كيف تعانى أفريقيا مشكلة مياه وفيها كل هذه الأنهار الكبرى والبحيرات العظمي؟!. إضافة إلى أنها ترقد فوق مخزون ضخم من المياه الجوفية!!. ................................................................. كثيرا ما كنت أشاهدهن, وعلى رؤوسهن دلاء المياه, غالبا كن من الفتيات الصغار والنساء، وكن يغطين أسطح الدلاء بأوراق الشجر حتى لا تتساقط المياه على إيقاع اهتزازاتهن، ويقطعن مسافات طويلة للوصول إلى مصدر المياه, وهى ممارسة يومية شاقة وتكتنفها المخاطر, غالبا ما تستنفذ اليوم كله، النساء يتركن أعمالهن فى البيوت وفى فلاحة الأرض, والفتيات يتركن مدارسهن فتضيع عليهن فرص دراستهن. وكنت أتساءل عندما أتطلع من نافذة العربة التى أستقلها عبر السافانا فى تنزانيا وأشاهد الرعاة من «قبيلة الماساي» بأجسادهم الفارعة، وملامحهم الدقيقة، وهم يقودون أبقارهم بحثا عن مصدر للمياه. كيف يعانون من نقص للمياه, وهم فى بلاد بها بحيرة فيكتوريا ثانى أكبر بحيرة مياه عذبة فى العالم والتى ارتبط اسمها باسم ملكة بريطانيا, والذى أطلق عليها الإسم هو مكتشف البحيرة «جون سبيك» عام 1858. والبحيرة شديدة الثراء, جيث تستمد مياهها من عدة أنهار، ومن أكثر من جهة، ومن أهمها «نهر كاجيرا» من الجهة الغربية, لتصب البحيرة مياهها فى نهاية المطاف فى نهر النيل. كما يوجد فى تنزانيا «بحيرة تنجانيقا» الواقعة على الحدود التنزانية مع الكونغو, وهى ثانى أعمق بحيرة فى العالم, وتستمد مياهها من أنهار عديدة, وتصبها فى نهر يصل بنهر الكونغو. هذا علاوة على توافر مجموعة كبيرة من الآبار التى منحتها مصر وساعدت فى حفرها فى الشمال التنزانى الذى يعانى من الجفاف. ولنبدأ رحلتنا الغريبة مع المياه من تلك القرية الفريدة من نوعها فى إفريقيا والتى يعيش سكانها وسط المياه. «قرية جانفى Ganvi» فى دولة بنين, مشيدة بالكامل فى قلب بحيرة من المياه العذبة, وتقع القرية بالقرب من بلدة «كونتونو» العاصمة الاقتصادية لدولة بنين, وواحدة من أكبر مدنها. وتأتى الغرابة فى أن العين لم تعتد رؤية مساكن وسط المياه فى أفريقيا إلا فى أوقات الفيضانات التى تجتاح فيها المياه مناطق كثيرة من وقت لآخر, تغمرها وتشرد سكانها. سكان القرية يستوطنون «بحيرة نوكوى Nokwe lake» منذ خمسمائة عام، ويسمونها «فينيسيا أفريقيا». فهم يتحركون بقوارب مصنوعة من جذور الأشجار عوضا عن المشى وركوب الدراجات على الأرض. وتقومون بزيارة بعضهم بالقوارب الخشبية, وعليها تباع البضائع, وبها يذهب التلاميذ إلى مدارسهم, هذا كله بجانب نشاطهم الرئيسى المتمثل فى صيد الأسماك. فى المياه التى تمنحهم الحياة, وعلى النقيض تكون هى نفسها وراء الإصابة بأمراض تفتك بهم, مثل التيفود, والملاريا, والدوسنتاريا. وللقرية تاريخ حافل بالمغامرات والبطولة. ولو رجعنا بالتاريخ إلى بداية القرن السابع عشر, فنقرأ أن «بِنين» كانت من أقوى الدول فى غرب أفريقيا, وكانت فى ذلك الوقت تسمى «داهومي», وكان سكانها من القوة بمكان لم يمكن البرتغاليين من استعبادهم. وإن نجحوا فى تجنيد مرتزقة من إحدى