إنه سوق الخيرات الذي انعقد ثم انفض .. ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر .. ويتوجع المتقون لفراق هذا الشهر الكريم ويتذكرون أيامه ولياليه التى كانت عامرة بالخيرات مليئة بالطاعات والعبادات.. ساعات قليلة وينتهى شهر رمضان المبارك وإذ بالمساجد تعود مرة أخرى خاوية إلا من أهلها الذين يداومون على العبادات والطاعات، فلماذا ينتكس الناس بعد رمضان وينشغلون مرة أخرى بدنياهم بعد أن ذاقوا حلاوة القرب من مولاهم ؟ علماء الدين يؤكدون أن العبادات والطاعات التي يقوم بها المسلم في شهر رمضان لابد أن تستمر بعد انتهاء الشهر الفضيل لأن رب رمضان هو رب ما بعد رمضان . ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بحقوق القاهرة، إن الله تبارك وتعالى فرض العبادات على الإنسان ليتحقق فيها أكبر قدر من الاستفادة والتأثير على سلوكه، ففريضة الصوم ليست خاصة بتلك الفتة الزمنية وحدها وهو شهر رمضان من ناحية أثرها وإنما لتغيير سلوك المسلم ليستفيد من أثرها طوال العام، وبالتالي يجب على المسلم أن يداوم على سلوكياته الحسنة في تعاملاته مع الآخرين ودوام الذكر وقراءة القرآن وفعل الصدقات والطاعات وصلة الأرحام وإمساك لسانه عن الإساءة للغير، لان هذا هو الهدف من التشريع الإسلامي الذي يهدف إلى بناء الشخصية المسلمة السوية، فرب رمضان هو رب كل العام. وأضاف: إنه من المؤسف أننا نجد ظاهرة تحدث في المجتمع وهى اكتظاظ المساجد في شهر رمضان بالمصلين وانتشار موائد الطعام وكثرة القربات وصلة الأرحام وفجأة يقل هذا تدريجيا عند فجر آخر يوم من رمضان، وتعود الأمور إلى طبيعتها قبل هذا الشهر الكريم، وهذه الظاهرة تحتاج إلى توعية لأن العبادات لها مدلول وهدف فالنبى، صلى الله عليه وسلم، قال: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له) ويقول أيضا (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)، ومثل ذلك في الحج والزكاة وغير ذلك من العبادات، والناس يقولون إن القليل الدائم أفضل عند الله من الكثير المنقطع، وهذا لا يتحقق إلا إذا قام المسلم بتذكير نفسه دائما برقابة الله الدائمة له بعد ان قام بعبادة الصوم فلم يهمل هذا المجهود الذي قام به ويضيعه بهذه السلبية؟ وهو أمر يتسبب فيه النسيان البشرى وتدخل الشيطان دائما بإحباط عمل الإنسان وإبعاده عن التواصل في عبادة ربه ويلهمه أن ما قام به في شهر رمضان هو كاف بانتهاء هذا الشهر. وفي سياق متصل يقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين السابق بأسيوط، إن من الدروس والعبر التي يجب ان يصطحبها المسلم بعد شهر رمضان ان يداوم على ما كان علية من الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي كان عليها في شهر رمضان ومن ذلك دوام مراقبة الله عز وجل فالمسلم الحق الذي صام شهر رمضان وكان يخلو بنفسه وليس معه احد ويستطيع أن يأكل ويشرب لكنه يراقب ربه عز وجل بل انه يدخل الماء في فمه أثناء الوضوء عدة مرات ومع ذلك يخرج كل قطرة دخلت في فمه إلى الخارج مراقبه لله عز وجل، هذا العمل العظيم الذي كان يعمله في شهر رمضان لو انه داوم عليه بعد شهر رمضان لكان من الصالحين. واستدامة الطاعات فالمسلم الذي صام شهر رمضان صياما كاملا وصلى صلاة التراويح وراجع القرآن الكريم على قدر اجتهاده وما إلى ذلك من الطاعات عليه أن يستمر في ذلك بعد شهر رمضان لأنه لا يضمن هل يأتي رمضان الذي بعدة وهو على قيد الحياة. ومن أعظم الدروس الرمضانية أن يكون الإنسان مواظبا على عبادة الله عز وجل بعد رمضان كما كان مواظبا عليها قبل ذلك. ويجب على المسلم يبتعد عن المحرمات التي تغضب الله عز وجل فمن صام شهر رمضان كان يمتنع عن اللهو وعن الصخب وعن شهادة الزور وما إلى ذلك من جانبه قال الدكتور سعيد عامر، أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر، إن رمضان سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، والمسلم يتوجع لفراق رمضان ويتذكر أيامه ولياليه التى كانت عامرة بالخيرات مليئة بالطاعات والعبادات وينتهي رمضان وإذ بالمساجد تعود مرة أخرى خاوية على عروشها إلا من أهلها المتقين، فلماذا ينتكس الناس بعد رمضان وينشغلون مرة أخرى بدنياهم بعد ان ذاقوا حلاوة القرب من مولاهم؟ فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان انفض ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت. واحذر من قول الله: «وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا» [النحل: 92] وهكذا حال من كان يقوم رمضان ويسارع في الخيرات فالإسلام هو دين الاستقامة على أمر وطاعة الله حتى نلقاه فقال تعالى ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، واليقين هو الموت فكن ربانيا ولا تكن رمضانيا، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).