عرفت مصر أغنيات العمل في عصور مختلفة لكن الملاحظ أن أغنية العمل ظلت مرتبطة بتوجه بوصلة المجتمع نحو الإنتاج ، فى مرحلة التمصير فى الربع الأول من القرن الماضى حتى السبعينيات والانفتاح القتصادى ومع التحول الى المجتمع الاستهلاكى ضاعت البوصلة أمام الأغنية الوطنية والعمالية ودور الفن فى الإنتاج. ........................................................... ولكن بدأ التدوين لهذه الأغنيات مع مطلع القرن العشرين ولعل أبرز الأسماء التي إهتمت بأغنيات العمال في الربع الأول من هذا القرن كان ملحن الشعب السيد درويش حيث نجد أنه قدم مجموعة من الطقاطيق التي تمجد قيمة العمل ونذكر منها طقاطيق: الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية، والمعروفة بلحن الصنايعية ، وأغنية «سالمة ياسلامة» والمعروفة بلحن عودة عمال السلطة ، طلعت يامحلا نورها والمعروف بلحن الفلاحات ، ياولد عمي يابوي والمعروف بلحن عودة العمال. وبمفهوم ماركيوز عن الطبقة العاملة الجديدة نجد أن السيد درويش وضع لحن «هز الهلال ياسيد» والمعروف بلحن الموظفين. حتى أنه لم ينسى أغنيات العمالة الرثة كما يطلق عليها التي تصور مشقة طبيعة عملهم مثل: طقطوقة «إوعى يمينك إوعى شمالك« والمعروفة بلحن السُياس ، و«شد الحزام على وسطك»، والمعروفة بلحن الشيالين. وجميع هذه الأغنيات قدمت من خلال عروض مسرحية وكتب كلماتها جميعا بديع خيري. في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين نجد أن نجوم الغناء في هذه المرحلة قدموا عددا من أغنيات العمل أو الإنتاج ، فنجد في فيلم «يوم سعيد» تغني أسمهان من كلمات بيرم التونسي وألحان محمد عبد الوهاب أغنية محلاها عيشة الفلاح . ثم تأتي أم كلثوم لتغني أنشودة القطن من كلمات أحمد رامي ولحن زكريا أحمد في فيلم عايدة والتي يقول مطلعها « القطن فتح هنا البال/ والرزق جه وصفا لنا البال/ إجمعوا خيره مالناش غيره/ يغني البلد ويهني الحال» حيث صاحب الأغنية مشهد للفلاحات والفلاحين وهم يجمعون القطن من الأرض في دلالة على العمل. بعد التحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري في مصر إتجه الرئيس جمال عبد الناصر إلى إنشاء المشروعات الصناعية الكبيرة وكان على رأسها صناعات الحديد والصلب ، الأسمدة كيما، مصانع إطارات السيارات وعربات السكك الحديدية، وبعد بناء السد العالى فى الستينيات، تم مد خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية. في هذه الفترة غنى الكثير من المطربين والمطربات للعمال والعمالة ونذكر منهم على سبيل المثال: أغنية ليلى مراد «بالإتحاد والنظام والعمل» من كلمات جليل البنداري ولحن شقيقها منير مراد و التي يقول مطلعها « على الاله القوى الاعتماد/ بالاتحاد والنظام والعمل/ انهضى يامصر ياخير البلاد/ وانعمى بالمجد وامضى للرشاد/ بالاتحاد والنظام والعمل» ونجد أن الكورال المشترك كان له دور هام في هذه الأغنية كذلك أخذت الموسيقى منحى حماسيا من خلال إيقاع المارش الذي بدأت به الأغنية . كما غنى المطرب عبد الحليم حافظ عام 1952 أغنية «بدلتي الزرقاء من كلمات أحمد السمرة ولحنها عبد الحميد توفيق ذكي في سلم كبير ويقول مطلعها « بدلتي