فيلم الدائرة (ذا سيركل) هو واحد من السقطات الفنية النادرة للنجم توم هانكس الذي يلعب دورا محوريا في أحداثه مع الممثلة الشابة إيما واتسون، وهي أكثر جملة يمكنها أن تلخص حال الفيلم الذي بدأ عرضه قبل نهاية أبريل الماضي. ........................................................................................... هناك الكثير من التفاصيل التي يمكن مناقشتها بخصوص أحدث أفلام الجنوب إفريقية تشارليز ثيرون الذي يحمل عنوان «الشقراء الذرية» أو «Atomic blonde»، والذي بدأ عرضه العالمي نهاية يوليو الماضي كفيلم أقرب للجدية وسط موجة من أفلام الصيفي الخفيفة التي تسود الأجواء السينمائية في الفصل الحار من عينة «بايووتش» و»بيبي درايفر» وغيرها من أفلام الأكشن السطحية. في مناخ مثل هذا يمكن إعطاء فيلم ثيرون الجديد نجمة ذهبية كونه يتصدى لمرحلة تاريخية بالغة الحساسية في أوروبا وهي التي شهدت انهيار ما كان يعرف في زمن الحرب الباردة بالمعسكر الشرقي الذي ضم دول أوروبا الشرقية تحت قيادة الاتحاد السوفييتي، وهو الانهيار الذي بدأ بهدم جدار برلين الذي كان يفصل بين الألمانيتين الغربيةوالشرقية. لكن في المقابل إذا قورن الفيلم بسلسلة طويلة من الأفلام التي رصدت تفاصيل الحرب الباردة ومعارك التجسس بين أمريكا وما يعرف بالاتحاد السوفييتي، فإنه لن يكون بالتأكيد ضمن أفلام الصف الأول أو حتى الثاني رغم اجتهاد تشارليز ثيرون في أداء دورها لدرجة تخليها عن جمالها الأنثوي الأخاذ لإقناع المشاهدين بجدية دور الجاسوسة الغربية التي تخاطر بحياتها للحصول على قائمة سرية بالجواسيس المزدوجين من برلينالشرقية. الفيلم استند على قصة مصورة شهيرة راج صيتها قبل أعوام بعنوان «المدينة الأبرد» ويدور حول تكليف لورين بروتون (تشارليز ثيرون) التي تعمل لحساب المخابرات البريطانية «MI6» بالسفر إلى برلينالشرقية عام 1989 في ذروة المد الثوري هناك ضد الحكم الشيوعي لاسترداد قائمة سرية تتضمن أسماء العملاء المزدوجين بين المخابرات الغربية والسوفييتية، يفترض أنها كانت بحوزة عميل غربي يدعى جاسكوين تم قتله في بداية أحداث الفيلم. المشهد التالي تظهر فيه لورين وهي تخضع لتحقيق داخلي في مقر «MI6» بمعرفة الضابط المسئول عنها وضابط من المخابرات الأمريكية لا تبدو علاقتها به جيدة حيث تصر على حضوره التحقيق وهو ما يقابل بالرفض من الضابط البريطاني. بطريقة «الفلاش باك» يبدأ عرض مشاهد الفيلم مع سرد لورين للتفاصيل في التحقيق منذ أن سافرت إلى برلينالغربية بتكليف من المخابرات البريطانية للتنسيق مع عميلهم هناك ديفيد بيرسيفال (جيمس ماكفوي) للحصول على القائمة السرية واكتشاف أخطر عميل مزدوج يعمل لحساب المخابرات السوفييتية «KGB» يدعى ساتشيل بعدما سبب خسائر هائلة ومكّن المخابرات السوفييتية من تصفية عدد كبير من العملاء الغربيين في دول المعسكر الشرقي. منذ أن وطأت قدما لورين برلينالغربية تتعرض للمطاردة من عملاء الكي جي بي، وتكتشف لاحقا أن بيرسيفال يعمل ضدها، حيث أبلغ الشرطة في برلين عن وجودها في شقة جاسكوين وهي معلومة لم يكن أحد يعرفها غيره، كما تكتشف أنه وضع ميكروفونا في معطفها ليتجسس على كل حواراتها. تلاحظ لورين عميلة تراقبها يوميا دون أن تحاول الاقتراب منها، ثم في وقت لاحق تتقرب منها لتصبحا صديقتين وتعرف أنها عميلة للمخابرات الفرنسية تدعى دلفين لاسال، حيث تخبرها أن بيرسيفال هو العميل المزدوج الذي تبحث عنه. تكتشف لورين أن عميل الكي جي بي الذي قتل جاسكوين وسرق منه القائمة السرية لم يسلمها للسوفييت وانه يسعى لبيعها لمن يدفع السعر الأعلى، لكن قبل أن تصل إليه يسبقها بيرسيفال الذي يقتله ويحصل على القائمة. يعرض الفيلم العميلة الفرنسية لاسال وهي تلتقط صورا لبيرسيفال يساوم ضابط الكي جي بي بريموفيتش ليعرض عليه شراء القائمة