مكتب دائري يحمل بعضا من الملفات العديدة وخلفه يجلس علي الكرسي الدوار شخص ممتلئ الحجم يتصفح تليفونه ويطلق ضحكات عالية متقطعة. خارج المكتب يقف أمام لوحة تعريف الإدارة شاب من الصم يحاول قراءتها لعله يكون المكتب الصحيح بعد جولة متعبة وشاقة بالمبني الكبير دون أن يرشده أحد لأنه أصم ولا يتكلم. يحاول الشاب جاهدا القراءة فلا يستطيع ، تتساقط من جبهته أمطار من العرق الغزير فيمسحها بمنديله الورقي ثم يحاول القراءة ثانية، كل هذا والجالس بالمكتب في حالة لا مبالاة شديدة متوحدا مع تصفح «الهاتف». الشاب الأصم ينهكه كل هذا المجهود، فيستسلم ويخرج من مظروف ورقي كبير - يحمل بداخله شهاداته - ورقة صغيرة مكتوبا بها مكتب الموارد البشرية. وعندما يري التشابه بين جملة مكتب الموارد البشرية بالورقة وجملة الموارد «البشريه» دون الهاء مربوطة بلوحة التعريف، يقرع الباب سريعا وهو يبتسم، ويدخل .. ينتفض الرجل الجالس بالمكتب ويسأله بلهجة شديدة الغضب. فيه إيه، عاوز إيه ؟! لا يفهمه صديقنا، ولكنه سرعان ما يعطيه الورقة ليقرأ ما بها من توصية، ويقول له «معندناش توظيف الشهر ده». ولأن صديقنا يتحدث بلغة الإشارة، فهو يتمتم له بعدة إشارات مستفسرا عما يقول لأنه مازال لم يعرف، ويحتار مدير الموارد كما تقول اللوحة التعريفية التي وضعها فوق المكتب حاملة اسمه بشكل بارز تحتها. ثم يقرر أن يكسب فيه ثوابا، كعادة الشعب العظيم، وتطييبا لخاطر «الواسطة» التى أتى من طرفها، تم توظيفه عاملا لنظافة الدور الذي يحتل مكتب المدير فيه مساحة معقولة تساوي نفوذه عند مدير عام المصلحة، يتحسر «الأصم» لوضعه بتلك الوظيفة، ولكنه يستسلم للأمر الواقع. هذا الواقع هو الذي شاهدته بنفسي منذ ثلاثة أعوام عند زيارتي لجريدة خاصة، عندما علمت أنها وظفت اثنين من الصم، وبسؤالي عن موقعهما داخل المؤسسة وجدتهما واحدا للنظافة وآخر للبوفيه. ما يحدث مع فئة الصم يعتبر توجها سلبيا للنيل من قدراتهم من خلال إسناد أعمال غير مناسبة لهم. والسؤال هنا: هل نحن «كصم مبدعين» سوف يرد اعتبارنا فى عام ذوى الإعاقة 2018؟ لنترك للأيام تلك الإجابة.