تلقيت دعوة غير تقليدية من وزير التنمية المحلية الأستاذ الدكتور هشام الشريف وبمشاركة من وزير الثقافة حلمى النمنم للمشاركة فى اجتماع عُقد فى مقر المجلس الأعلى للثقافة فى 4/5/2017 بحضور مثقفين من مختلف المجالات. وهى غير تقليدية لأنها عبارة عن ورقة عمل من تصور وزير التنمية المحلية لإجراء حوار حولها ويمكن إيجازها فى مسألتين: إحداث نقلة نوعية فى التنمية الاقتصادية والثقافية. برنامج عمل ويتضمن اقتراحا بمشروعات والرأى عندى أن إحداث «نقلة نوعية» يعنى إحداث تغيير جذرى، وهذا التغيير يعنى إحداث ثورة. وفى الثورة ثمة وضعان: وضع قائم مأزوم يستلزم استدعاء وضع قادم ليحل محله. وفى سياق ثورة 25 يناير 2011 دُمر الوضع القائم المأزوم بسبب إشكالية كانت من صنع الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم. وإذا كانت الإشكالية تنطوى على تناقض، فالتناقض فى الحزب كان مزدوجاً فى العلاقة بينه وبين حزب الإخوان المسلمين، وفى العلاقة بينه وبين الشباب. فى العلاقة الأولى كانت القيادة السياسية تقول عن الحزب علنا إنه محظور وتقول عنه سرا إنه محظوظ لأن ثمة قنوات سرية وظيفتها إحداث تفاهم غير معلن. ومن ثم ارتقى التناقض إلى الحد الذى طالبت فيه القيادة الإخوانية بالاستيلاء على الحكم من أجل التمهيد لتجسيد الخلافة الإسلامية على كوكب الأرض ابتداء من مصر. وهو أمر مرفوض من الجيش الوطنى المصرى. وفى العلاقة الثانية كانت القيادة السياسية تبدى اهتمامها بالشباب لتحقيق طموحاتهم إلا أن هذه الطموحات لم تجد تجسيدا لها على الوضع القائم. ومن هنا حدثت ثورة 25 يناير التى تتسم بأنها ثورة إلكترونية لأنها تستند إلى مقومات التواصل الاجتماعى التى تتميز بأنها خارج رقابة الدولة وبمعزل عن الأحزاب السياسية. وكان شعارها الشعب يريد إسقاط النظام وقد سقط النظام بالفعل فى الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر 28 يناير. وسبب هذه الفترة الوجيزة التى حدثت لأول مرة فى تاريخ الثورات مردود إلى أنها كانت بلا رؤية لوضع قادم يكون بديلاً عن الوضع القائم المأزوم. وكان البديل استدعاء وضع مضى متمثلاً فى حزب الإخوان المسلمين. وبسوء طوية مارسه الحزب على الشباب أقنعوهم بأن الجيش ضدهم فهتف شباب الثورة فى سذاجة الأطفال «يسقط الجيش». وبعد ذلك التقى الاخوان سراً بنفر من المتعاطفين فى الجيش وخدعوهم بأنهم فى صف الجيش ومن ثم تُرك ميدان التحرير للاخوان المسلمين بقيادة الشيخ القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى للمسلمين، ومن ثم استولوا على السلطة، وأمضوا عاما من أسوأ الأعوام فى تاريخ مصر. وجاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتستدعى الجيش للحكم، ومازالت الثورة حتى الآن بلا قيادة ثقافية، وذلك بسبب ما أصاب النخبة الثقافية من سُبات دوجماطيقى يتسم بتوهم امتلاك حقيقة مطلقة لا تعنى سوى الاستسلام لحكم الاخوان بديلاً عن حكم الجيش لأن الجيش ليس حزباً دينياً أو سياسياً حتى يحكم. ومن هنا فالإخوان هم الحكام بحكم الضرورة وليس بحكم الاختيار. المطلوب اذن الآن إحداث ثورة ثقافية. وإذا كانت الثورة تعنى التغيير الجذرى فالتغيير المطلوب يلزم أن يدور حول تأسيس تيار يناقض تيار الاخوان المسلمين الذى يستند إلى الفقيه ابن تيمية الذى يحرض على إبطال إعمال العقل فى النص الدينى وما يترتب على هذا الإبطال من تدنى العقل إلى مستوى السمع حتى يتم تحقيق السمع والطاعة وما يلازمه من إجماع يٌكفر فيه مَنْ يخرج على الإجماع ثم قتله إذا عاند. وبديل ابن تيمية هو ابن رشد الذى يدعو إلى إعمال العقل فى النص الدينى، أو ما يسميه «التأويل» الذى يمتنع معه الاجماع، وبالتالى يمتنع معه تكفير مَنْ يخرج على الاجماع. إلا أن إشكالية ابن رشد كامنة فى أنه قد أحدث تأثيراً على العالم الأوروبى عندما ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية والعبرية مع بداية القرن الثالث عشر فى أوروبا، ومن ثم تأسس تيار الرشدية اللاتينية الذى حرر أوروبا من طغيان السلطة الدينية التى كفرت ابداعات الفلاسفة والعلماء ووعدت مَنْ يقاومهم بفردوس النعيم. أما فى العالم الاسلامى فقد كُفر ابن رشد وأُحرقت مؤلفاته وأصبح هامشياً فى الحضارة الاسلامية، ومازال إلى الآن هامشياً. والمطلوب اذن تأسيس تيار الرشدية العربية الذى فى إمكانه إخراج العالم الاسلامى من ثقافة التخلف إلى ثقافة التقدم وما تنطوى عليه من علمانية تستلزم التنوير، ومن عقلانية تقوم على الابداع وليس على المحرمات الثقافية التى تتميز بها مجتمعات التخلف، أو بالأدق مجتمعات الأصوليات الدينية التى تلتزم حرفية النص الدينى وتقاوم أي نظرية علمية تشى بأنها ضد حرفية النص. وإذا كانت ثورة 25 يناير ثورة إلكترونية فيلزم أن يكون تأسيس الرشدية العربية تأسيساً الكترونياً، بمعنى أن يستند إلى منتجات الثورة العلمية والتكنولوجية ومن بينها «السوق الفضائية» الموجودة فى القنوات الفضائية لإجراء حوار على النمط السقراطى بين المثقف ورجل الشارع، أو بالأدق بين الفيلسوف ورجل الشارع، لأنه مع الثورة العلمية والتكنولوجية كل شىء أصبح يتسم بالجماهيرية فنقول وسائل اعلام جماهيرية ووسائل اتصال جماهيرية ومجتمع جماهيرى وانسان جماهيرى الذى هو رجل الشارع وابداع جماهيرى لا يفرق بين انسان وآخر، بمعنى أن كل انسان مبدع بالضرورة إذا تحرر من كبت المحرمات الثقافية. المطلوب إذن تأسيس تيار أو صناعة تيار تكون الغاية منه إقصاء الأصولية الدينية واستدعاء العلمانية باعتبارها نقيضا للأصولية. وبناء عليه يتم تحديد المشروعات والمدة الزمانية لإنجازها على مراحل «أملاً فى مستقبل أكثر إشراقا يليق بمصرنا الغالية» على حد تعبير ورقة عمل وزير التنمية المحلية الأستاذ الدكتور هشام الشريف. لمزيد من مقالات مراد وهبة;