استكمالاً لما ذكرناه فى المقال السابق من أن قطر الدولة العاصية قد أقدمت على انتهاك العديد من قواعد القانون الدولى ومبادئه الأساسية فى دعمها للإرهاب، وهو ما استدعى موقفاً حاسماً من الدول الأربع المتضررة من هذا الإرهاب. نخصص هذا المقال، لمناقشة ما قامت به من انتهاكات صارخة لواحد من أهم مبادئ القانون الدولى المعاصر وهو مبدأ «حسن النية فى العلاقات الدولية» وهو المبدأ الذى يعنى وجوب احترام الدولة لتعهداتها الدولية. ومن المعلوم فى فقه القانون الدولى أن مبدأ حسن النية فى العلاقات الدولية هذا إنما يكمل قاعدة «العقد شريعة المتعاقدين» والتى يتم التعبير عنها أيضاً بقاعدة قدسية العهود والمواثيق والتى مؤداها أن المعاهدة هى القانون الحاكم للعلاقة بين أطرافها، ومن ثم يتعين عليهم تنفيذها فى جميع ما اشتملت عليه من حقوق والتزامات متبادلة وطبقاً لمضمونها، كما لا يجوز نقضها أو تعديلها بالإرادة المنفردة لأحد أطرافها، وهكذا فإن حسن النية هو تعبير عن المحافظة على الثقة والصدق فى التعامل، والإخلاص والنزاهة فى تنفيذ التزامات الاتفاقية، وهو ما يقتضى الحيلولة دون قيام الدولة بأية أعمال يكون من شأنها تعطيل موضوع المعاهدة أو الغرض منها.الأمر الذى أشارت إليه بوضوح ديباجة اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وقررته المادة الثامنة عشرة منها بالنص على أنه تلتزم الدولة بالامتناع عن الأعمال التى تعطل موضوع المعاهدة أو الغرض منها. والحق أن حسن النية على هذا النحو هو مبدأ لازم لا غنى عنه لأى نظام قانوني، وللنظام القانونى الدولى من باب أولي، ففى غياب حد أدنى من الاعتقاد بأن الدول ستنفذ التزاماتها الدولية بحسن نية لا يوجد سبب يدفع الدول الأخرى للدخول فى مثل هذه الالتزامات، أو الحرص على تنفيذها. ومن ثم جاءت الفقرة الثانية من المادة الثانية من ميثاق الأممالمتحدة،الخاصة بالمبادئ التى تقوم عليها المنظمة الدولية، تعبر عن هذا بشكل جلى فقررت أنه لكى يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون فى حسن نية بالالتزامات التى أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق. وجاءت المادة السادسة والعشرون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تقضى بأن «كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية» وجاءت المادة الحادية والثلاثون منها تقضى بأن المعاهدات يتم تفسيرها زبحسن نية طبقاً للمعنى العادى لألفاظها فى إطار سياقها، وعلى ضوء المعاهدة والغرض منها. ويبين من سلوك قطر الداعم للإرهاب، والذى أثبتته الوثائق ذات الصلة التى أعلن عنها حتى الآن، أنها قد أخلت إخلالاً جسيما بمبدأ حسن النية فى العلاقات الدولية، فى صدد العلاقة بينها وبين الدول العربية الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وسواها من الدول العربية المضرورة من الدعم القطرى للإرهاب، سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان. وتفصيل ذلك أنها لم تلتزم بما تعهدت به فى شأن مكافحة الإرهاب مما ورد فى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وهى الاتفاقية الصادرة عن مجلسى وزراء الداخلية والعدل العرب بالقاهرة فى الثانى والعشرين من أبريل عام 1998 والتى دخلت حيز النفاذ فى السابع من مايو عام 1999. وقد جاء فى المادة الثالثة من هذه الاتفاقية أنه تتعهد الدول المتعاقدة بعدم تنظيم أو تمويل أو ارتكاب الأعمال الإرهابية أو الاشتراك فيها بأية صورة من الصور. والتزاماً منها بمنع الجرائم الإرهابية طبقاً للقوانين والإجراءات الداخلية لكل منها فإنها تعمل علي: أولاً تدابير المنع: الحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً للتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الإرهابية، أو الشروع أو الاشتراك فيها بأية صورة من الصور، بما فى ذلك العمل على منع تسلل العناصر الإرهابية إليها، أو اقامتها على أراضيها فرادى أو جماعات، أو إيوائها، أو تدريبها، أو تسليحها، أو تمويلها، أو تقديم أية تسهيلات لها.. ثانياً تدابير المكافحة: القبض على مرتكبى الجرائم الإرهابية ومحاكمتهم وفقاً للقانون الوطني، أو تسليمهم وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية أو الاتفاقات الثنائية بين الدولتين الطالبة والمطلوب إليها التسليم.. وغنى عن البيان أن قطر، والتى هى واحدة من الدول الأطراف فى هذه الاتفاقية، لم تترك التزاماً واحداً من هذه الالتزامات الصريحة والواضحة التى أوردتها الاتفاقية إلا وخالفته.وليس أدل على ذلك وأكثر وضوحاً من الدعم المالى الذى قدمته للجماعات الإرهابية والمتطرفة فى الدول المتضررة والذى يقدر بمليارات الدولارات، والذى لولاه ما استطاعت هذه الجماعات أن تحيا أو أن تفعل ما فعلت، ومن الدعم المعنوى والإعلامى الذى قدمته لها قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام الممولة من قطر. وليس أدل عليه أيضاً من استقبالها لقادة هذه التنظيمات الإرهابية على أرضها وتوفيرها ملاذاً آمناً لهم، ورفضها تسليمهم لدولهم المتهمين فيها بالإرهاب والمحكوم عليهم فيها بأحكام قضائية بمناسبة هذا الاتهام. وهو ذات ما أبان عنه السلوك القطرى من مخالفات لنصوص الاتفاق الذى تم توقيعه بالرياض فى عام 2013 بين كل من السعودية، والكويت، و قطر، والذى انتهت فيه الأطراف الثلاثة إلى الاتفاق على عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى من دول مجلس التعاون الخليجي، بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم تجنيس أى من مواطنى دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا فى حال موافقة دولته، وعدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم، وعدم دعم الإعلام المعادي.. وعدم دعم الإخوان أو أى من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمنى المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي. لمزيد من مقالات د. محمد شوقى عبد العال