تنزلق أقدام الولاياتالمتحدة نحو الحرب فى سوريا خطوة فخطوة، فقد كانت طائراتها تشن غارات بالخطأ على المواقع السورية، ثم تحولت إلى ضربات متعمدة، وفى الأيام الأخيرة زادت حدة لهجتها، وأعلنت أنها ستضرب القوات السورية مغ سبق الإصرار والترصد، بدعوى أن الجيش السورى ينوى استخدام أسلحة كيميائية فى ضرب المعارضة المسلحة المعتدلة، وأثار التلويح الأمريكى بشن هجمات على الجيش السورى مخاوف إشعال حرب واسعة، خاصة أن روسيا توعدت بإسقاط أى طائرات أمريكية تدخل نظاق عملها، ووصفت إيران التهديد الأمريكى بأنه لعب بالنار، يترافق مع تكثيف الهجمات الإسرائيلية على الجيش السورى قرب مرتفعات الجولان، بالتنسيق مع جبهة النصرة الإرهابية، وهو ما أعاد التساؤل حول إمكانية التدخل العسكرى المباشر للولايات المتحدة وإسرائيل فى القتال الدائر فى سوريا، وهل تفكك الجماعات التكفيرية وانكسارها سيفتح الطريق أمام حرب مباشرة؟ الإنتصارات السريعة والمتوالية للجيشين العراقى والسورى تثير مخاوف إسرائيل والولاياتالمتحدة من تزايد قوة التحالف الإيرانى السورى العراقي، والذى يضم حزب الله اللبناني، والذى اقترب من تحوله إلى كتلة جغرافية واحدة، مع بدء السيطرة على الحدود العراقية السورية، لهذا لن تدخر الولاياتالمتحدة جهدا لوضع يدها على الحدود السورية العراقية أو فصل جنوبسوريا المتاخم لإسرائيل والأردن، ولأن الضربات الجوية لن تكفى وحدها فى تغيير مسار الحرب، التى يربحها الجيشان السورى والعراقى وحلفاؤهما، فقد عادت خطة التدخل العسكرى المباشر لتطرح نفسها، وهى خطة لها مناصروها ورافضوها داخل وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فالمناصرون يقولون إن الحرب مع حزب الله وإيرانوسوريا حتمية، ولهذا قإن خوضها اليوم أفضل من الغد، فالوقت فى صالح هذا التحالف، الذى سيزداد قوة، وسيضم العراق الذى أصبح قوة عسكرية لا يستهان بها، بعد أن تمكن من هزيمة داعش وتحرير الموصل. أما الرافضون فيحذرون من الثمن الباهظ للحرب، والذى قد لا تتحمله إسرائيل، التى ستصبح مدنها عرضة لآلاف الصواريخ البالستية من إيرانوجنوبلبنان. إن موازين القوى على الأرض تقول إن الجيشين السورى والعراقى وحلفاءهما من الحشد الشعبى العراقى وقوات الدفاع الوطنى السورية ومقاتلى حزب الله يتجاوز عددهم المليون مقاتل، بينما القوات الموالية للولايات المتحدة لا تتجاوز 50 ألف مقاتل، لهذا تحتاج الولاياتالمتحدة نحو نصف مليون مقاتل، وهو عدد يقترب من القوات الأمريكية التى احتلت العراق، وإذا دخلت إسرائيل الحرب وكذلك إيران فإن الحرب ستكون أكثر ضراوة، ويصعب تحقيق انتصار سريع فيها، وهو ما يعنى حرب استنزاف طويلة ومنهكة، وقد اعتاد العراقيون والسوريون وحلفاؤهم على أجواء الحرب، لهذا سيتحملون دخول حرب جديدة، وإن كانت أكثر ضراوة، لكن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لن تتمكنا من احتمال حرب طويلة وخسائر كبيرة، فالقدرة على احتمال الخسارة أحد العناصر المهمة فى الحرب، فقد انتصرت فيتنام على الولاياتالمتحدة فى السبعينيات لأنها قادرة على تحمل الخسائر أكثر من الأمريكيين. وإذا أضفنا الوجود الروسى فى الجو والبحر وربما الأرض فإن حربا كهذه ستصبح أكثر دموية، حتى مع عدم استخدام أسلحة نووية، لكن يمكن لروسيا أن تكتفى بمنح الجيش السورى بطاريات صواريخ إس 300 فقط، لكى تضعف التفوق الجوى لأمريكا وإسرائيل. لم تعد الحرب الخاطفة ممكنة، والتجربة الأمريكية فى العراق مازالت ماثلة فى الأذهان، فقد بدأ النزيف الأمريكى بعد إعلان الرئيس الإمريكى الأسبق جورج بوش الانتصار على العراق بعد دخول بغداد، واضطر إلى الانسحاب. كما أن التحالف الأمريكى فشل فى إسقاط النظام السورى وهو بكامل طاقته، وقت أن كان يضم تركيا وقطر وجماعة الإخوان فى صفوفه، وكانت الجماعات المسلحة فى أوج قوتها العسكرية والمعنوية، وتحظى بدعم إقليمى ودولى، وقد خسرت الآن الكثير من قدراتها، وتصدع التحالف الأمريكى بخروج تركيا وقطر وتراجع الدعم الإقليمى والدولى، وخسارة مئات المليارات فى هذه الحرب الطويلة والمدمرة. لم يعد أمام الولاياتالمتحدة إلا استمرار الرهان على أكراد سوريا، وتأمل أن يتمكنوا بفضل مساعدتها القوية من الاستيلاء على مدينة الرقة، وربما يجدون طريقا للانطلاق إلى الحدود السورية العراقية، وتلوح أمريكا للأكراد بأنها سوف تدعم إقامة دولة كردية مستقلة، أو على الأقل فرض إقامة دولة فيدرالية، يحظى فيها الأكراد باستقلال نسبي، لكن أزيز الدبابات التركية يعكر صفو الحلم الكردي، فقد اندفعت عشرات المدرعات وقطع المدفعية التركية، وأطلقت القذائف على الأكراد من الخلف، ليستفيقوا من حلم الدولة المستقلة على دوى القذائف التركية، والتى تقول بصوت مزلزل إنها لن تسمح بتقدم الأكراد أو إقامة كيان مستقل لهم، وتعلن أن عدوها لم يعد النظام السورى بل المقاتلون الأكراد الذين تدعمهم الولاياتالمتحدة. هكذا يكاد الحلم الكردى يتبدد ومعه الحلم الأمريكى بالسيطرة على جزء كبير من سوريا، خاصة المنطقة الحدودية بين العراقوسوريا، ولهذا ستظل أمريكا تلوح بالتدخل المباشر، للضغط السياسى على روسياوسورياوإيران، ربما تحقق بالتهديد بعض المكاسب، لكن المخاظرة بالتدخل المباشر فى الحرب لن يحقق لها سوى المزيد من الخسائر. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد