بدأ تصحيح مسار الدراسات الإعلامية العليا فى مصر هذه حقيقة أجمع عليها وتعهد باستكمالها كبار علماء الإعلام وأساتذته وخبرائه فى مؤتمر علمى، فريد بأهدافه، مميز بأدائه، مبشر بمناقشاته، مؤثر بدراساته وبحوثه. 300 عالم وخبير لبوا دعوة لجنة قطاع الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات، وجامعة مصر الدولية التى احتشدوا فى كبرى قاعاتها، لبحث «تطوير الدراسات العليا فى مجال الإعلام». اختاروا «المصارحة» فى تشخيص الداء، لينجحوا فى تحديد الدواء. كانوا أمناء إلى حد «الاعتراف» بعدة سلبيات. قال بعضهم: حابينا... جاملنا... أهملنا. قائمة «عتاب» انتهت بعهد صارم، ووعد قاطع من الجميع: لا محاباة... لا مجاملات... الدرجة العلمية لمن يستحقها فقط، وفق معايير جادة، وضوابط حازمة. جاء إجماع المؤتمر تفويضا أو تكليفا للجنة بإطلاق قطار التصحيح؛ ليدهس فوضى الدراسات الإعلامية العليا.بكلمات موجزة واضحة، تعهد الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى بتنفيذ المعايير التى تحددها اللجنة من خلال المؤتمر بجميع كليات الإعلام وأقسامه، بعد إقرارها من المجلس الأعلى للجامعات. وطالب بدمج البحوث والدراسات الإعلامية فى مجال التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للدولة. وشدد على ضرورة أن تتصدى تلك الدراسات للقضايا التى تشغل الدولة حاليا، خاصة التطرف والإرهاب.وحذر من أن مصر تواجه تحديات ومؤامرات غير مسبوقة؛ حتى لا تتقدم. ودعا إلى إعداد خطة بحثية حول تأثير الإعلام المصرى فى الوجدان العربى. قاطرة التنمية وفى تشخيصه أهم ضرورات التنمية، وصف السيد محمد الرشيدى رئيس مجلس أمناء جامعة مصر الدولية البحث العلمى بأنه “قاطرة التنمية” ويتصدر كل عوامل النهضة فى التعليم، والسياحة، والزراعة، والصناعة، والاستثمار... وغيرها.وحدد ثلاثة عناصر أساسية يحتاج إليها البحث العلمى فى مصر: الأول: كوادر بشرية متخصصة قادرة على إجراء بحوث علمية جادة بالمستويات العالمية. الثانى: دعم مالى مناسب؛ لتوفير الحد الأدنى من البنية التحتية اللازمة للبحث العلمى. الثالث: أسلوب متطور لإدارة البحث العلمى، يتخلص من المعوقات التى تتسبب فى ضياع الموارد المالية المحدودة المخصصة للبحث العلمى. وأكد الدكتور محمد شبل الكومى رئيس جامعة مصر الدولية أهمية دور البحث العلمى فى النهوض بمختلف مناحى الحياة ومجالاتها فى مصر والعالم. وأوضح اهتمام الجامعة بجودة التعليم، وتشجيع البحث العلمى، وتطوير المناهج والخطط التعليمية. وشدد على أهمية تعاون الجامعات ومراكز البحوث العلمية، لتشجيع البحوث والدراسات، ومواجهة التحديات، وإزالة العقبات أمام تحقيق المزيد من التقدم. أسئلة مشروعة واستهل الدكتور حمدى حسن نائب رئيس جامعة مصر الدولية وعميد كلية الألسن والإعلام حديثه إلى المؤتمر بطرح عدد من التساؤلات المهمة، أسهمت فى تحديد مسار المناقشات: هل من المقبول أن نمنح درجة دكتوراه الفلسفة فى الإعلام لباحث أجرى بحثا فى معالجة الصحف للسحابة السوداء؟ هل من المقبول أنه حتى الآن ليس لدينا ضوابط نفرق بها بين موضوعات الماجستير وموضوعات الدكتوراه؟ هل من المقبول أن يحصل 98% من المسجلين لدرجتى الماجستير أو الدكتوراه على الدرجات، وبتقديرات لا تقل عن الامتياز ومراتب الشرف؟ هل من المقبول أن تظل رسائل الماجستير والدكتوراه منذ نصف قرن على الأقل رهينة الاستبيانات وتحليل المضمون، وما أدراكم ما هما فى رسائلنا الجامعية؟ هل من المقبول أن نجيز أكثر من 300 رسالة سنويا لنيل الماجستير والدكتوراه وعشرات البحوث فى الترقية لدرجة أستاذ مساعد وأستاذ؟ هل من المقبول أن يكون لدينا هذا العدد من البحوث والدراسات فى الوقت الذى تعانى فيه صناعة الإعلام كل هذا الكم من المشكلات؟ الأبحاث على الأرفف أولى الاستجابات لتلك الأسئلة جاءت على لسان الدكتور سامى عبد العزيز رئيس لجنة قطاع الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات. قال: كيف نجيز 300 رسالة سنويا، ثم يزعم الباحثون أنهم «عانوا فى إعداد رسائلهم؛ بسبب ندرة البحوث العلمية؟!»