عدت قبل أيام من المغرب بعد أن شاركت في موسم أصيلة الثقافي الدولي 43 بدعوة كريمة من وزير الخارجية والتعاون المغربي السابق وأمين عام منتدي أصيلة الوزير محمد بن عيسي. وفاجأني اهتمام الشارع المغربي والعربي ومتابعته الجيدة لما يجري علي الساحة السياسية المصرية, قالت لي توبة وهي شابة مغربية تدير مقهي للإنترنت يحمل اسم الأهرام وتتزين حوائطه ببرديات مصرية صنعت في مراكش: أحب مصر كثيرا وأتمني زيارتها, وأعجبني خطاب الرئيس المصري في حفل أداء اليمين إذ جاء معبرا عن تقديره لشعبه, وحدثني الزميل الصحفي العراقي المقيم في هولندا عبد الرحمن الماجدي أن المغتربين العرب كانوا يتابعون بإعجاب وفخر أحداث الثورة منذ انطلقت من ميدان التحرير, أما الصديق المفكر وعضو مجلس الشوري السعودي د.فهد العرابي الحارثي فابتدرني, بقوله: كبيرة يا مصر لقد أخذتنا إلي زمن غير زماننا إلي البعيد وغير المتوقع, وغيرت مفاهيم كثيرة منها مفهوم الثورة نفسها, وكفي أن انتخابات الرئاسة حسمت بنسبة 51% هل سبق أن قرأنا هذا الرقم في أي انتخابات عربية؟!.. مصر لا تزال تعلمنا, وكان آخر دروسها تسليم السلطة للمدنيين أو الرئيس الذي انتخبه المصريون, وقد تتبعت خطابات الرئيس مرسي الأربعة منذ ميدان التحرير ويساورني الإحساس بأن هذا الرجل سيكون علي مستوي الأهداف التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير. ومثلما اهتم الشارع العربي بأحداث مصر وثورتها, جاءت الندوة الافتتاحية لموسم أصيلة وعنوانها مياه المتوسط المتحركة: أزمة الشمال وحراك الجنوب, معبرة عن اهتمام أوروبي بثورات الربيع العربي ومنها بالطبع الثورة المصرية, إذ أن أوروبا المتوسطية التي تحيا بعض بلدانها أزمة اقتصادية طاحنة تدرك عن يقين تأثيرات هذه الثورات علي مصالحها وأوضاعها, بخاصة أن التغييرات التي حدثت في المنطقة العربية لم يحدثها سياسيون محترفون, وإنما شباب متحمس لن يقبل بالوقوف موقف المتفرج من قضايا وطنه, شباب مثقف يدرك أن بلاده دفعت ثمنا باهظا لمواقف أوروبا المؤيدة للطغاة الذين جري التخلص منهم, وينتظر في المقابل أن تصلح من أخطائها, وهو ما ألمح إليه بذكاء الوزير محمد بن عيسي حين دعا دول البحر المتوسط إلي عدم الانكفاء علي الذات وممارسة جهد متكامل في التفكير, والنظر إلي المشكلات المستعصية في شموليتها وانعكاسها علي الفضاء المتوسطي, مطالبا بإجراء مراجعة نقدية للسياسات والبرامج التي يرتكز التعاطي مع إشكاليات الديمقراطية والتنمية التي تواجه بلدان ضفتي المتوسط. وسرق رئيس الوزراء الاسباني السابق خوزيه لويس ثباتيرو الأضواء من الحضور بوجوده القوي وشخصيته الآسرة, بخاصة حين علق علي أحداث الربيع العربي مشيرا إلي أن دول الغرب كانت تتوقع مزيدا من الخلل مع العالم العربي خاصة بعد عملية 11سبتمبر2001م, مع خشية أن يؤثر ذلك علي العلاقة بين الدول العربية والإسلامية مع الغرب, لكن ما حدث عكس عطشا عربيا للديمقراطية, معتبرا الأزمات التي أعقبت الثورات العربية أمرا طبيعيا في تحول ديمقراطي, وتوقع أن تتوسع الديمقراطية بمرور الوقت من خلال ترسيخ قيمها لدي الشعوب العربية, وصفق الحضور طويلا تجاوبا مع دعوته إلي إرساء تكتلات إقليمية تعمل من أجل التعاون المشترك وإرساء السلام وتقوية الاقتصاد بكل السبل المتاحة وتأكيده أن أمواج المتوسط لما تزل تتلاطم وتتداخل مع بعضها, وتؤثر أزماتها ببعضها البعض كما يحصل الآن في الأزمة المالية في أوروبا. كما كان لوزير الخارجية الإيطالي الأسبق فرانكو فراتيني وقفة شجاعة حين طالب في كلمته أوروبا بالتكفير عن أخطائها في دعم الديكتاتوريات العربية البائدة عبر السعي لتأسيس شراكات عميقة مع العرب, وزاد بأن طلب من دول أوروبا فتح باب الهجرة الممنهجة لمواطني الجنوب من طلاب وتجار وصناعيين, بهدف تفويت الفرصة علي المتطرفين لإجهاض ما تحقق في دول الربيع العربي. وكان الحضور المصري موجودا في الندوة بقوة عبر مشاركة المفكر د.عبد المنعم سعيد الذي أضفي روحا مرحة لا تخلو من الجدية علي جو الندوة العلمي, إذ تساءل عن سر تمسك الدول العربية بالتعاون مع دول الغرب, وإهمال التعاون فيما بينها!! وضجت القاعة بالضحك من تشبيهه هيام الجنوب بالتواصل مع الشمال بالأغنية المصرية الحب من غير أمل أسمي معاني الغرام! وللحديث بقية إن شاء الله المزيد من مقالات أسامة الالفى