تأمر جميع الأديان السماوية بالخير والحق والصلاح وتدعو إلى الرحمة والبِرّ والإحسان، وتوصى بالأمن والسلام، وما كانت يوماً عائقاً أمام التعايش والتعارف والحوار، وإنما يكمن العائق فيمن يتوهمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويستغلون الأديان فى تقدير مصائر الناس، مع أن ذلك لم يمنحه الله سبحانه وتعالى لأنبيائه المصطفين. إن التسامح يعنى قبول اختلاف الآخرين سواء فى الدين أو العرق أو السياسة، وقد حمل الإسلام الذى جاء به رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم بين طياته قوانين مهمة أبرزها اللين واللاعنف والتسامح الذى أكدته الآيات المباركة فضلاً عن الأحاديث الشريفة.يقول الله سبحانه وتعالي: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أحْسَنُ» (النحل 125)، .ويقول: «وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ» (العنكبوت 46).ويقول عز وجل مخاطبا أرحم الخلق صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ» (ال عمران 159)،.ويقول صلى الله عليه وسلم:«إنما أنا رحمة مهداة»، ويذكره الله فى كتابه العظيم قائلا: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء 107). ولو تحدثنا عن نظرة الإسلام إلى النفس البشرية بصفة عامة فهى مُكَرَّمَةٌ ومُعَظَّمَة، وهذا الأمر على إطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين، فالدين يتعامل مع نفوس بشرية مُكرَّمة، لا يجوز إهانتها أو ظلمها، أو التعدى على حقوقها، أو التقليل من شأنها، قال تعالي: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا» (الإسراء70) بل أكثر من ذلك يقول الله عز وجل فى وصفه الحساب يوم القيامة: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا» (الأنبياء: 47)، وهذا التكريم والتقدير والعدل عام وشامل، ويلقى بظلاله على المسلمين وغيرهم. أما عن حق الحياة للنفس البشرية، فإنه حق مقدس عند الله ويستوى فى ذلك المسلم وغير المسلم، والحر والعبد، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، فالجميع بشر متساوون فى استحقاق الحياة، ومن حق الإنسان أن يعيش حياةً آمنةً مطمئنةً، ولهذا حَرَّم الله الاعتداء على النفس، يقول الله عز جلاله «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة 32). وأما حقه فى الحرية فلا يقل قداسة عن حقه فى الحياة، فالحرية فى الشريعة الإسلامية حق طبيعى لكل إنسان، فهو يولد حراً، وتظل هذه الحرية تلازمه إلى أن يموت، فما من مولود إلا ويولد على الفطرة، التى خلقه الله عليها، فالإنسان حر فيما يفكر، حر فيما يعبر، حر فيما يعتقد، حر فيما يملك، وحر فيما يعامل به غيره، ولا ضابط لحريته هذه، إلاّ إبعاد الأذى عن نفسه وعن غيره. لذلك فإنه لا يجوز لإنسان أن يعتدى على حرية إنسان آخر، ولهذا قال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قولته الشهيرة لابن عمرو بن العاص «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». وأما عن الإسلام والمسيحيين فإن رسول الله أوصى بهم خيرا، وقال عن أقباط مصر: «إذا فُتِحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا»، لذلك فإن لهم منزلة متميزة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «من آذى ذِمِّياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة» وفى رواية أخرى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذميًا فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله»، كما نذكر قول محمد نبى الرحمة «من قتل معاهدًا لم يشم رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا». وأخيرا وعلى مدار تاريخ مصر وبعد دخول الإسلام مصر فقد دافع المسلمون والمسيحيون عن مصر ضد العديد من الطامعين حتى من رفعوا الصليب فى الحملات التى جاءت من أوروبا وقد رفع الهلال مع الصليب فى ثورة 1919، كما تكاتف الكل فى واحد ضد الصهيونية فى أكتوبر 1973. إن الدين لله ومصر وطن للجميع فتحابوا وتعايشوا وانصروها بالتكاتف والتضامن والاتحاد واعملوا بقول الله «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» (آل عمران 103) د. رجب إسماعيل مراد عميد كلية الزراعة بمطروح جامعة الإسكندرية