تستعد الهند اليوم لاستقبال رئيسها ال 14، خلفا لرئيسها الحالى براناب موخيرجي، الذى ستنتهى ولايته عقب أيام قليلة. وقد أجرى يوم الإثنين الماضى التصويت من قبل مجمع انتخابى من مجلسى البرلمان والمجالس التشريعية للولايات، حيث ادلى نحو 776 نائبا و 4120 عضوا من المجالس التشريعية للولايات بأصواتهم فى 32 مركز اقتراع، لاختيار الفائز بالمنصب، والذى سيعتلى عرش الهند على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتعد الانتخابات هذا العام ذات طابع مختلف ويكمن الاختلاف فى المرشحين المتنافسين حيث ينتميان لطبقة «الداليت»، تلك الطبقة المهمشة، والتى كانت تسمى قديما بطبقة «المنبوذين»، لكونها أدنى مرتبة فى النظام الطبقى الهندوسي، حيث يبلغ عددهم نحو 200 مليون نسمة، أى تشكل نحو 16% من التعداد السكانى فى الهند، وهم يمثلون أفقر فئات المجتمع الهندى، ويواجهون أشكالا عدة من العنصرية حيث توكل إليهم الأعمال والمهن التى يترفع أبناء الطبقات الأخرى عن القيام بها، كتنظيف المنازل والملابس والجلود. ورغم حماية الدستور والقانون لهم إلا أنهم بالكاد يحصلون على أقل حقوقهم فى التعليم والتقدم الاجتماعي، ولكن ما فشلوا فى الحصول عليه هو تغيير نظرات أصحاب الطبقات الأخرى لهم. وقد سجلت شبكة «سى إن إن» الأمريكية فيديو مصورا مع عدد من النساء المنتميات لها، فقد اتضح انهن يتعرضن لشتى اشكال الاذى سواء بالاعتداء والاغتصاب و عدم احترام آدميتهن وحقوقهن الانسانية وهذا ما اثبتته سجلات الجريمة الوطنية بالهند، كما يتعرض رجالها وشبابها للإذلال بشكل دائم ويمارس التمييز ضدهم فى المدارس والجامعات. ورغم سعى الحكومات الهندية المتتالية لمنح أصحاب تلك الطبقة حقوقهم منذ عام 1950 حينما أعلنت حظر استخدام مصطلح «المنبوذين» فى وصف أبناء تلك الطبقة، ومنحهم امتيازات خاصة إلا انها لاتزال فى اسفل الهرم الطبقي، فقد أعلنت الأممالمتحدة عام 2007 ان التمييز الطبقى يمارس ضد تلك الطبقة وبقوة مما جعل العديد من ابنائها يرون فى الانتحار سبيلا للتخلص من عيشتهم الدونية. ورغم أنه وبفوز أى من المرشحين، فستكون هذه هى المرة الثانية التى يتسلم فيها احد الساسة المنتمين لتلك الطبقة ذلك المنصب بعد تولى رامان نارايانان، رئاسة البلاد فى الفترة من 1997 وحتى 2002، إلا أنه ربما يسعى الرئيس القادم إلى تحسين حال تلك الطبقة ومساعدتها فى الحصول على كامل حقوقها خاصة أنه واحد ممن ذاقوا مرارة التمييز والعنصرية سابقا، ورغم ان المنصب شرفى إلا أن الحدث يمثل خطوة إيجابية نحو التغلب على الرؤية الطبقية ضيقة الأفق. وتشير غالبية استطلاعات الرأى إلى أن رام ناث كوفيند، مرشح حزب الشعب الهندى «باراتيا جاناتا» اليمينى الحاكم الذى يبلغ من العمر 71 عاما، وصاحب أطول فترة كعضو فى الحزب الوطنى الهندوسي، وكان يعمل بالمحاماة قبل أن يتجه للعمل السياسي، وشغل منصب حاكم ولاية بيهار الشرقية سابقا - هو الاوفر حظا. ويعد كوفيند خصما قويا امام مرشحة حزب المؤتمر الهندى المعارض، ميرا كومار، 72 عاما، وهى وجه نسائى سياسى معروف ليس فقط لكونها اول سيدة تتولى رئاسة البرلمان الهندي، ولكن ايضا لكونها ابنة المناضل الراحل جاجيفان رام، والذى اشتهر بدفاعه الدائم عن الطبقات الدنيا. وقد ورثت عن والدها النشاط السياسى وخاصة فى المنظمات الاجتماعية والثقافية، كما تولت منصب وزيرة الشئون الاجتماعية منذ 2004 حتى 2009، وتطرقت للعديد من القضايا الاجتماعية الشائكة وخاضت بسببها معارك شرسة فى البرلمان، كما تولت منصب وزيرة الموارد المائية. وقد أعلن رئيس الوزراء الحالى ناريندرا مودى تأييده لكوفيند، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحاول طمأنته من خلال تأكيده دعم الحكومة نظرا لان نسبة أصوات حزبه الحاكم وحلفائه تشكل نحو 60% مقارنة بأحزاب المعارضة. فقد سعى مودى لاستغلال الأمر لصالحه حيث إن فوز كوفيند سيعزز من هيمنته على الحكم، إلى جانب سعيه لتعزيز شعبيته بين أبناء طبقة «الداليت» والفوز بتأييد المنتمين لها، ويكون بذلك قد ضمن تأييد شريحة انتخابية ستمنحه اصواتها خلال الانتخابات التشريعية المقبلة التى ستكون فى عام 2019.