أبانت تطورات الأسابيع الأخيرة، وما سمح المقام بتسريبه من وثائق وهو قليل من كثير، في الأزمة بين الدول العربية الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، من جانب، وقطر من جانب آخر، عن انتهاكات قطرية جسيمة لقواعد القانون الدولي ومبادئه الأساسية. كما هو معلوم فإن المجتمع الدولي، شأن المجتمع الداخلي، له أشخاص يخاطبهم القانون المنظم لحركته، أي القانون الدولي، ويفرض عليهم من الالتزامات ما يضمن انتظام هذه الحركة، ويضمن استقرار العلاقات بين هؤلاء الأشخاص، ويحفظ السلم والأمن الدوليين. وتأتي الدول علي رأس هذه الأشخاص القانونية الدولية، متمتعة بكافة ما يقرره القانون الدولي لأشخاصه من حقوق، وملتزمة بكافة ما يفرضه عليهم من واجبات. وبدهي، والحال علي هذا النحو، أن الدولة التي لا تفي بالتزاماتها، ولا تؤدي واجباتها، تعد في نظر القانون الدولي دولة مخالفة أو «دولة عاصية». ومن ثم تترتب عليها المسئولية الدولية، ويحق عليها العقاب، الذي يفرضه القانون الدولي علي أشخاصه المخالفين العصاة، وإن كانت طريقته في ذلك تغاير الطريقة التي تعرفها المجتمعات الداخلية في هذا الصدد. والحق أن قطر في دعمها للإرهاب، والذي أبانت الوثائق المنشورة عن جزء ضئيل منه، سواء في ذلك الدعم المالي الذي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات، أو الدعم العسكري عبر صفقات الأسلحة التي تنقلها الطائرات القطرية إلي الجماعات الإرهابية المتطرفة حيث هي، أو الدعم المعنوي والدعائي عبر وسائل الإعلام القطرية أو الممولة من قطر وعلي رأسها قناة الجزيرة، أو من خلال توفير الملاذ الآمن لقيادات الجماعات الإرهابية والمتطرفة الفارين من بلادهم والمحكوم عليهم فيها بأحكام قضائية لجرائمهم الإرهابية. أقول إن قطر في دعمها هذا للإرهاب تخالف مجموعة كبيرة من قواعد القانون الدولي ومبادئه الأساسية، بما يجعلها دون أدني شك «دولة عاصية» في مفهوم هذا القانون. ويمثل الدعم القطري، بصوره العديدة المشار إليها في الفقرة السابقة، للجماعات الإرهابية المتطرفة، في غالبية دول المنطقة العربية، مخالفة صارخة لأحد أهم مبادئ القانون الدولي المعاصر، وأعني مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري. وهو المبدأ الذي نصت عليه المادة الثانية من ميثاق الأممالمتحدة حين قررت في فقرتها السابعة عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري بالنص علي أنه «ليس في هذا الميثاق ما يسوغ «للأمم المتحدة» أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما....». وهو المبدأ الذي تلتزم به قطر، وكافة الدول الأعضاء، بحكم عضويتها في الأممالمتحدة. وهو ذات المبدأ الذي أكد عليه ميثاق جامعة الدول العربية بشكل أوضح حين نصت المادة الثامنة منه علي أنه «تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظم الحكم القائمة في دول الجامعة الأخري وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمي إلي تغيير ذلك النظام فيها». ويبين من هذا النص مدي التأكيد علي التزام الدول الأعضاء بعدم تدخل أي منها في المسائل المعتبرة من صميم الاختصاص الداخلي للدول الأخري، بما يتضمن الالتزام باحترام أنظمة الحكم المختلفة في الدول الأعضاء وعدم اتخاذ أي عمل يرمي إلي تغيير أنظمة الحكم القائمة. ولما كانت قطر عضواً في جامعة الدول العربية، فهي ملتزمة بنص هذه المادة في علاقتها بباقي الدول الأعضاء في الجامعة. ومن ثم تأتي مخالفتها لمضمون هذه المادة، بتدخلها في غالبية الدول العربية، انتهاكاً صارخاً لهذا الالتزام. وواقع الأمر أن الوثائق تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن قطر قد دعمت جماعات المعارضة المسلحة والمتطرفة فيما قامت به من أعمال إرهابية في كل من مصر وليبيا وتونس والعراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين والسعودية والإمارات، بهدف تغيير نظم الحكم في هذه الدول، وهو شأن داخلي بحت في مفهوم ميثاق الأممالمتحدة وميثاق جامعة الدول العربية. ليس هذا فحسب، بل لقد أدي الدعم القطري لهذه الجماعات إلي حروب أهلية طاحنة في بعض هذه الدول، أو ساهم في استمرارها وتصاعدها، كما هو الحال في كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن، الأمر الذي ترتب عليه خسائر بشرية ومادية في غاية الخطورة والجسامة، فدمرت مدن بأكملها، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وشرد أو نزح عن مكان إقامته أو هاجر خارج بلاده ملايين البشر في هذه البلاد المنكوبة بالتدخل القطري السافر والمستتر. ولقد دأبت الأممالمتحدة علي الإدانة الكاملة للدول التي تمارس الإرهاب، وألقت التزاما علي عاتق الدول الأعضاء فيها بالامتناع عن دعم الأنشطة الإرهابية أو التحريض عليها أو تيسيرها أو تمويلها أو التغاضي عنها، وباتخاذ كافة التدابير العملية الملائمة لضمان عدم استخدام أقاليم أي منها لإقامة منشآت إرهابية أو معسكرات لتدريب الإرهابيين، أو في تحضير أو تنظيم الأعمال الإرهابية التي تنتوي ارتكابها ضد الدول الأخري أو مواطنيها. فعلي سبيل المثال وفي قرارها رقم 2625 الخاص بإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول الصادر في عام 1970، أكدت الجمعية العامة «واجب الامتناع عن تنظيم أعمال الحرب الأهلية أو الأعمال الإرهابية في دولة أخري، أو التحريض عليها، أو المساعدة أو المشاركة فيها، أو قبول تنظيم نشاطات في داخل إقليمها تكون موجهة إلي ارتكاب مثل هذه الأعمال». وهي ذات المعاني التي أكدت عليها مرة أخري في قرارها رقم 42/159 لعام 1987. أما مجلس الأمن فقد أكد من جانبه في العديد من قراراته ضرورة امتناع الدول عن تنظيم أو التحريض علي ممارسة الأعمال الإرهابية علي أقاليم الدول الأخري. ففي قراره رقم 748 لعام 1992 بخصوص أزمة لوكيربي أشار المجلس إلي أنه «يؤكد من جديد أن من واجب كل دولة، بموجب المبدأ الوارد في المادة 2/4 من ميثاق الأممالمتحدة، الامتناع عن تنظيم أعمال إرهابية في دول أخري، أو الحض عليها، أو المساعدة أو المشاركة فيها، أو القبول بأنشطة منظمة داخل إقليمها تكون موجهة لارتكاب مثل هذه الأعمال». هذا فضلاً عما ورد في هذا الخصوص في قراراته التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. لمزيد من مقالات د. محمد شوقى عبدالعال;