فى إطار موضوع «ما لا نعرفه عن مصر» ومدى تقصير المناهج الدراسية فى التعريف بما قدمت ومازالت تقدم، أشرنا إلى لمحات من تراثها بالنسبة لأسس الحكم ونظام العدالة ونتناول اليوم ما قدمته فى مجال الصحة والعلاج ونأمل أن نتناول يوماً سائر مجالات العطاء. ولا نقصد بهذا الحديث مجرد إظهار الفرق بين ما كنا وما أصبحنا، الهدف زرع الثقة والقدرة على مواجهة الحالة المتردية لصحة المواطنين وعلاجهم والتوعية بما نحن عليه قادرون. يكتب د. وسيم السيسى أنه كان بالمتحف البريطانى وحوله الناس من أجناس العالم يقفون أمام جمجمة أجريت عليها عملية تربنة منذ 2000 سنة ق.م بجوارها لوحة مكتوب عليها أول جراحة مخ فى التاريخ بمصر الفرعونية. يقول «هيرودوت» المصريون لهم شهرة عظيمة لمعارفهم الطبية ويؤكد زدارن دوسنس. أن أسس العلوم الطبية جميعاً وضعت فى مصر منذ 50 قرناً من الزمان. وجاء فى الأوديسا أن المصريين سبقوا غيرهم فى الطب وكانوا يرسلون أطباءهم لعلاج ملوك البلاد الأخرى دعماً للصداقة. عرف المصرى القديم الطب والعلاج كما عرف الطب الوقائى. كان يزاول المهنة الكهنة الذين استخدموا المشارط وأدوات طبية متقدمة كما توصلوا لعلاج العديد من الأمراض عن طريق استخدام العقاقير المستخلصة من الأعشاب الطبيعية. اهتموا بالتشريح واستخدام العقاقير لإعداد المتوفى للحياة الأخرى عن طريق الحفاظ على جثمانه ضد عوامل التحلل والتلف. اخترعوا الأربطة اللاصقة لضم الجرح دون خياطة، والجبائر لكسور العظام. أما التخدير فكان موضعيا من وضع الخل على رخام من حجر ممفيس أو عموميا من ثمرة أبو النوم «الأفيون» «لمورفين». كانوا يعالجون كسر الترقوة وخلع الفك وخلع الكتف بالطريقة التى نعالج بها هذه الإصابات الآن. تقول احدى البرديات التى كانت تعلم طلبة الطب: اطلب من المريض الذى يشكو من رقبته أن يحاول رؤية بطنه فإذا لم يستطع فإن هذا (ستت) فى الرقبة أى روماتيزم، دلك عضلات رقبته بالزعفران. وصفوا الشلل الرباعى نتيجة كسر فى فقرات عنق الرقبة. كانوا يجبرون الكسور بجبائر خشبية أو جبس أو طمى يأخذ شكل الساق أو الذراع ويجفف فى الشمس وكان اسمه «آدوب» ومنها جاءت كلمة طوب واحيانا كانت الجبائر يوضع عليه باغراء أو زلال البيض حتى يجف. كانت الولادة تتم والأم جالسة على كرسى وهو ما توصل إليه العلم الحديث والمتحف المصرى به أحد كراسى الولادة. كان لديهم أقسام للأسنان ولطب العيون، وقسم خاص للآلات الجراحية. شهرة مصر فى علاج العيون طبقت الآفاق وكان نفرتس أشهر طبيب عيون فى الدولة القديمة فى القرن 2780 ق.م. عندما أصيب قورش الفارسى بمرض عضال فى عينيه لم يشف إلا على ايدى أطباء العيون المصريين. وتشرح لوحة مقبرة ايبوى جراحة فى العين لعتامة العدسة التى يطلق عليها المياه البيضاء سموها ارتفاع المياه وسماها اليونان كاتاراكت أى شلالات المياه. كان الجراح المصرى القديم يشفط العدسة المعتمة بأنبوب رفيع أو يدفعها من مكانها فتسقط فى خزينة العين الخلفية بعيدا عن مسار الضوء فيرى المريض جيدا بعد ذلك احترموا الإعاقة فى العيون ووظفوا فاقدى البصر فى الموسيقى ونجد صورهم على جدران المعابد وهم يعزفون على الهارب أما السمنة فكانت أسوأ انواع الإعاقة اعتبروها دليلاً على ترهل الأمة وكسلها. الصيدلية كان اسمها «فارماركا» وأصبحت الآن فارماسى ويرى «مانيتون» أن الأفعى على كأس الدواء هى «هاتور» إله الصحة تعلن أنها تعطى الصحة لمن يتناوله. شجرة الصفصاف استخرجوا من جذورها مادة مسكنة للألم (بردية أيبرز 239) التى استخرجها حديثاً الألمانى فيلكس هوفمان وعالج بها والده من الروماتويد وسماها الأسبرين عرفوا البصل والثوم وأنهما من وسائل تشخيص انسداد انابيب فالوب ونجد شرح الطريقة فى بردية كاهون. استعملوا كبد الثور الذى به فيتامين ب12 لعلاج الأنيميا الخبيثة وكذلك فيتامين (أ) كما استخدموا كبد الثور كعلاج للعشى الليلى كما كانوا على دراية كبيرة بتركيب الأدوية وذلك بخلط بعض المواد والأعشاب بنسبة معينة. سمكة الرعاد الصغيرة Eel Fish كانوا يعالجون بها الصداع النصفى بوضعها على رأس المريض فكانت تعطى شحنة كهربية للمخ تشفى من الصداع وبعض الحالات النفسية ونحن الآن نعالج بجلسات الكهرباء E.C.T أو Electro Convulsive Therapy عرفوا العلاج بالرقص عالجوا به شلل الأطفال، ونجد على احدى الجداريات ساقا مشلولة لطفل سنه عشر سنوات وهو يرقص على انغام الموسيقى وهذا ما نسميه بالعلاج الطبيعى. والآن فقط اكتشف الغرب طاقة حيوية كامنة فى كل درجة من درجات السلم الموسيقى كما اكتشفوا دورها فى تعويض الطاقة المفقودة فى العضو المريض واليوم تقام المعاهد، خصوصا فى انجلتراوالمانيا، للعلاج الموسيقى. نقلت إلينا البرديات أسماء بعض العقاقير وطريقة تركيبها والأمراض التى تعالجها. وتعتبر بردية «إدوين سميث» وعمرها 3500 سنة أول مرجع طبى من مصر القديمة وتتبع طرقا علمية فى التشخيص والعلاج. وبكثير من الأسى يسجل د. السيسى «ألى» حراما أن تكون بردياتنا الطبية خارج بلادنا «بردية ايبر» فى جامعة ليبزج «المانيا» وبردية هيرست فى كاليفورنيا وبردية ادوين سميث فى نيويورك وبردية شستر بتى فى المتحف البريطانى وبردية برلين فى متحف برلين وغيرها كثير فى لايدن وتورين فى روما وبودابست «والسؤال هو: لماذا لا ننشئ متحفا للعلوم الطبية فى مصر القديمة أسوة بالمتحف الذى أنشأه د. العقاد عن الزراعة عند قدماء المصريين» نسترد فيه بردياتنا ونجمع فيه آلاتنا الجراحية ونوضح فيه ما وصلنا اليه من انجازات ليعرفها الأجيال الحالية والقادمة وتهتم بها كليات الطب بفروعها؟ لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا;