تناولت فى مقال سابق الطريقة التى تتعامل بها قطر لمساعدة وتمكين الإخوان وتغلغلهم فى أوروبا. وهنا نتحدث عن الآليات والأدوات. ترمى الإستراتيجية القطرية إلى توظيف الجماعة كورقة ضغط فى مواجهة عدد من الأنظمة العربية، منذ وصول خليفة بن حمد إلى الحكم عام 1995. وتسعى بقوة لإعادة إنتاج المشروع عبر البوابة الأوروبية باستخدام أوراق جديدة، دينية وثقافية، وهو ما استلزم استحداث آليات تمويلية لخدمة المشروع الإخوانى أوروبياً. يكشف التوزيع الجغرافى لخريطة التمويل القطرى لإخوان أوروبا، خطاً حاكماً يرتكز على مسارين متوازيين. الأول: استهداف البلدان ذات الكثافة المغاربية من المهاجرين مثل فرنسا (إحدى القواعد الرئيسية للتنظيم الدولى) وبلجيكا ولوكسمبورج باعتبارهما امتداداً جغرافياً لفرنسا، إضافة إلى اسبانياوإيطاليا. أما المسار الثانى يتعلق ببريطانيا وبشكل مغاير من خلال تمويل أنشطة جامعة أكسفورد وعدد من المؤسسات الثقافية ومراكز الأبحاث التابعة للإخوان، وتمويل إنشاء بعض المساجد الكبرى فى أيرلندا والدنمارك. يتسم التمويل القطرى بتنوع الآليات والوسائل، التى تتفاوت بين الأدوات المباشرة من خلال الحكومة القطرية والآليات غير المباشرة المتمثلة فى مؤسسة قطر الخيرية وتأسست عام 1992 وتعد الواجهة الرئيسية للتمويل القطرى لمشروعات إخوان أوروبا. فضلاً عن التمويل الخاص من الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة أو الشيخة موزة والدة الأمير الحالى أو من جانب عدد من رجال الأعمال القطريين وثيقى الصلة بالأسرة الحاكمة. استحدثت الحكومة القطرية آليات جديدة لتمويل مسلمى أوروبا خارج الإطار المؤسسى الإخوانى المعتاد، فى إطار محاولة الابتعاد عن الصورة النمطية لقطر بتمويل الإسلام السياسى، من خلال استحداث صندوق ANELD بإجمالى مائة مليون يورو بالتنسيق مع الحكومة الفرنسية، لتمويل مشروعات ريادة الأعمال للمسلمين بضواحى باريس الأكثر تهميشاً وكثافة مغاربية من أبناء المهاجرين من الجيلين الثانى والثالث والتى يوجد فيها التيار الإخوانى والسلفى. وحظى اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا والجمعيات التابعة له على مدى السنوات العشر الماضية بتمويل تقليدى متنوع المصادر. وقامت حكومة قطر بتقديم 11 مليون يورو للاتحاد، وقدمت مؤسسة قطر الخيرية 2 مليون يورو، وقدم فيه رجال أعمال قطريون مبلغ 5 ملايين يورو للاتحاد. كما وجهت الحكومة القطرية مخصصات مالية بلغت نحو مليون يورو للمعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية عامى 2007 و2008 وهو تابع لاتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا وترأس مجلسه العلمى يوسف القرضاوى ويتولى تأهيل وتخريج الدعاة والأئمة فى أوروبا. وقامت مؤسسة قطر الخيرية مع بعض رجال الأعمال القطريين بتقديم مبلغ 5 ملايين يورو عام 2016 لبناء مجمع النور الإسلامى بمدينة MULHOUSE التى تقع على مقربة من الحدود الفرنسية مع سويسرا وألمانيا لخدمة الجالية الإسلامية بالمناطق الحدودية الثلاث البالغ قوامها 150 ألف نسمة. علاوة على تمويل المؤسسة ذاتها لجمعية مسلمى الألزاس عام 2009 بمبلغ 7 ملايين يورو لإنشاء