الزرقا لايقة فوق جسمي/ في جمال لونها مركزي واسمي/ بدلتي الزرقا من نسيج إيدي/لبسها يزيني حتي في يوم عيدي/ مش مفارقاني برضه ساتراني/ حافظة مقداري ليلي ونهاري/ بدلتي الزرقا لما أشمرها/ واشتغل بيها يحلا منظرها/ فضل من ربي هي روح قلبي/ لونها قربني للسما الصافية/ وأما بالبسها ألبس العافية/ وأدخل المصنع بيها وأتقمع/هي عنواني وسط إخواني—إلى أخره» بمصاحبة فرقة جمعت بين آلات النفخ النحاسي مع بعض آلات الفرقة الموسيقية العربية ، وردد الكورال المشترك بعض المقاطع الغنائية فيها. كما غنت فرقة الثلاثي المرح في الستينات عدد من أغنيات العمل أذكر منها أغنية «الأمل والعمل» بالإشتراك مع كورال الرجال ونجد أن الآلات العازفة هي آلات الأوركسترا السيمفوني بتوزيعات ثرية رائعة ، و أغنية «حبيبي عامل بيومية / وأنا زيلته الصبحية / الحب جمع أفكارنا/ إنتاجنا زاد في الوردية» بمصاحبة فرقة الموسيقى العربية الكبيرة. ومن المطربين التلقائيين غنى محمد طه واحد من أبرز مواويل العمل المعروف بموال العاملين في أحد أعياد العمال في ستينات القرن المنصرم والذي يقول في جزء منه «بحق محمد نبينا/ وعيسى نبي الله/ النور ويانا/ والعمال العاملين المخلصين أحباب ويانا / دي مصر أم العالم/ مصر جميلة وأصيلة / فيها ولدي وفيها بلدي --- إلى آخره» ، والجدير بالذكر أن محمد طه كان عاملاً في أحد مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وكان من الفنانين التلقائيين الذين يؤلفون كلمات ولحن مايتغنون به ببراعة وتميز. وأغنيات العمل التي قدمت خلال القرن العشرين أخذت موسيقاها شكلين ، إما الشكل التقليدي لتقديم الأغنية المتعارف عليها بالطقطوقة أو الأهزوجة والتي يصاحبها إيقاعات شعبية مصرية وعزف من آلات الفرقة الموسيقة العربية الكبيرة أو التخت ، وإما أن يصاحبها إيقاعات مستنبطة من المارشات العسكرية ويصاحبها عزف فرقة موسيقية تمزج بين آلات النفخ النحاسي مع آلات الفرقة العربية أو آلات الفرقة العسكرية. وفي الغالب كان للكورال دور في أغنيات العمل في هذه الفترة وهذا لا ينفي الإستثناءات. أغنية العمل في الألفية الثالثة خلال الستة عشر عام ونيف من سنوات الألفية الثالثة التي نعيشها إجتهدت كثيرا للبحث في ذاكرتي الموسيقية عن أغنيات العمل التي قدمها جيل المطربين والمطربات الشباب للعمال أو لقيمة العمل ، والحقيقة أنني لم أجد إلا القليل من هذه الأغنيات في ذاكرتي منها أغنية «طوبة فوق طوبة وابني» من كلمات شاعر الجيل المتميز أيمن بهجت قمر بكلمات مستنبطة من الموروث الشعبي ، لحن عمرو مصطفى الذي كان بسيطا لا يتجاوز الفكرة الواحدة التي تتكرر ، وتوزيع أحمد الموجي الذي قدم رؤية آلية بسيطة أيضاً في مصاحبة اللحن الغنائي الذي إعتمد فيه على مجموعة الكمنجات وبعض أصوات آلات النفخ النحاسي الصناعية ، أما زمن اللحن فكان في ميزان ثنائي مستنبط من الإيقاعات المارشية. والسؤال الذي يطرح نفسه في نهاية هذا العرض الموجز عن تاريخ وتحليل أغنية العمل في مصر هو: لماذا إختفت أغنيات العمل من ذاكرة الأغنية المصرية في الأربعة عقود الأخيرة تقريباً ؟ هل لأننا فقدنا الإيمان بقيمة العمل ؟ أم أننا مللنا من آلية رأسمالية العمل؟