من حق المسلمين أن يفرحوا بعيد الفطر السعيد، في نشوة وغبطة ورضا كبير، وأن يحتفلوا به، والبشر يعلو وجوههم، والبسمة تبرز على شفاههم، والأيدي الطيبة تتصافح في ود، والقلوب النقية تبتهج في يمن راضية عما قدمت من خير وبر وفضل، إن الكل منشرح مسرور بنعمة من نعم رب العالمين، هو عيد مبارك حبيب جاء ليكرمهم ، ويعلن تمام الصيام، وانتهاء الأيام المعدودات التي شهدت جلال الإمساك، وسمو التقوى والطهر والطاعة والتوحد والإحسان، وليس هناك أسعد منهم، فقد انتصروا على أنفسهم، وقهروا اللذات والشهوات، وفازوا في مجال الصبر والإرادة وصالح الأعمال، معتصمين بالصيام والقرآن، وهم جديرون بالعيد، فرحون بتولى المولى عز وجل جزاءهم الجزيل حيث قال سيد المرسلين: « كل عمل إبن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف: قال الله تعالى: « إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزي به». والحق أن عيد الفطر عيد إسلامي عظيم، يحشد مكارم عديدة تحتفى بالقيام بالواجب، وتوقير الطاعة والإخلاص، وإرضاء المسلم ربه بصيامه وقيامه، وزيادة حبه لمولاه والاقتراب منه، وشغفه بأنواع الإحسان وحرصه على حسن العبادة، وإخراج الزكاة. إن فرحة عيد الفطر هي أولى الفرحتين اللتين وعد بهما الصائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه» . والفرح كبير بالعيد السعيد ومنته وجائزته، حيث سمى يوم عيد الفطر في السماء بيوم الجائزة، يتفضل الله بها على الصائمين في يوم عيدهم، وهي جائزة التوفيق لما قدموا من صالح الأعمال. روى الطبري في معجمه الكبير عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: « إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا أغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل ، لقد أمركم بقيام الليل فقمتم، وأمركم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فأرجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة» . ومن الواجب على المسلمين أن يتمسكوا بدروس الصوم ومكاسبه، ولا يذهبوا إلى أن شهر العبادة والصوم قد انتهى، وأصبحوا في حل من قيود العبادة ومحاسن الأخلاق والعادات، فإن الذي فرض عليهم صيام رمضان باق إلى ما لا نهاية، رقيب محاسب في كل لحظة، ولذلك يلزم الجميع أن يجعلوا رضا الله هدفهم، وطاعته مقصدهم، ونور الحق الهادي الذي يمثله كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منهجهم وسلاحهم، ومن المحتم عليهم عدم التفريط في كل ما تفرضه الأخلاق والإصلاح والاستقامة. إن يوم العيد يوم طاعة وبر لا يوم فسوق ومعصية، وهو يوم الخير والحلال، الذي لا يعرف الشر والفواحش والحرام، ولا ننسى أن آثار الصوم وحكمته، وآدابه وأخلاقه المباركة لا ترضى عن أن نقوم بالنأي عن البر والإحسان والإخلاص والرحمة والعدل، بل تحثنا على أن نكون دائما مظهرا حيا كريما لنشر المعاني الإنسانية الفاضلة، ونبعا مكينا للمشاعر الأخوية الصادقة والأعمال الصالحة، وأن علينا أن نساعد الفقراء والمساكين، وندخل السرور على المحزونين، وندعم كل صور التعاون والتكافل ، ونبث كل وجوه التسامح والرحمة والتعاطف. إن طريق الخير والفلاح هو طريق التقوى، وهي الغرض من الصيام وطريق الجنة، ولنعلم أنها خير زاد ولا عيد للسعادة والفوز والرضوان بغير مددها الأمين وفضلها الواسع المتين. الأستاذ بجامعة الفيوم لمزيد من مقالات د. حامد شعبان