تستند العلاقات بين الدول إلي ركائز كثيرة منها ثابت ودائم ديمومة نسبية, وبعضها متغير.وفي هذا الصدد قال كثير من السياسيين والمفكرين الاستراتيجيين إنه لا توجد عداوات دائمة أو صداقات دائمة وإنما توجد مصالح دائمة. من هذا المنطلق ننظر للعلاقات المصرية الخليجية في ضوء الركائز الدائمة والظروف المتغيرة. فبالنسبة للركائز الدائمة نجد أن أولها يتمثل في البعد الجيوبوليتيكي أي بعد الجغرافيا السياسية التي تجعل الأمن الوطني المصري هو محور الأمن القومي العربي الذي يعد أمن الخليج العربي مكونا رئيسا في مكوناته, الركيزة الثانية تتعلق بالبعد الثقافي التاريخي التراثي. أما بالنسبة إلي العوامل المتغيرة في العلاقات المصرية الخليجية فأول هذه العوامل هو التركيز علي بعض الأحداث التاريخية مجتزأة وليست في سياقها وتكاملها وارتباطها بالظروف السياسية التي هي بطبيعتها متغيرة وهو ما يثير الخلافات والحساسيات أحيانا, ثاني المتغيرات هو ما يرتبط بدور القيادات والنخب السياسية والفلسفات السياسية التي تمثل البنية الفوقية للمجتمع, لقد اثار سقوط نظام مبارك قلقا لدي بعض دول الخليج ومن هنا جاء التوضيح المصري ممثلا في وزير الخارجية آنذاك نبيل العربي وفي المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الذين أكدوا جميعا من خلال تصريحاتهم أن أمن الخليج العربي هو خط أحمر بالنسبة للسياسة المصرية ولا يمكن التفريط فيه. لقد جاء وصول الرئيس محمد مرسي إلي سدة الحكم ليثير ذلك قلقا ليس لدي دول الخليج, بل لدي كثير من المصريين المؤمنين باعتدال مصر وعقلانية سياستها الداخلية والخارجية, وعدم انحياز الدولة مذهبيا أو دينيا لفريق دون آخر, والرئيس محمد مرسي أو أي رئيس لا يستطيع مهما كانت قوته أو فكره أن يتناقض تناقضا جوهريا مع ركائز السياسة الثابتة, ولا مع حكمة التاريخ, ولا مع المؤسسات المهمة التي تعبر عن هذه الركائز في مصر. كان الرئيس الدكتور محمد مرسي حكيما في خطابه في جامعة القاهرة عندما أكد العديد من الثوابت في السياسة المصرية, ولكن من المهم في هذا السياق أمران أولهما حديثه عن الأمن العربي وكونه أولوية من أولويات سياسته, وثانيهما ان مصر لا تسعي لتصدير الثورة ولا للتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة وهي أيضا ترفض تدخل أي دولة في شئونها. وأنا اعتقد أن هذه هي الأسس الدائمة للسياسة الخارجية المصرية وأن هذين المبدأين يتكاملان ويتناغمان معا, أي أمن مصر وارتباطه بالأمن العربي وأن أمن الخليج العربي جزء لا يتجزأ منه, وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة.
إن ما نحتاجه في مصر وفي منطقة الخليج العربي هو النظرة المستقبلية الواسعة, فالتكامل العربي في الاقتصاد والأمن والسياسة والمواقف الدولية يعد في مقدمة الضرورات والأولويات, إن مصر الآن في مرحلة تحول سياسي واقتصادي تحتاج للاستثمارات العربية ولتعزيز التجارة البينية العربية ولتكامل الأمن المصري والأمن الخليجي بوجه خاص, وبناء صناعة عسكرية عربية محورها مصر ودول الخليج العربي فضلا عن تنسيق المواقف السياسية تجاه القضايا الاقليمية والدولية وهذا يحتاج إلي بلورة رؤية استراتيجية ونظرة مستقبلية علي أعلي مستوي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ليس فقط لدورها العربي والإسلامي بل لدورها الدولي فهي احدي دول مجموعة العشرين في الاقتصاد العالمي. المزيد من مقالات د. محمد نعمان جلال