القبائل لمساعدتهم فى تجارة العبيد. وكان هؤلاء المرتزقة يُغيرون على القبيلة التى استوطنت البحيرة وهى قبيلة «توفينو Tofinou» المسالمة فى محاولات مستمرة لخطف أفرادا منهم. مع تكرار الغزوات, قررت القبيلة النزوح من مناطق المواجهات, ليتخذوا من البحيرة ملاذا آمنا لهم. واختيارهم للبحيرة لم يأت من فراغ, بل من يقينهم بأن المرتزقة لن يقدروا على الاقتراب منها لإيمانهم الراسخ فى ذلك الوقت بأن البحيرة يسكنها «مارد خارق» القوة لا يحب العنف, ولن يسكت على أى معركة تجرى فيها. منذ ذلك الحين لم يترك «التوفينو» البحيرة. ويبلغ سكان البحيرة 30000 نسمة، يعيشون فى مساكن من خشب البامبو الذى يغطى الحوائط والأرضيات وأسقف مائلة من سعف النخيل والأغصان والأوراق الجافة. وتقوم الأكواخ على أعمدة خشبية بارتفاع 23 مترا من سطح المياه. وبخبرتهم يعرفون هذا النوع من المبانى الذى كانوا يلجأون إليه لحمايتهم من الفيضانات, ومن الحيوانات الزاحفة, والقوارض, والحشرات, وقد تتصل الأكواخ المجاورة التى يقطنها أفراد من نفس العائلة, بمعابر خشبية. وسكان البحيرة ليس عندهم أرضا يربون فيها الدواجن والمواشي, وعوضا عن ذلك, يربون الأسماك. والبحيرة زاخرة بأنواع عديدة من الأسماك, وتنتشر عبرها مزارع السمك. وتباع الأسماك فى سوق كبير بجوار البحيرة. وغالبية الباعة من النساء يجلسن بأقفاصهن, يغطين رؤوسهن بقبعات القش العريضة. وفى القرية 3000 مبني, تشتمل على مكتب بريد, وبنك, ومستشفي, وكنيسة, ومسجد. وسجلت القرية فى اليونسكو عام 1966 ضمن التراث العالمي. وهى من أهم المزارات السياحية فى دولة بنين. ومدرسة القرية أقيمت على بقعة من الأرض كافية ليلعب عليها التلاميذ. ورغم البيئة المنغلقة إلا أن سكان القرية استطاعوا أن يحافظوا على كيانهم الاجتماعى وترابطهم الأسري. وإذا ما تركنا تلك البحيرة الصغيرة فينيسيا أفريقيا, إلى أهم البحيرات العظمى بعد بحيرة «فيكتوريا وتنجانيقا», سنجد منها «بحيرة نياسا» فى مالاوي، وتقع على حدود تنزانيا, ومالاوي, وموزمبيق, والبحيرة تستقبل مياهها من مجموعة أنهار تصب فى إحدى روافد «نهر الزامبيزي». وكل تلك البحيرات موجودة فى شرق أفريقيا. أما وسط أفريقيا فتوجد «بحيرة تشاد», وهى رابع أكبر بحيرة فى أفريقيا وتغذيها بعض الأنهار, وأهمها «نهر تشاري», و«نهر لوجون», وهو منخفض مغلق لا يصرف مياهه فى البحار أو الأنهار. وكل تلك البحيرات التى مررنا عليها بحيرات مفتوحة, أما البحيرات المغلقة التى لا تصب فى نهر أو فى بحر فأهمها «بحيرة توركانا» أو «رودولف» فى كينيا وتعتبر أكبر بحيرة صحراوية فى العالم, تتجمع من حولها صخور بركانية, ومن الجزيرة الوسطى للبحيرة تنبعث أبخرة بركانية, كما توجد بالمنطقة التى تحتلها البحيرة مجموعة من الحدائق الوطنية. وللمنطقة أهمية كبيرة عند «علماء الأنثروبولوجي» ويعتبرونها مهد البشرية لاكتشاف العديد من الحفريات البشرية بها. وعلى الجانب الآخر من هذا الثراء فى المياه, وبالعلاوة على الأمطار الموسمية التى يعتمدون عليها فى الرعى والزراعة, نجد أن