قمت بعمرتى الأولى فى عام 2006 أنا وشقيقي, وقمت بالعمرة الثانية فى بدايات شهر شعبان الجارى ولكن هذة المرة انا وزوجي, وفى المرتين كان لهما وقع واحساس مختلف، فكلما كبرنا كلما زادت الرهبة وزاد فهمنا للدين وأصوله ، ولا أنكر ان العمرة اصبحت كالحج لمن استطاع، فالأسعار تضاعفت والأعداد تزايدت. بدأنا رحلتنا بزيارة المدينةالمنورة, ليكون المسجد النبوى ثانى أقدس موقع فى الإسلام ملاذنا على مدار اليوم. سألت عن مواعيد زيارة الروضة الشريفة وقيل لى انها فى السابعة صباحا والعاشرة مساء, انتظرت بعد صلاة العشاء لحين موعد الزيارة أملا فى ركعتين أمام الروضة فى هدوء وسكينة، ولكن ما حدث فى 2006 تكرر بحذافيرة فى 2017، فقد حرم النساء من الوقوف فى مواجهة قبر الحبيب بسبب الستائر البيضاء التى تحجب الرؤية بالإضافة الى التوقيتات المسموح بها والتى ادت الى التكدس والهرج والمرج بين الزائرات, وتسبب كل هذا فى ان تحولت أمنية الركعتين فى الروضة الشريفة الى مجرد أمل طفيف فى الوصول الى السجاد الأخضر وفى ركعتين وانت واقف فى مكانك حتى لا يتم دهسك. فى نفس الوقت مسموح للرجال بالزيارة طيلة النهار والليل بدون اى حواجز او منغصات. شعرت الحقيقة بغصة وبكيت بشدة تساءلت لماذا لا يتم بشكل منظم جدا تقسيم النساء على شكل مجموعات لا تتعدى المائة، بدون اى حواجز وبدون تدافع ولمدة عشر دقائق لكل مجموعة تسمح بركعتين وبدعاء فى هدوء وسكينة. الأرقام تشيرإلى أن أعداد الحجاج والمعتمرين تزداد عاماً بعد عام، وقد وصلت إلى ستة ملايين والرقم مرشح للزيادة، وأن نسبة النساء من بين هؤلاء هى 40%، مما يستدعى دراسة المساحات المتاحة للنساء من الروضة الشريفة، ووضع الحلول العاجلة لها, فمساحة الروضة الشريفة كاملة هى 330م2، وما يخصص منها للنساء هو 195مترا مربعا، من إجمالى مساحة الروضة المحددة بالسجاد الأخضر وتتمركز الصعوبات في: الأنتظار فترات طويلة, قصر اوقات الزيارة, صغر حجم المساحة المخصصة للسيدات, استئثار بعض النساء بالمكوث فى الروضة دون الأخريات بدون ضابط, تكرار الزيارة للشخص الواحد عدة مرات فى فترة إقامته مما يصعب على كبار السن والمعاقين الزيارة. عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) رواه البخارى ومسلم. ونحن بالفعل لا نرغب سوى فى عشر دقائق فى الروضة, ولعل ابسط الحلول تتمثل في: زيادة الوقت المتاح للنساء لزيارة الروضة الشريفة, فتح الروضة بالكامل للنساء فقط فى بعض الأوقات, ضبط الوقت لكل مجموعة داخل الروضة, زيادة المساحة المتاحة للنساء, اتاحة الفرصة للنساء بزيارة المواجهة الشريفة بدون حواجز, تدريب المشرفات على ادارة الحشود, ضبط الالتزام بالدخول من مكان والخروج من آخر, وتحديد عدد الزيارات للشخص الواحد باستخدام اما البصمة او الكوبونات أو الختم الضوئي. أما فى مكة فالأمر مختلف, لأن أى صورة مهما كانت لا علاقة لها بالواقع, كما ان جموع الموجودين تجسد أمام ناظريك عالمية العقيدة الإسلامية, انت هناك فى حالة تواصل روحى مع الله, انت هناك فى حالة فريدة لا تضاهي. وأنت تتقدم صوب الكعبة بملابس الإحرام المتواضعة لا يوجد فى ذهنك سوى مجموعة من الأمنيات وشعور طاغ بالضعف والتواضع وقلة الحيلة والإقرار بالأخطاء والهنات. فعن أبى أمامة عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال : تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء فى أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة. انتابتنى حالة من السكينة لم أشعر بها من قبل حينما أدركت أننى ، أقف تحت خط عمودى نهايته تصل إلى نور السموات والأرض, العظيم القوي، خالق الأكوان، الحق المطلق، الواحد الأحد الفرد الصمد. تحت هذا الخط ترتفع الأكف ضارعة، وتسمع أصوات المستضعفين المتوسلين لربهم بالعفو والمغفرة, تحت هذا الخط انت لا شئ, أنت على يقين من أمر واحد فقط, أنك نقطة فى بحر خلقت بأمره وسينتهى اجلك حين يأذن بذلك وما بين ميلادك ووفاتك كل شئ وأى شئ بأمره وحدة. (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يعلم ما فى السماوات وما فى الأرض وان الله بكل شيء عليم) المائدة 97. فنسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علّمته أحداً مِن خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وشفاء صدورنا و جلاء أحزاننا، اللهم أسترنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واقضِ حوائجنا وحوائج السائلين، اللهم تول أمورنا، وفرج همومنا، واكشف كروبنا، اللهم إنّك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم أوردنا حوض نبيك سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم»، واجعله لنا شفيعاً، واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدًا، ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، إنّك لا تخلف الميعاد. [email protected]