◙ خوارج العصر شوهوا صورة الإسلام فى الداخل والخارج ◙ نمتلك آليات ووسائل لتكوين مجتمع إنسانى متسامح يرفض العنف والكراهية ◙ يجب على وسائل الإعلام استضافة المتخصصين للحديث في أمور الدين
يعد الدكتور محمد الخلايلة، المفتى العام للمملكة الأردنية الهاشمية، أحد أبرز القيادات الدينية المستنيرة، التى تسعى إلى إيجاد آلية للتنسيق بين المؤسسات الإسلامية لنشر ثقافة التعددية وقيم وممارسات التسامح والوسطية والاعتدال، فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ أمتنا الإسلامية. ويرى أن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى لم شملها وتوحيد كلمتها فى مواجهة الأخطار والآفات التى تهدد كيانها ووجودها، ومنها آفة تشويه صورة الإسلام المشرقة، من خلال ما تواجهه من نشر للأفكار المتطرفة من قبل خوارج العصر الذين شوهوا صورة الإسلام واستباحوا الأعراض وسفكوا الدماء باسم الدين وهو منهم برىء. وعلى هامش مؤتمر إطلاق شبكة الكليات والمعاهد الدينية الإسلامية والمسيحية بالمنطقة العربية بالعاصمة الأردنية عمان، التقى «الأهرام» فضيلة الدكتور محمد الخلايلة مفتى المملكة الأردنية الهاشمية ناقشنا الواقع الإسلامى فى المرحلة الراهنة، ورؤية فضيلته لتعزيز التضامن الإسلامى وسبل مواجهة التحديات التى تعصف بالأمة الإسلامية فى هذه المرحلة. وأشاد فضيلته بدور الأزهر باعتباره منارة للإسلام الوسطى ومركزا لحشد الجهود العلمية والفكرية لنشر الإسلام وفق أسس منهجية.. وإلى نص الحوار: ما الآليات المطلوبة للوقوف فى وجه تنامى العنف فى العالم العربى والإسلامي؟ المنطقة العربية فى هذا الوقت أحوج ما تكون لإيجاد مناخ تعاونى يؤصل لثقافة الحوار بمفهومه الواسع بين أتباع الديانات بما يؤدى إلى الالتقاء على كلمة سواء لتفعيل المشتركات واحترام الخصوصيات ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف المؤديين إلى الصراعات والنزاعات, وإيجاد مساحة للتعاون البناء بين أتباع الديانات السماوية لتحقيق الكرامة الإنسانية التى نادى بها القرآن الكريم لقوله تعالي: «ولقد كرمنا بنى آدم», والعيش المشترك على أساس من المواطنة المشتركة. كما اننا اليوم بحاجة إلى فهم صحيح للإسلام، يمهد لأمتنا طريقا للتغلب على عللها وأدوائها، وأن يمهد لها طريقاً لنهضتها وعزتها، وهذا هو دور المؤسسات الدينية فى بلادنا، أن تقدم للناس فهماً صحيحاً للإسلام يبعدهم عن ظلمات الجاهلية العمياء التى تعيشها الأمة، وتعيد لها نورها وإشراقها من خلال نفى زيف المنتحلين الذى يحاولون اختطاف الدين الإسلامى وإظهارها بثوب المجرم القاتل الذى يفجر الأبرياء وينحر المدنيين ويغتصب النساء، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ, يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ, وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ, وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ». وقد بلغ التطرف والغلو ذروته عند هؤلاء عندما خاضوا فى لجة التكفير، حتى وصل الأمر بهم إلى تكفير المسلمين قبل غيرهم والحكم بردتهم، وهذا يمثل قمة الانحراف الفكري، حيث زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسناً، وضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد كشف القرآن الكريم عن زيفهم وفضحت السنة النبوية شخصيتهم ومسالكهم ووصفهم النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». واليوم.. كيف يتحقق التسامح الديني؟ إننا اليوم بحاجة إلى تعزيز ثقافة التعددية فى عالمنا العربى وهى ثقافة وطيدة وأصيلة فى الفكر الإسلامى الذى أعطى الإنسان حرية التفكير, والاعتقاد, والتعبير عما فى مكنونات النفس, وحق الجميع فى إدارة مجتمعاتهم الإنسانية، وهذه الثقافة فى الفكر الإسلامى تنطلق من ثلاثة محاور، الأول: الاعتراف بالتنوع والتعدد ولا يمكن أن نصل إلى ثقافة تعددية دون أن نعترف بوجود الأديان الأخري، وهذا ما جاء به القرآن الكريم فى الاعتراف بوجود الأديان والرسالات السماوية, لقوله تعالي: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون. كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. لا نفرق بين أحد من رسله. وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير», وخاطب القرآن الكريم أتباع الديانات بأهل الكتاب, قال تعالي:«قل يا أهل الكتاب», وهذا يدل على الاعتراف بأصحاب الديانات السماوية فى شريعتنا الإسلامية. والمحور الثاني: احترام هذا الاعتراف, وهو ما يعنى احترام الأديان الأخرى وليس فقط الاعتراف بها, وهذا ما جسده النبى صلى الله عليه وسلم بالممارسة العملية عندما سمح لنصارى نجران بممارسة شعائرهم الدينية فى مسجده صلى الله عليه وسلم, وكذلك العهدة العمرية ووثيقة المدينة وغيرها من الشواهد التى تدل على احترام الشعائر لأصحاب الديانات السماوية, وهو احترام مؤصل فى الفكر الإسلامي. وماذا عن وسائل المواجهة؟ هنا يقودنا إلى المحور الثالث: فهو يعنى العمل على إيجاد الوسائل المناسبة لجعل هذه الرؤية ثقافة فى الواقع العملى فى إطار من المودة والرحمة والعيش المشترك, وليس فقط بما يحول دون وقوع صراعات على أساس دينى أو طائفي, بل يجب أن يتعدى ذلك لإيجاد قواسم مشتركة وتعاون على إيجاد مجتمع إنسانى يقوم على التعاون والتصدى لجميع محاولات تأجيج العنف والكراهية, واستخدام الدين لتسويغ القتل والعنف وإراقة الدماء وتدمير المجتمعات, وإهلاك الحرث والنسل. وفى خضم هذا الواقع، فإن الواجب الشرعى علينا نحن كمؤسسات دينية أن نبين للناس أن الإسلام دين الله تعالى الذى ارتضاه للناس كافة، خاتماً للشرائع السماوية، متمماً به مكارم الأخلاق، مراعياً به فطرة الإنسان وكرامته على هذه الأرض، وهو واضح وضوح الشمس فى رابعة النهار، قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف /108. وعلينا جميعا أن نبين للناس أن الدين الإسلامى يحتوى على منظومة متكاملة من القيم الراقية المستمدة من روحه، وهى تعمل على صياغة شخصية الإنسان المسلم وتشكل الجانب الأهم فى حياته، والواجب أن نعمل كمؤسسات دينية وعلماء على غرس هذه القيم فى أبنائنا من التسامح والاعتدال والوسطية، وتوجيههم توجيهاً صحيحاً، نحو هذه القيم ليحفظ كيان المجتمع وأمنه واستقراره ووحدة صفه، ويساعده على مواجهة المتغيرات، وقبل ذلك كله تحصنه من الأفكار المنحرفة والتطرف الفكرى الذى قد يتعرض له، فكما أن لكل مجتمع نظاما عسكريا يحميه من الغزو العسكرى فلا بد له من نظام يحميه من الغزوة والانحراف الفكري. وكيف ترون خفافيش الظلام الذين يتسترون خلف الدين؟ عند غياب القيم الإسلامية الصحيحة التى تحصن المجتمع يولد التطرف والتكفير وينمو فيه شخصية التطرف شيئاً فشيئاً، فقد يبدأ من التعصب فى مسائل العبادات والطهارة والصلاة ثم يتطور إلى الفكر السياسى والحكم بتكفير المجتمعات وردتها وجاهليتها. والأديان جاءت لتحقيق سعادة الإنسان وتحقيق مصالحه وإدامة حياته على هذه الأرض وعمارتها بما يحقق له السعادة والحياة الكريمة والعيش بأمن وأمان, ولذلك جعلت الشريعة الإسلامية حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال على رأس مقاصدها العامة وبما يسمى بالضرورات الخمس, وجعل الاعتداء على حياة الإنسان اعتداء على الناس جميعا, لقوله تعالي: «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، وما يفعله بعض أتباع الديانات اليوم لا يمثل الدين نفسه لقوله تعالى :«ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين», وما يفعله خوارج العصر من فساد وإفساد لا يمثل الدين الإسلامى ولا يمكن أن ينسب إليه , بل إن الإسلام الذى جاء رحمة للعالمين بريء من أفعالهم وأقوالهم, وكذلك لا يمكن أن ننسب ما يفعله أتباع الديانات السماوية الأخرى إلى الدين نفسه مما يؤكد أن الإرهاب والتطرف لا دين له وأن الأديان السماوية بريئة من هذه الأفعال والأقوال التى تدعو لها.