العلاقات الروسية القطرية تظل تثير الدهشة المفعمة بالكثير من المرارة، بتقلباتها صعودا وهبوطا، من العداوة والخصومة الشديدتين، إلى التعاون الوثيق بمباركة مباشرة من جانب الكرملين. ويذكر التاريخ القريب الأزمات التى نشبت بين البلدين منذ التصفية «المثيرة للجدل» للرئيس الانفصالى الأسبق سليم خان يندربييف فى قطر فى عام 2004 والتى اتهمت السلطات القطريةروسيا بتدبيرها آنذاك، وتعرض السفير الروسى فلاديمير تيتارينكو للضرب والاهانة فى الدوحة فى ديسمبر 2011، ما أسفر عن أزمة دبلوماسية كادت تهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية، وإن اكتفت موسكو بسحب سفيرها دون طرد السفير القطري، لكنها عادت وابتلعت مرارتها دون تبعات تذكر، ورفضت موسكو محاولات رشوتها بالمساعدات الاقتصادية الاستثمارات المشتركة، مقابل التخلى عن حماية نظام الأسد. ورغم تحذيرات الكثير من المراقبين من عدم الاندفاع فى تطبيع العلاقات مع قطر لأسباب تعود إلى أنها ليست «سيدة قرارها»، وتخضع فى معظم توجهاتها إلى آخرين، أشاروا منهم إلى الولاياتالمتحدة ومبعوثيها فى قاعدة «لعديد»، وإسرائيل وتركيا، تناست السلطات الروسية كل ما فعلته قطر و«زُمرة أهل الشر» من تدخل فى الشئون الداخلية للغير منذ اندلاع الحركة الانفصالية فى الشيشان، والتحركات المشبوهة فى الجمهوريات الإسلامية الروسية وبلدان وسط آسيا، ودعم الإرهاب فى سوريا والعراق وليبيا كما سبق وفعل هؤلاء فى أفغانستان. قطر بالنسبة لروسيا شريك اقتصادى بالغ الأهمية، وهى أيضا مصدر إزعاجها المستمر لدعمها وتأييدها للفصائل الإرهابية فى سوريا وخارجها. وهنا تشخص قطر بكل إمكاناتها وقدرات صندوق استثماراتها، لتقدم نفسها شريكا اقتصاديا كانت ولا تزال موسكو تنشد وده ومساهماته، وهو ما يتجسد فى اهتمام الرئيس بوتين شخصيا بمشاركة قطر فى عدد من المشروعات الاقتصادية الكبرى (النفطية والغازية). كما اشترت قطر أيضا 25٪ من أسهم مطار «بولكوفو» فى سان بطرسبورج. وتملك قطر الكثير من المواقع التجارية فى موسكو والعقارية فى ضواحيها ما يجعلها واسعة الانتشار غير المبرر وغير المناسب لحجمها ودورها فى السياسة الدولية، حسب تعبير معلقين روس. أما عن «الجانب الأسود» فى مساهمات قطر فى دعم وتمويل الإرهاب الدولي، فان القيادة الروسية كانت ولا تزال تتوقف عندها وتعمل من أجل مناهضتها لاسيما فى سوريا. ونذكر أن الجانب الروسى فى قمة ديربان فى جنوب إفريقيا سبق وحذر الرئيس المخلوع محمد مرسي، من أخطار المقاتلين الذين تدفقوا بالآلاف على سيناء بعد ثورة يناير 2011، ونقل أسلحة الجيش الليبى بعد مقتل العقيد معمر القذافى إلى مصر ودول عربية أخرى بمعرفة دولة عربية بعينها، قالوا آنذاك إنها قطر. لذا لم يكن غريبا أن يبادر بوتين بالاتصال بتميم بن حمد عقب اندلاع الأزمة بين قطر وجيرانها ليؤكد ضرورة الحوار سبيلا إلى حل هذه الأزمة، والانصراف إلى التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما سبق وعاد ليفعله مع السلطات التركية وبلدان عربية أخرى سبق واتهمتها موسكو صراحة بالوقوف وراء تمويل ودعم الإرهاب. وبهذا الصدد نعيد إلى الأذهان ما سبق وقالته موسكو فى أكثر من مناسبة حول دعم تركياوقطر للإرهاب منذ ظهور «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما فى منطقة الشرق الأوسط لتنتقل أخيرا إلى ليبيا. قالت موسكو أيضا إن الدول الداعمة للإرهاب هى المسئولة عمليا عن تفاقم الأزمة السورية وعدم بلوغها شاطئ التسوية السلمية. وإذا كانت موسكو أدارت ظهرها لخلافات الماضى مع قطر، إعلانا من جانبها أن المصالح هى الدائمة، فان ذلك يمكن أن يدفع إلى قبول ما يتردد بين جانب موسكو حول أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية القطرى لها (السبت 10 يونيو) كانت تستهدف ضمنا محاولة استمالة دعم موسكو وربما وساطتها لتصفية الأزمة، مع وعود بمزيد من الاستثمارات والمشروعات المشتركة. لمزيد من مقالات د. سامى عمارة;