موارد المياه فى مناطق كثيرة فى أفريقيا محدودة, خاصة فى البلاد التى تقع على حدود الصحراء الأفريقية الكبري, حيث تعانى القحط وندرة الأمطار, كما أنه من الصعب بمكان توفير مياه نظيفة صالحة للشرب لسكان القرى والمناطق النائية حيث تتفاقم المشكلة. المياه يحصلون عليها إما عبر شبكات المياه أو الطلمبات أو الآبار أو الخزانات. والمشكلة تكمن أكثر فى المياه المهدرة أو التى تحول مسارها بواسطة السدود والعوائق المائية. المياه السطحية التى تتجمع على هيئة برك صغيرة أو مستنقعات, وإن كانت غير مالحة, إلا أنها ملوثة وغير صالحة للشرب. أما المياه الجوفية فهى أفضل لأنها بعيدة عن التلوث اللهم إلا إذا كانت بجوار مصدر تلوث. قدرت الأممالمتحدة حجم الأفارقة الذين يعيشون بمعزل عن خدمات الشرب الآمنة جنوب الصحراء الكبرى 330 مليون أفريقي, بأنه قرابة النصف مليون طفل أفريقى دون الخامسة يفقدون حياتهم سنويا بسبب تلوث مياه الشرب. وأشارت فى نشرتها التى صدرت على هامش الاحتفال باليوم العالمى للمياه الموافق 22 مارس من هذا العام 2017 بأن التركيز فى هذه المرحلة سيكون للعمل على الاستفادة من المياه المهدرة من البيوت والمصانع والمدن, فبدلا من تركها تفقد وتلوث البيئة ينبغى العمل على تحسين طرق جمعها ومعالجتها بشكل آمن وإعادة استخدامها. وساهم تغير المناخ كنتيجة لظاهرة الانحباس الحرارى إلى تقلب أحوال الأمطار, كما أن زيادة الحرارة ساهمت فى ارتفاع معدل بخر المياه, مما أدى إلى جفاف, وتصحر أراض شاسعة. مما يضطر إلى الهجرة والصراع وفد تساهم القطع الجائر للأشجار وسوء إدارة الموارد المائية مع الزيادة المضطردة فى عدد السكان إلى تفاقم المشكلة وفى التنافس على الموارد الشحيحة للمياه, كما ساهمت الأنشطة الملوثة التى أقيمت بدون دراسة وافية فى مناطق بالقرب من مصادر المياه فى تلويثها. وأمام قضية المياه الشائكة تنهض منظمات غير حكومية ومنظمات خيرية كثيرة محلية وعالمية مثل اليونسيف والبنك الدولى لتبنى مشاريع لتوفير المياه الصالحة للشرب, حفر الآبار, وإصلاح المحفور منها, وتوفير المضخات. كما يساهم الكثير من النشطاء والمتحمسين من المواطنين الأفارقة فى التخفيف عن معاناة مواطنيهم. ونذكر هنا إحدى الناشطات «SARAN KABA JONES» من ليبيريا، وقد جعلت من مشكلة المياه قضيتها الرئيسية لأنها تؤثر على كل مناحى الحياة. «ساران» تركت بلادها عام 1989 وهى فتاة صغيرة عمرها ثمان سنوات. قضت جزءا من حياتها فى مصر، ودول أخرى قبل أن تغادر إلى الولاياتالمتحدة. ورجعت إلى ليبيريا بعد عشرين عاما من الغربة لتتبنى مشروعها الذى أسسته عام 2009 - «FACE AFRICA»، ويهدف المشروع لتوفير مياه نظيفة للآلاف الليبيريين وانهالت عليها المساعدات لتنفيذ مشاريعها من جهات عديدة. ونجحت بفضل مثابرتها ومساهمتها الفعالة فى توفير مياه نظيفة لآلاف الليبيريين. ساران وجه مشرق لأفريقيا فى العالم كله وفد منحت ألقاب شرفية عديدة, وكان أول اعتراف بدورها المهم فى حل مشكلة المياه قى ليبيريا عندما عينت سفيرة للنوايا الحسنة عام 2012.