يشكل انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية اليوم بالرياض ، بمشاركة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقادة نحو 55 دولة عربية وإسلامية، تطورا نوعيا فى طبيعة التفاعل بين الجانبين، الذى شهد - وما زال يشهد - الكثير من التشوهات، بفعل الانحيازات التى تحكم المنظور الأمريكى لقضايا المنطقة، الذى ينهض بالأساس على تحقيق أقصى استفادة ممكنة لمصالح الولاياتالمتحدة دون أن تنظر بالقدر نفسه للمصالح العربية والإسلامية. والأخطر من ذلك هو انحيازها السافر لإسرائيل خصما من رصيد حقوق الشعب الفلسطيني، بل حقوق العرب، والذى يأخذ أكثر من منحى فى مقدمتها الالتزام بالدفاع عنها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، خاصة فيما يتعلق بتفوقها على كل جيرانها العرب على نحو لا يخل بالميزان العسكرى لمصلحته أبدا، وضمن صيغة التحالف الاستراتيجى القائمة بينهما منذ سنوات طويلة، وتكرست على مدى الحكومات المتعاقبة سواء جمهورية أو ديمقراطية. وفى ضوء هذه المعطيات، فإنه يمكن النظر إلى أن هذه القمة، والتى ستعقد قبلها أو على هامشها قمة ترامب مع قادة دول مجلس التعاون الست، بوسعها أن تحدث انفراجات فى الصور الذهنية النمطية المترسخة لدى كل جانب عن الجانب الآخر على نحو يفضى إلى تحسينها أو محاولة تعديلها باتجاه يصب فى تحقيق المصالح الأمريكية، التى تتسم بطابع استراتيجى لدى الجانب العربى والإسلامي، وفي الآن نفسه تسهم فى بلورة مقاربات تدفع بالأزمات الملتهبة والعاصفة فى المنطقة العربية والعالم الإسلامي، والتى تؤثر على نحو عضوى على الأمن والاستقرار الإقليمى والدولي. ولعل القضية الأولى بالرعاية فى قمة ترامب مع قادة العالمين العربى والإسلامي، فضلا عن قمته مع قادة الخليج، هى القضية الفلسطينية وكيفية استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفق محددات الشرعية الدولية التى أسهمت واشنطن نفسها فى صياغتها ، ومن المفترض أن يقدم قادة العالم العربى فى ذلك السياق شرحا مستفيضا لحقائق الصراع العربى الإسرائيلى ومحاولة إقناع ترامب، بأن من حق هذا الشعب الفلسطينى أن يتحرر من احتلال استيطانى استعمارى شديد الوطء ممتد لأكثر من سبعة عقود فى ظل ممارسات عدوانية من الدولة القائمة بالاحتلال مثله مثل غيره من شعوب العالم الذين تدافع الولاياتالمتحدة عنهم. وفى هذا الصدد يتعين عليهم أى قادة العالمين العربى والإسلامي، أن يرفضوا بقوة أى توجه لإدارة ترامب لنقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة بحسبانها خطوة تكرس شرعية الاحتلال وتهدد بتقويض أى مبادرات مطروحة للتعاطى السلمى مع القضية، وفى مقدمتها المبادرة العربية للسلام التى لم تحظ بعد بإرادة أمريكية حقيقية للاقتناع بما تضمنته من محددات قدمها الجانب العربى طواعية كأساس لحل يقوم على التطبيع الكامل مع اسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الأراضى العربية المحتلة. ولاشك أن الجانب العربى والاسلامى سيقف أو بالأحرى هذا هو المطلوب من قادته فى القمة - ضد أى توجهات يطرحها ترامب بخصوص ما يتردد بشأن طرحه مشروعا إقليميا بالمنطقة يرتكز على إجراء ترتيبات تتضمن حلا مبدئيا للصراع الفلسطينى الإسرائيلى والعربى الإسرائيلي ضمن ما يطلق ترامب نفسه عليه صفقة القرن، من خلال محاولة إدخال الدولة العبرية كجزء من تحالف إقليمى يتوجه لمناهضة أطراف أخرى فى المنطقة خاصة إيران. إن هذا الحل قد يأخذ طابعا مذهبيا للأسف قبل أن تنهى إسرائيل احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة وتوافق على حل الدولتين يما يقود الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو 1967 ، الأمر الذى بات يستوجب من الإدارة الأمريكية أن تتبني تصورات متوازنة تتخلى فيها عن انحيازها السافر لتوجهات بنيامين نيتانياهو ، خاصة مشروعه للتمدد الاستيطانى الاستعمارى فى القدسالمحتلة والضفة الغربية ، على نحو يهدد مشروع الدولة الفلسطينية المرتقبة. ولاشك أن القضية الفلسطينية تتسم بقدر كبير من التعقيد والتشابك نتيجة ما يقرب من سبعين عاما من الصراع والصعوبات، ولكن دونالد ترامب الذى يدشن مشاركته فى القمم الثلاث بحسبانها تمثل عودة الولاياتالمتحدة لممارسة دورها فى المنطقة وفق تعبير وزير خارجيته ريكس تيلرسون بعد غياب أو تقلص فاعلية هذا الدور خلال سنوات حكم إدارة باراك أوباما ، بات مطالبا بأن يغير من أسس القواعد التى تتكئ عليها واشنطن فى التعامل مع الملف الفلسطينى ،وممارسة ضغوط حقيقية ،وليس طبطبة على ظهر نيتانياهو لدفعه للتجاوب مع مبدأ حل الدولتين ،وإيجاد دولة فلسطينية تتمتع بقابلية للحياة وليس مجرد كانتونات ممزقة فى الضفة الغربية وغير مترابطة مع قطاع غزة ، ودفع الحكومة الاسرائيلية للانخراط فى مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين ضمن جدول زمنى محدد.