لم يشفع شهر رمضان بكل روحانياته في تهدئة القتال المستعر في اليمن منذ أكثر من عامين ، ولم ينجح المبعوث الأممي إسماعيل ولد أحمد الشيخ في الحصول على وعود واضحة من الطرفين بهدنة مؤقتة تفتح المجال لجولة جديدة من المفاوضات . الأوضاع السياسية المتجمدة يرافقها سعار المواجهات العسكرية الساخنة في جبهات تعز، ونهم، وصعدة وبعض مناطق شبوة ، بينما تلتهم الكوليرا أجساد اليمنيين بالمئات وتنتشر بشكل مفزع في مختلف المناطق . على الصعيد العسكري تمكنت القوات الحكومية المدعومة بالمقاومة الشعبية من السيطرة على معسكر التشريفات التابع للحرس الجمهوري بالتزامن مع معارك استكمال تحرير قصر الشعب ومعسكر الأمن المركزي ووادي صالة وهي مناطق حيوية في تعز التي لا تزال أجزاء منها محاصرة ، وهي خطوة رمزية تعكس تراجع قوة الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح نتيجة الإستنزاف المستمر والحصار المحكم جوا وبحرا وبرا وشحة الإمكانات، كما تصدت قوات الجيش للهجوم العنيف في ساحات القصر الجمهوري شرقي المدينة، وكبدت الانقلابيين خسائر كبيرة . هجوم على ناقلة نفط وفي خطوة لافتة تهدف إلى تخفيف الضغوط الدولية على الحوثيين وصالح وقع هجوم على ناقلة نفط تحمل علم جزر مارشال لدى مرورها في باب المندب من قبل زورق بحري، وذلك باستخدام ثلاث قذائف أر بي جي قبالة السواحل اليمنية، وبينما نفى الحوثيون إتهامات لقوات التحالف العربي بمسئوليتهم عن الهجوم يتوقع مراقبون أن يتخذ التحالف من هذه العملية مدخلا لشن معركة الحديدة وهو القرار الذي ترفضه الأممالمتحدة لكلفته الباهظة بشريا وعسكريا وكون الميناء هو الوحيد الذي تصل عبره المساعدات الخارجية و70 % من واردات البلاد وإمدادات الغذاء. وكان الحوثيون شنوا هجوما على فرقاطة سعودية قبل عدة أشهر بثلاثة زوارق انتحارية فى أثناء قيامها بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة، وقبلها هجموا على سفينة مساعدات إنسانية إماراتية كانت تنقل مواد إغاثية وطبية للمدنيين . وفي حين رحب تحالف دعم الشرعية بمقترحات ولد الشيخ بتسليم ميناء الحديدة إلى طرف ثالث محايد لإدارته لضمان عدم إستغلاله في تهريب الأسلحة وعدم مصادرة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى الشعب اليمني، رفضت جماعة الحوثيين هذا المقترح تماما وإمتنعت عن حضور جلسات للأمم المتحدة لبحث هذا الأمر ضمن حزمة شاملة من الإجراءات . معركة الحديدة وفي إفادته أمام مجلس الأمن الدولي كشف المبعوث الأممي عن مقترحات لتجنب الصدامات العسكرية في الحديدة تتضمن عناصر أمنية إقتصادية وإنسانية تسمح باستمرار تدفّق المواد الإنسانية والتجارية عبر الميناء، وضمان إنهاء أي انحراف بعوائد الجمارك والضرائب، واستخدامها من أجل تعزيز دفع الرواتب وتقديم الخدمات . لكن القوات الحكومية اليمنية فيما يبدو تنتظر القرار السياسي للسيطرة على ميناء الحديدة وفقا لتصريحات اللواء محمد المقدشي رئيس الأركان اليمني والذي أكد أن الجيش يحرز تقدماً في جبهتي تعز، ونهم يتوافق مع التقدم العسكري الكبير على الشريط الساحلي في المخا، والخوخة، وميدي، وهذه التحركات ستفتح المسار في حال صدر القرار السياسي للتقدم بسرعة متوازية مع باقي الجبهات نحو مدينة الحديدة في أسرع وقت . صورة محبطة وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي رسمت إفادة المبعوث الدولي في مجلس الأمن صورة سوداوية محبطة عن تحريك عجلة السلام المتعثرة في اليمن، ما جعله يطالب بحث الأطراف على التعاون المباشر والتباحث حول كيفية إنهاء النزاع ووقف هدر الدماء وعدم تعريض المواطنين للمجاعة والأمراض. وجاء تأكيد ولد الشيخ على أن أطراف النزاع تواصل أخذ البلاد الى الهاوية وغير مكترثة بآلاف المواطنين الذين يخسرون حياتهم، ليعكس تبرمه من حالة الجمود وإنسداد الآفاق وتعقيدات الشروط المعيقة لأي تقارب أو حلحلة ولو جزئية ، رغم ورود معلومات نفتها الحكومة الشرعية عن مقترحات عمانية جديدة للتوسط بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي وصالح حول خطة الأممالمتحدة لاستئناف محادثات السلام على أساس إجراءات لبناء الثقة، وهو الأمر الذي كان متوقعا بأن يفضي إلى استضافة لقاءات جديدة بين الأطراف المتحاربة في ضوء زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي إلى مسقط قبل أيام .المخلافي بدوره أكد استعداد الحكومة الشرعية لعمل كل ما من شأنه أن يخفف من معاناة الشعب اليمني وإحلال السلام وفق المرجعيات والتعاون مع المبعوث الأممي، لكنه شدد على أن معاناة اليمنيين ناجمة عن الحرب التي فرضها الانقلابيون على اليمن مما فاقم الوضع الإنساني . وأضاف أن الحرب القائمة في البلاد لم تكن خيارًا للحكومة وإنما فرضت على الشعب من خلال ميليشيا استولت على الدولة وغزت المدن ونهبت ودمرت المنشآت.. وإعتبر وزير الخارجية اليمني أن الانقلابيين ليسوا جادين في السلام ولا يدركون مخاطر الأوضاع والمعاناة التي يعيشها اليمنيون من الناحية المعيشية والصحية ، مشددا على ضرورة وقف استخدام ميناء الحديدة في تهريب السلاح الإيراني إلى ميليشيا الانقلاب . نكبة الكوليرا وعلى الصعيد الإنساني والصحي يواجه ملايين اليمنيين مخاطر شديدة مع الإنتشار السريع لمرض الكوليرا وضعف الإمكانات لمواجهته. وكشفت التقارير الدولية عن اجتياح غير مسبوق لمرض مما أدى إلى أوضاع مأساوية وكارثية بالنسبة للأطفال. وأكد كريستوف بوليراك المتحدث باسم منظمة اليونيسيف في جنيف أنه تم الإبلاغ خلال شهر واحد عن 70 ألف حالة كوليرا ، و600 حالة وفاة، متوقعاً أن تصل أعداد حالات الإصابة خلال الأسبوعين القادمين إلى 130 ألف حالة . وقال إن الكثير من الأسر تكاد لا تستطيع تحمل تكلفة إحضار أبنائهم إلى المستشفى، إلا أن هؤلاء الأطفال هم المحظوظون لأن غيرهم الكثيرين في أنحاء اليمن يموتون في صمت نتيجة أسباب يمكن علاجها بسهولة مثل الكوليرا والإسهال وسوء التغذية . وأكد المدير الإقليمي لليونيسف أن الوقت قد حان لأن تعطي أطراف الصراع الأولوية لفتيان وفتيات اليمن، وتضع حدا للقتال عبر اتفاق سياسي سلمي.