هل نشهد الآن نهاية العالم العربى فى ظل حالة الاضطراب والحروب الأهلية، وتفكك الدول؟ منذ الحرب العربية العربية الباردة فى الستينيات والسبعينيات ثم تمدد النزاعات العربية العربية فى عقد الثمانينيات ذهب بعض الباحثين إلى نهاية الفكرة العربية الجامعة، ومعها بدأ الصراع على الروح المصرية، وذلك عقب التسوية المصرية الإسرائيلية؟ هل الدولة كفكرة ومشروع تمثل حالة استثنائية شكلت هياكلها، وصيغ مفهومها فى ظل المرحلة الاستعمارية، وورثت بعض أشكال ورمزيات الدولة دون تقاليدها السياسية، وثقافة الدولة الحديثة، والتمايز بين السلطة الحاكمة والدولة كفكرة ومفهوم تجريدى ورمزى يتجاوز سلطاتها وأجهزتها فى الوعى الاجتماعى والسياسى الجمعي؟ هل هشاشة دولة ما بعد الكولونيالية، وتفكك بعضها يعود إلى الحروب الأهلية التى نشبت عقب الانتفاضات الجماهيرية فى مصر وتونس، وتمددت شرارتها وأدوارها إلى بعض دول الإقليم فى اليمن، وسوريا، وليبيا؟، بعض الباحثين الغربيين من المستشرقين الجدد أو ما يطلق عليهم خبراء المنطقة يذهب إلى القول إن الدولة العربية ما بعد الاستقلال تبدو ككيان طارئ فى واقع لايزال يتسم بالانقسامية، والتعدد الدينى والمذهبى والعرقى والقومي، ومن ثم يشكل الإسلام السياسى ومن ثم الدين الرابط الجامع لهذه المجتمعات التى تتسم بضعف التكامل الداخلى على العديد من المستويات السياسية والاجتماعية، والرمزية، والثقافية. من ثم يميل بعض هؤلاء الباحثين الغربيين إلى دعم الجماعات الإسلامية السياسية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين من أجل احتواء عمليات العنف الراديكالى والنزعة الإرهابية الوحشية مع القاعدة، و«داعش» ونظائرها وأشباهها. هذا الاتجاه السائد لدى بعض دوائر اليسار الأوروبى والغربي، يبدو أن داخله من يرى أن ثمة فشلا تاريخيا للحداثة الغربية فى المجتمعات والدول العربية ما بعد الاستقلال! تقاليد الدولة العربية ما بعد الاستقلال ولدت هشة وشكلية فى دساتيرها وسلطاتها وقوانينها، وورثت أساليب الإدارة الاستعمارية فى نموذج الحكم الذاتى على النمط البريطاني، أو الإدارة الاستعمارية المباشرة على النمط الفرنسي، من ثم لم تكن هناك ثقافة للدولة كمفهوم تجريدى ومتعال ورمزى يتجاوز مكوناتها الأساسية، الإقليم، والشعب، والسيادة وتجسيداتها فى سلطاتها الثلاث، وأجهزتها المختلفة، التى يفترض أنها تتجاوز وضعية من يسيطر على مقاليد السلطة، ومن ثم الحكم فى البلاد والاستثناء مصرى وإلى حد ما مغربي. النماذج الحديثة للدولة / الأمة، لا تزال تتطور فى جدل بين تحولات الرأسمالية العولمية، والثورة الرقمية، على نحو يشير إلى بشائر لتحولات نوعية كبرى فى طبيعة الدولة وتشكلات المجتمعات وعلى مستوى الطبقات الاجتماعية، ونظم القيم الأساسية، والمؤسسات السياسية، والقوانين، من خلال التحول من الإنسان الطبيعى إلى الإنسان الرقمي. أين الدولة العربية الهشة أو المنهارة من كل هذه التقاليد والمؤسسات والعلاقات والتحولات؟ تاريخيا الدولة العربية ما بعد الاستقلال، ولدت معاقة بنيويًا واختزلت فى بعض علامات ورموز الدولة، والشعب المنقسم ومكوناته الدينية والمذهبية، والعرقية والقومية، والقبلية والعشائرية والعائلية ، فى العلم وهراوة الشرطى وبندقيته، والإذاعة والتليفزيون، والبنك، والدبابات والطائرات، والجيوش، والسجون وقصر الحكم. ظلت الدولة وسلطاتها وأجهزتها ككيانات خارجية مفروضة بالقوة الغشوم، وساعدت الجماعات الإسلامية السياسية والسلفية على دعم ثقافة الدولة ككيان مستورد وجزء من الإرث الاستعماري، ومن ثم تبدو مجروحة الشرعية، أو منعدمة من منظورها التأويلى الدينى الوضعي، وخلطها بين الدولة الحديثة وبين أشكال الدولة ما قبلها، ومن ثم دعمت نموذج الدولة الدينية والخلافة الإسلامية! من هنا تفككت بعض هذه الدول فى العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وانقسمت فى السودان إلى دولتين. المرجح أن العالم العربى مرشح لمزيد من الانقسامات والتفتت والتذرى والصراعات الداخلية والبينية فى ظل هشاشة وتفكك الدول والمجتمعات، وانهيار الأفكار الجامعة من القومية العربية إلى الخلافة الإسلامية، فى ظل تمدد وهيمنة تركيا، وإيران، وإسرائيل. عديد من الشعارات الكبرى تتحطم الآن وفى المستقبل، بينما العالم يتجاوز وطنا عربيا يتبدد ويعود إلى ما قبل الدولة الحديثة وتتآكل وتذوى ثقافة الحداثة المعطوبة، والمدن الحديثة وثقافتها الحاملة لمفاهيم الزمن، والنظام، والفراغات العامة، وأخلاقيات وقيم المدنية التى تريفت ومعها الدولة، أو تبدونت ومعها تراجع التصنيع، وثقافته وقيمه وسلوكياته، وتمددت قيم الكسل، وعدم الكفاءة، وضعف الإنجاز، وعدم الرشادة والتواكلية والقيم الدينية الوضعية الماضوية والصراعات المذهبية والدينية والطائفية والعشائرية. عالم عربى ممزق على جغرافيا الألم والإغفاءة التاريخية. لمزيد من مقالات نبيل عبد الفتاح