يمكن أن يُستدل على موقف مرشحى الرئاسة الإيرانية من خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA أو ما يُعرف بالاتفاق النووى الإيراني، عبر وسيلتين، الاولى هى موقف هؤلاء المرشحين من القضايا الاقتصادية التى تم مناقشتها عبر المناظرة الأولى ومهاجتمهم سياسات حكومة الرئيس حسن روحانى عبر انتقاد الاتفاق النووي. أما الوسيلة الثانية للاستدلال عن موقفهم فهى عبر المناظرة الثانية والتى تمت إذاعتها يوم الجمعة 5 مايو الماضى، عكست المناظرة توجهات المرشحين الإيرانيين فيما يتعلق بالقضايا الثقافية والخارجية، وقد ركزت المناظرة فى القضايا الخارجية بالأساس على الموقف من الاتفاق النووي. حيث اتخذ منتقدو حكومة روحانى من المتشددين من استمرار الوضع الاقتصادى المتأزم كمدخل لإثبات فشل الاتفاق النووى وعدم جدواه لإيران، وفشل روحانى فى تنفيذ وعوده حول تحقق الازدهار الاقتصادى ارتباطا بتسوية الملف النووى والانفتاح على الغرب. وأثناء المناظرة الثانية، نجد ان اسحاق جها نجيرى من التيار المعتدل قد دافع خلالها عن الاتفاق النووى بقوله، أنه أحد أهم إنجازات الحكومة، وقد ساهم فى ارتفاع جميع الصادرات الإيرانية، فى حين أقر المرشح إبراهيم رئيسى المحسوب على التيار المتشدد والمعروف بقربه من الحرس الثورى، بوجوب الالتزام بتنفيذ الاتفاق النووي، مع اعتبار ان الأمر السيىء فى الاتفاق هو التزام إيران بتنفيذه دون تنفيذ الأطراف الأخرى التزاماتها، وأن الاتفاق لم يرفع كل أنواع الحظر عن إيران، أما حسن روحانى فقد ظل طيلة حملته الانتخابية يدافع عن الاتفاق الذى ارتفعت بعد مؤشرات الاقتصاد الكلي، إلا انه فسر أخيرا اسباب عدم حدوث انتعاش اقتصادى إلى أسباب اخرى بالداخل الإيراني. لكن إجمالا وعد كل مرشح بمفرده بالدفاع عن الاتفاق. على الرغم من أن الكونجرس قد أقر مد العقوبات غير المرتبطة بالنشاط النووى الايرانى لمدة عشر سنوات أخري، لم تتخذ إيران ردا قويا فى مواجهة هذا القرار الذى اعتبرته انتهاكا للاتفاق النووي، حسب التصريحات. وجدير بالذكر أن هذه العقوبات هى مرتبطة بأنشطة أخرى كالإرهاب وحقوق الإنسان والصواريخ الباليستية، وتعتبرها الولاياتالمتحدة ورقة ضغط فى مواجهة السلوك الإيراني، خاصة بعد رفع إدارة أوباما العقوبات المرتبطة بالملف النووى فى عقب توقيع الاتفاق. ومع مجيء ترامب الذى صرح غير مرة بوجوب مراجعة الاتفاق النووى أعلنت دول أوروبية حرصها على استمرار الاتفاق، خاصة تلك التى حولت نتائج الاتفاق الى استثمارات ضخمة مع إيران مثل ألمانيا وفرنسا، فضلا عن العلاقة بين إيران وكل من روسيا والصين، وهو ما أثبت حرص جميع الأطراف على استمرار الاتفاق بغض النظر عن الموقف الأمريكى الجديد. وحاولت إيران جس نبض إدارة ترامب حينما أجرت الاختبار الصاروخى فى يناير الماضى وأعقبه إعلان ترامب فرض عقوبات ضد 13 شخصا و 12 شركة مرتبطة بصناعة الصواريخ، بما فى ذلك أعضاء الحرس الثوري، وحينها دعت إيران الادارة الجديدة الى عدم استخدام الاختبار لتفاقم التوتر بين البلدين. وفى ظل ما يفرض على إيران من عقوبات وخروج تصريحات المسئولين الإيرانيين بمن فيهم المرشد بالتوعد برد إيرانى على ما يعتبره عقوبات تنتهك الاتفاق النووي، إلا أن إيران تقوم بخطوات استفزازية أخرى غير مرتبطة بوقف تنفيذ الاتفاق النووى كما تتوعد، إنما تقوم مثلا الزوارق الإيرانية التابعة للحرس الثورى بالتحرش بالسفن الأمريكية فى الخليج، وهو ما يتكرر دائما، وكانت آخر مرة بعد اعلان ترامب العقوبات على إيران عقب التجربة الصاروخية، حيث أجبرت تلك الزوارق السفينة الأمريكية USNS Invincible على تغيير مسارها فى مضيق هرمز. وتدرك إيران أن الغاء الاتفاق سيترتب عليه مواجهة مع الولاياتالمتحدة، خاصة ان ضرب الولاياتالمتحدة قاعدة الشعيرات السورية اعتبره البعض فى جزء منه موجها لإيران، أثبت جدية الإدارة الامريكية فى استخدام القوة العسكرية، خاصة فى ظل تصريحات الادارة باتخاذ إجراءات اكثر صرامة تجاه إيران، وانتهاج سياسة عكس سلفه. ووفقا للخطاب السياسى الإيرانى القائم على الهيمنة والنفوذ الإقليمي، تسعى إيران الى تحقيق مصالحها عبر استخدام مزيج من أدوات القوة الناعمة وغيرها، لذا فإن أهم مكاسب إيران من الاتفاق النووى هو إعادة إدماج إيران فى المجتمع الدولي، والذى تسعى منه إلى الحصول على تأييد خارجى لدورها كفاعل رئيسى فى الإقليم، عبر الاعتراف بهذا الدور الإقليمي، وحضورها فى الفاعليات الدولية لحل قضايا الإقليم. حيث إن الدول يمكنها تحقيق مصالحها بأقل تكلفة عبر تحقق القبول الإقليمى لدورها الذى يدعمه الاعتراف الخارجي. إجمالا، يتضح أن الهجوم على روحانى هو فى إطار حرب الحملات الانتخابية بين المرشحين لتحطيم فرص روحانى فى الفوز بولاية رئاسية ثانية، وليس لإلغاء الاتفاق. كما أن موقف إيران من استمرار الاتفاق النووى من عدمه لن يتوقف على شخص الرئيس القادم وتياره، وإنما على موقف الإدارة الأمريكية حال استمرار تعنتها، وفرض مزيد من العقوبات عليها، أى انه إذا زاد الضغط من الولاياتالمتحدة، فإن القيود على الرئيس الجديد ستزداد وسيتعين عليه الوفاء بمطالب التيار المتشدد فى حال كان الرئيس من التيار المعتدل، أيضا يتوقف تمسك إيران بالاتفاق على درجة تحقيق إيران أى مكاسب اقتصادية من وراء الاتفاق تسهم فى تخفيف الوضع الاقتصادى المتأزم بشكل ملموس للمواطنين. وفى النهاية، سواء جاء رئيس من التيار المعتدل أو التيار المتشدد، فالكلمة الفصل فى شأن الاتفاق النووى هى للمرشد الأعلى وليس الرئيس. لمزيد من مقالات هدى رؤوف;