مجمع اسلامى على مساحة 4600 متر مربع. وقام أحد رجال الأعمال القطريين عام 2012 بتقديم دعم مالى للجمعية الإسلامية بغرب فرنسا (تابعة للفرع الفرنسى للإخوان) لتشييد مسجد السلام بمدينة نانت الفرنسية. فى وقت اتجهت فيه مؤسسة قطر الخيرية للدخول فى معادلة التعليم الفرنسى عام 2012 من خلال تقديم مبلغ 1.5 مليون يورو لشراء مبنى جديد لمدرسة الرازى بمدينة ليل، وهى أول مدرسة إسلامية تم تأسيسها بمبادرة من رموز اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا. وقدمت مؤسسة قطر الخيرية أيضا مبلغ 1.1 مليون يورو عام 2014 لرابطة مسلمى بلجيكا والفرع البلجيكى للإخوان، الذى يسيطر عليه عناصر حركة النهضة التونسية التى تدور فى فلكها بقية الجمعيات ذات التوجهات الإخوانية المنتشرة فى عدة مدن بلجيكية مثل بروكسل ولييج وجنت وانفرس وفيرفييه. ومولت أيضا أول مركز اسلامى فى لوكسمبورج عام 2015. وفى إطار التحرك القطرى فى دول جنوب أوروبا المتوسطية، قدمت الحكومة القطرية تمويلاً لاتحاد المنظمات الإسلامية فى إيطاليا لبناء مجمع دينى بجنوب مدينة صقلية ليكون مرجعية رئيسية لمسلمى إيطاليا البالغ عددهم 1.5 مسلم، معظمهم من أصول تونسية ومغاربية وضعاً فى الاعتبار أن 60 بالمائة من مساجد إيطاليا خاضعة لسيطرة تيار الإخوان المسلمين. فضلا عن تقديم الحكومة القطرية لتمويل بمبلغ 300 ألف يورو للرابطة الإسلامية للحوار والتعايش فى أسبانيا والتى تتعاون بشكل وثيق مع منظمة الإغاثة الإسلامية التى أسسها القيادى الإخوانى المصرى عصام الحداد فى لندن. ويسيطر تيار حركة النهضة على الرابطة فى أسبانيا من خلال وجوه تتمتع بعلاقة وثيقة مع الغنوشى. حظيت بريطانيا بنصيب معتبر من التمويل القطرى باعتبارها إحدى نقاط ارتكاز التنظيم الدولى للإخوان، تمثل فى تقديم الشيخ حمد بن خليفة حاكم قطر السابق تمويلاً من جيبه الخاص يقدر بنحو 11 مليون استرلينى فى مرحلة ما بعد الربيع العربى لتجديد مبانى كلية سانت انطونى بجامعة اكسفورد، لحساب كرسى الشيخ حمد للدراسات الإسلامية الذى يشغله الاخوانى طارق رمضان (حفيد حسن البنا) وفرس الرهان الرئيسى لقطر لدى مسلمى أوروبا فى مرحلة ما بعد الربيع العربى. وفى وقت قامت فيه مؤسسة قطر الخيرية بتمويل مؤسسات اقتصادية فى بريطانيا مثل EMAN TRUST وهو صندوق موجه لتمويل إخوان اليمن المقيمين فى بريطانيا، بالإضافة إلى تقديمه دعماً مالياً منتظماً لمراكز التعليم الدينى للبريطانيين، الذين اعتنقوا الدين الإسلامى. ويرأس الصندوق أحمد الراوى، وهو من رموز إخوان بريطانيا وسبق له تولى رئاسة كل من اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا وجمعية مسلمى بريطانيا الممثلة لجماعة الإخوان فى بريطانيا. كما قامت الحكومة القطرية بتمويل المجلس الإسلامى بالدنمارك (الفرع الدنماركى لجماعة الإخوان وأحد مكونات اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا الخاضع لسيطرة الإخوان) بمبلغ 20 مليون يورو عام 2014 لبناء أكبر مسجد رسمى بمدينة كوبنهاجن، فضلاً عن تقديم الحكومة القطرية مبلغ نصف مليون يورو لتمويل بناء المسجد الأزرق بهولندا. لمزيد من مقالات د. طارق دحروج