وأعرب عن أسفه لأن الأبحاث والدراسات فى مصر على الأرفف، ولا أحد يستفيد منها بالشكل المطلوب. وأعلن فى حسم انتهاء عهد إصدار «التوصيات» فى نهاية المؤتمرات، واستبدال البرامج التنفيذية العلمية بها. مناقشة عشوائية أما الدكتور حسن عماد العميد السابق لإعلام القاهرة وعميد إعلام مصر للعلوم والتكنولوجيا فحصر المشكلة فى ثلاثة محاور: الأستاذ، والباحث، والرسالة. فالأستاذ توقف إنتاجه العلمى، وضاق وقته، وكثرت أعباؤه. ولجان مناقشة الرسائل عشوائية، وهناك إسهاب فى منح التقديرات. والباحث ضعيف فى مناهج البحث، وينقل من رسائل أخرى، ويهتم بالكم دون الكيف. والبحوث مسحية فقط، وحجم عيناتها مشكوك فيه. وخلال رئاسته الجلسة الأولى للمؤتمر، أكد الدكتور سمير حسين العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة أهمية التعاون بين الأساتذة والعلماء والخبراء؛ لتطوير الدراسات العليا. وقال: إن ما نحصده فى الدراسات العليا هو نتيجة التعليم الذى نعلمه لطلابنا فيما قبل المرحلة الجامعية.وأوضح الدكتور على عجوة العميد الأسبق لإعلام القاهرة خلال رئاسته الجلسة الثانية أهمية فكرة المؤتمر، وأكد ضرورة مجابهة التحديات التى تواجه التعليم فى المرحلة الراهنة. وحذر من استمرار التدهور الذى تعانى منه حاليا الدراسات الإعلامية العليا. ضعف البرامج أما الدكتور سامى الشريف عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة فأبى إلا أن يصارح المؤتمر بما يعتقده. قال: نحن أسهمنا فى إفساد الدراسات الإعلامية العليا. لم يكن يرمى أحدا بالفساد على الإطلاق، وإنما أطلق صيحة تحذير تستهدف المسارعة إلى «تصحيح المسار». توقف طويلا أمام قضية «المحاباة» بين الأساتذة، مشيرا إلى خطورتها على البحث العلمى. وفى توصيفه واقع الدراسات الإعلامية العليا بالجامعات، رصد الدكتور حسن على عميد إعلام جامعة السويس حقائق مهمة، شملت: ضعف البرامج الدراسية، وقلة التنسيق بين التخصصات المتماثلة، وغياب التكامل فى قواعد بيانات الرسائل العلمية. ولفت إلى الاختلاف بين الجامعات فى إجراءات القبول والتسجيل فى التخصص الواحد. وحذر من تكرار الموضوعات، وتطابق المعلومات، رغم اختلاف الباحثين وبحوثهم. إعادة هيكلة واقترح الدكتور محمود علم الدين أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة إعادة هيكلة برامج الدراسات العليا بخطة متكاملة تحدد الرسالة، والرؤية، والأهداف الإستراتيجية، والبرامج، والجهات المستفيدة، وآليات تنفيذ تلك البرامج. ودعا إلى التنوع فى البرامج، والتنويع فى أساليب التعليم، وتطبيق نظام الساعات المعتمدة، وتطوير نظم الإشراف، وبحث إنشاء كليات للدراسات الإعلامية العليا. وطالب الدكتور هشام عطية أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة بتشكيل لجنة لوضع إطار عام شامل للدراسات العليا فى قطاع الإعلام، يتضمن الأسس، والمبادئ العامة الحاكمة، والضوابط التنظيمية، والمتطلبات والإجراءات. واقترح بناء مواصفات قياسية موحدة لاشتراطات البرامج، وإعداد تقرير سنوى عن الاحتياجات والموارد اللازمة لأداء مهام كل قسم به دراسات عليا، والتخطيط لبدء امتحان قومى موحد لمنح درجتى الماجستير والدكتوراه، ووضع ميثاق أخلاقى للباحث والمشرف العلمى. وقدم الدكتور حسن أبوطالب مستشار مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام للمؤتمر رؤية من واقع صناعة الصحافة للدراسات الإعلامية العليا.تناولت الرؤية البيئة التشريعية وثقافة العمل المؤسسي، والهيكل العام للمؤسسات الصحفية والإعلامية، ومواصفات المؤسسة الناجحة ومقوماتها. خطة بحثية وطالبت الدكتورة منى الحديدى الأستاذ بإعلام القاهرة بوضع معايير علمية، وضوابط جادة للتسجيل لدرجتى الماجستير والدكتوراه، ومراجعة أساليب التقويم لمنحهما. وأكدت أهمية وجود خطة بحثية لكل قسم من أقسام الإعلام، تتفق مع متطلباته، واحتياجات مجتمعه، وبيئته العلمية. واستعرض الدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية جوانب من سلبيات الدراسات العليا فى المجالات الإعلامية حاليا، ووصفها بأنها أزمة كل العلوم الاجتماعية. وأشار إلى عدم وجود ميثاق شرف يحدد مواصفات الرسائل العلمية، الأمر الذى يحيط الإشراف عليها بالعديد من الملابسات. أسئلة مهمة الدكتورة سوزان القلينى عميدة كلية الآداب بجامعة عين شمس كانت مسك الختام. وصلت نهاية المؤتمر ببدايته، وأضافت إلى أسئلة الدكتور حمدى حسن أسئلة جديدة: هل نحن جادون فى تطوير الدراسات الإعلامية العليا؟ هل لدينا القدرة على حل مشكلات تلك الدراسات، وإزالة العقبات أمامها؟ هل نحن قادرون على حل مشكلات التعليم التلقيني؟ هل نحن مستعدون لإنهاء المجاملات، والمحاباة فى مناقشات الرسائل العلمية؟ هل نحن مستعدون لتغيير قوانين التعليم الخاصة بالدراسات العليا، للقضاء على السلبيات، وتعظيم الإيجابيات؟ الطريف أن رئيسة الجلسة الثالثة والأخيرة الدكتورة جيهان يسرى عميدة إعلام القاهرة أجابت عن جميع أسئلة الدكتورة سوزان بالإيجاب.