«التنّورة» من أشهر الفنون الاستعراضية، و واحدة من الرقصات الشعبية التراثية الصعبة، وتُعد من أساسيات الأمسيات الرمضانية، وحفلات الزفاف والأفراح الخاصة بالمناسبات، وعلى متن المراكب السياحية التى تجوب البلاد على ضفتى النيل فى الرحلات الطويلة أو فى رحلات الإفطار فى رمضان، والخيم الرمضانية في النوادى والقرى السياحية والفنادق والأماكن الأثرية التاريخية، وهى ضمن مشاركات وزارة الثقافة المصرية فى المهرجانات الشعبية والتراثية الدولية، وتبهر المشاهدين على اختلاف مشاربهم لتفردها فى الأداء المبهر الصعب الذى يحتاج لمهارة فائقة، وراقص يتحلى بمواصفات خاصة مثل اللياقة البدنية والمرونة الحركية والتوازن النفسى والتركيز الشديد، وأن يتمتع ايضا بأذُن موسيقية لضبط ايقاعاته مع الانشاد الدينى والموسيقى المصاحبة. ...................................................... وتعود جذور رقصة التنورة إلى الحضارات المتعاقبة، الإسلامية، وقبلها القبطية، وتمتد إلى الأصل الفرعوني. وتتناسق الرقصة فى مجموعها أو بمعنى أدق فى تجميع أشكال أدائها، فالحركة هى الشكل الأساسى للرقص عموما، يضاف إليها «الحالة» فى التنورة، والهدف من هذا الأداء الذى يعود بنا إلى العصر الفاطمى الذى ينسب إليه البناء المصرى لرقصة التنورة حيث تعود جذورها الى الأتراك في «التكايا»، والتكية هي المضيفة التى ينشئها أمير أو شيخ طريقة صوفية للفقراء والغرباء وأبناء السبيل والدراويش، ومن أهم وأشهر «التكايا» كانت للشاعرالصوفي الذى لقبه والده ب «مولانا» «جلال الدين الرومي» (1207 – 1273 هجرية) فى «قونية» بتركيا، وحوّلها الفنان المصرى فى العصر الفاطمى إلى كيان يحمل الصورة المصرية المتكاملة باستخدام الصاجات والمزمار والربابة والطبلة بعد أن كانت تعتمد على الدفوف فقط عند الأتراك. وكانت الفقرة الأولى تبدأ بحلقة من أربعين درويشا يحنون رءوسهم وأجسادهم بخطوة نحو اليمين مع كل ترديدة للفظ الجلالة، ويتوسط الحلقة أحدهم دائرا حول نفسه بتحريك رجليه، ويداه ممدودتان للأمام لتبدأ ملابسه (التنورة) فى اتخاذ شكلها الدائرى مع السرعة التدريجية فى الدوران، مختتما بانحناءة أمام شيخه الجالس داخل الحلقة، وينضم اليه الدراويش بترديد لفظ الجلالة بقوة تزداد تدريجيا إلى نهاية الفقرة. وكان الراقص التركى خصوصا فى حلقات ذكر طائفة «المولوية» يلف جسمه بتنورة ويرتدى الطربوش والجلباب الأبيض والصديرى يليه «جيب» يتدلى من الوسط إلى أسفل القدم، لكن الفنان المصرى أضاف الآلات الشعبية والدفوف ثم الفانوس، وجعل التنورة من قماش الخيام الخشن، فوق الجلباب، وزخرفه بأشكال إسلامية، ووضع «السير» ليمكنه من فك ورفع دائرة التنورة لأعلى أثناء الحركة. وانتشرت التنورة من مصر إلى بلاد المغرب، وأدخل عليها فنانوها الألوان التى اشتهرت بها الطرق الصوفية فى مصر فشملت كل الألوان، كما ابتكر الفنان المغربي تنورة أخرى تجعل الراقص يبدو وكأنه فانوس حينما تنفصل عن الأولى، وكأن الجسد يحترق لتسمو الروح، وهى الفكرة التى تقوم عليها رقصة التنورة فى الدوران الذى يرمز إلى حركة الكون فى دوران الذرة والأجرام السماوية والشمس، وأهم من ذلك كله حركة الطواف حول الكعبة، لتسمو الروح أيضا بعد إجهاد الجسد لتصبح طقوسا دينية لما بعد الموت اتخذها دراويش «المولوية» فى لباسهم الأسود رمزا للقبر، والأبيض تحته رمزا للكفن والقبعة الطويلة رمزا لشاهد القبر. العجيب أن وزن التنورة يزيد على عشرة كيلو جرامات، ويصل إلى 15 كيلو في بعضها، وقطرها يبلغ سبعة أمتار، ويزيد عرضها على المتر. واتخذ صانعو التنورة حيّ الحسين والغورية مقرا لهم فى شارع الخيامية امتدادا للغورية، لتصنيعها وبيع مستلزماتها. ورسم الفنان «جان ليون جيروم» لوحة «دراويش المولوية» عام 1895، وكذلك رسم الفنان الرائد «محمود سعيد» لوحة «الدراويش»، وهي من أشهر أعماله، واستوحاها من التنورة التي تناولها العديد من الفنانين من الأجيال التالية منهم عماد رزق وطاهر عبد العظيم والعديد من محترفى الفوتوغرافيا المصريين والأجانب.