السرية، وبينما تتجمع المعلومات لدى لورين عم زميلها المفترض، وتقترب من إثبات خيانته وانه العميل «ساتشيل» الذي تبحث عنه المخابرات البريطانية، يتم تكليفها بتهريب ضابط من أمن الدولة في ألمانياالشرقية سابقا «ستاسي» يدعى سباي جلاس هو الذي أعد القائمة السرية وسلمها للعميل المقتول ويحفظ كل الأسماء التي وردت عن ظهر قلب. يتشارك بيرسيفال مع لورين في عملية تهريب الضابط الألماني الشرقي، ولكنها تكتشف أن زميلها وشى بالخطة لرجال الكي جي بي، وتحاول الهروب منهم وعندما تنجح في ذلك يبادر بيرسيفال بقتل ضابط الستاسي بنفسه في محاولة لتجنب افتضاح أمره وأنه العميل المزدوج. بعد ذلك يذهب بيرسيفال لقتل العميلة الفرنسية التي تعرف بأمره، قبل أن تتمكن لورين من إنقاذها، ما يدفع الأخيرة لملاحقته وإطلاق النار عليه وهو في طريقه للهرب محتفظا بسره، لكن ترديه قتيلا وتحصل على القائمة السرية. أمام ضابط المخابرات البريطانية أصرت لورين على إنكار معرفتها بمصير القائمة السرية بعد مقتل بيرسيفال وأنها لم تكن معه حين قتلته بدعوى أنه العميل المزدوج الخطير ساتشيل. لكن في المشهد التالي بعد 3 أيام من انتهاء التحقيق معها تظهر لورين متجهة لأحد الفنادق في العاصمة الفرنسية باريس حيث تلتقي مع بريموفيتش ضابط المخابرات الروسي الذي كان بيرسيفال يفاوضه حول القائمة السرية، حيث يتبين أن لورين هي العميل ساتشيل، وخلال قيامها بتسليم القائمة يفاجئها بريموفيتش باستدعاء عدد من رجال الكي جي بي للتخلص منها استجابة لتحذير بيرسيفال منها، لكنها تنجح في قتلهم جميعا باستخدام مسدس كانت تخفيه في إناء الثلج الذي توضع فيه زجاجات الخمر، بعد أن تلقي بخطبة عصماء قصيرة على بريموفيتش بأنها هي من كانت تستخدمه منذ البداية وليس العكس. المشهد الأخير في الفيلم تظهر فيه لورين متوجهة نحو المطار حيث تستقل طائرة خاصة متجهة نحو لانجلي الأمريكية، وداخل الطائرة نجد ضابط السي آي إيه الذي حضر التحقيق معها من البداية، حيث نفهم من حوارهما القصير أنها تعمل منذ البداية لصالح المخابرات الأمريكية وأنها أخفت القائمة السرية عن المخابرات البريطانية لتحصل عليها ال»CIA» منفردة. قصة الفيلم كما تبدو من السرد السابق تبدو مشوقة وحافلة بالإثارة، لكن الحقيقة أن السيناريو الذي كتبه كورت جونستاد خلق جوا من الرتابة على الأحداث رغم اجتهاد المخرج ديفيد ليتش في فيلمه الأول كمخرج منفرد في التغلب على تلك الرتابة بإضافة الكثير من مشاهد الأكشن والقتل بتفاصيلها الدقيقة. من البداية لم يظهر سبب درامي وجيه لاختيار السيناريست بناء فيلمه بطريقة «الفلاش باك» أو السرد الاسترجاعي، حيث أفقده ذلك جزء كبير من عنصر التشويق والإثارة، كذلك تعمد السيناريست التزام الغموض فيما يتعلق بهوية العميل ساتشيل وهل هو بيرسيفال أم العميلة لورين؟ وهل كان العميل المزدوج يعمل منذ البداية لصالح المخابرات الأمريكية ما يعني ضمنا أنها كانت تتآمر على حليفتها في بريطانيا. مخرج الفيلم ديفيد ليتش الذي شارك من قبل كمعاون في إخراج فيلم وحيد هو فيلم «جون ويك» للنجم كيانو ريفز، نجح في خلق بيئة درامية تشعر المشاهد بأنه يعيش في زمن انهيار دار برلين، لكن يحسب عليه لجوئه للإفراط في مشاهد العنف ربما كما ذكرت من قبل لتغطية رتابة السناريو بشكل عام يمكن تصنيف فيلم «الشقراء الذرية» ضمن الأفلام المتوسطة وهو تقريبا نفس تصنيفه لدى قطاع كبير من النقاد الأمريكيين الذين احتفى أغلبهم بتشارليز ثيرون التي قدمت دورا خارج على نمطها السينمائي المعروف. تجاريا حظي الفيلم بنجاح متوسط أيضا يناسب تصنيفه حيث حقق إيرادات بلغت 45.8 مليون دولار من العرض في جميع أنحاء العالم حتى السادس من أغسطس الحالي، بينما لم تتجاوز ميزانيته 30 مليون دولار فقط، وهو ربح إضافي للنجمة الجنوب إفريقية باعتبارها منتجة للفيلم