموعة زيورخ المالية، كما اضطرت كبريات الشركات العالمية إلى وقف عملياتها نتيجة نقص العملة الصعبة، وبلغة الأرقام، فإن 93% من الفنزويليين لا يملكون الدخل الكافى لشراء الطعام، الذى ترتفع أسعاره بنحو 15 مرة عن الحد الأدنى للأجور، وذكر صندوق النقد الدولى أن نسبة التضخم بلغت 720% خلال 2017، وتوقع أن يصل إلى 4500% فى 2021. وطلب أكثرمن 50 ألف فنزويلى اللجوء خلال العام الحالى وحده، كما ذكرت منظمة الشفافية الدولية أن الحكومة الفنزويلية الأكثر فسادا فى العالم، بعد أن سرق المسئولون أو أساءوا استغلال نحو ثلث تريليون دولار من دخل الدولة. وتراجعت الاحتياطات النقدية من 43 مليار دولار فى 2009 إلى أقل من 10 مليارات منتصف يوليو الماضي، وارتفعت الديون إلى مائة مليار دولار، وأصبحت فنزويلا غير قادرة على سدادها، وهى مهددة بالحجز على شركات بترولها إذا لم تسدد قسطا من هذه الديون فى سبتمبر المقبل. وإزاء هذا الوضع، أصبحت فنزويلا الأعلى فى معدلات الانتحار والعنف وتدنى مستوى المعيشة، وفى 2013 تصدرت فنزويلا مؤشر البؤس العالمى بسبب ارتفاع نسبة البطالة ومعدلات التضخم، كما صنفتها مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى كواحدة من أقل الدول التى تشهد مشروعات تجارية والأسوأ فى حماية الاستثمارات وفى السياسات الضريبية. وشهدت فنزويلا نقصا حادا فى الأغذية والمستلزمات الطبية، لدرجة أن المستشفى الرئيسى فى كاراكاس توقف عن إجراء العمليات الجراحية، وارتفعت عدد الوفيات بنسبة 76%، وتوفى أكثر من 11 ألف طفل العام الماضى فقط ومئات النساء بعد الولادة مباشرة، ولجأت الفنزويليات إلى بيع شعورهن فى الأراضى الكولومبية المجاورة لتوفير الطعام.